يوم أمس، تحديداً بعد صلاة العشاء جلسنا مجتمعين كعادتنا لتكتشف شقيقتي الصغرى نفوق إحدى السلحفاتين اللتين كانتا بحوزتنا، لا أخفيكم مدى تأثر الوجوه التي كنت أرقبها حزناً على فقدان السلحفاة، وكذا حسرة على بقاء السلحفاة الأخرى وحيدة دون رفيق يؤنسها!
تولى والدي مهمة الدفن، وتولت والدتي مهمة تهدئة الروع حتى نامت شقيقتاي.
في تلك الأثناء وبينما أنا واقفة، استذكرت نشرات الأخبار وما تنقله إلينا يومياً من أعداد موتى وقتلى أغلبها جراء حروب هوجاء، الأمر ليس في بث أخبار كهذه، بل بجمودنا نحن عند سماعها، فخبر سقوط قتلى أضحى خبراً اعتياديا لنا جلنا، إن لم أقُل كلنا، خبراً لا نحرك له ساكناً، لا نتأثر، لا نبدي أي مشاعر!
على عكس أخبار الفنانين وذوي الشهرة من نجوم الكرة أو إعلاميين ممن ندأب على متابعة تحركاتهم وتفاصيل حياتهم بنهم وفضول جد كبير، نفرح لفرحهم، ونحزن لحزنهم، حتى إننا نأسف وبشدة حين رحيلهم!
لكن، ماذا عن حلب التي تقصف، وأطفالها ونسائها ورجالها الذين يموتون أفواجاً أفواجاً بل وأكواماً وعوالمها التي بادت من على سطحها؟
ماذا عن سوريا كلها؟
بحواريها، بعبقها، بمآذنها، بتاريخها، بياسمينها!
كل يوم، يضمر جزء منها ويغدو هباء منثوراً، فهل فينا خير وشامنا تمزقها الفتن!
قد يرى الكثير أن ما يحدث معنا غريب، لقاء ما وصلنا إليه من لا مبالاة وتشبث بمبدأ "نفسي نفسي" تارة، وبمبدأ الصمت تارات كثيرة، لكن ليس غريباً لدي فإن لم يعرف العدو فقد رصدت أداته، ولا أداة أفضل من الإعلام الذي أسهم بشكل كبير في تأجيج الحروب وتنامي الكوارث على مختلف أنواعها وتداعياتها.. وإن كان من مهمة للإعلام غير الظاهر، فمهمته بالفعل الآتي:
– تحقير الكبير وتكبير الصغير، يعني بالضبط ما يقوله المثل الشعبي "يعمل من الحبة قبة" والعكس!
– تصعيد اللهجة وتعبئة الشعوب بخلق شيء من لا شيء.
الكل يذكر هجمات باريس وحادثة "شارل إيبدو"، وبعيداً عن ذلك هجومات 11 من سبتمبر (أيلول)، فقط فلنقارن اللغط الإعلامي والحديث المتواصل في كافة وسائل الإعلام صباح مساء لهذه الحوادث الثلاث مع التغطية الإعلامية لما يحدث بحلب مثلاً هذه الأيام!
هل لمستم ضخامة الفرق؟
هنالك غيرها الكثير من المهام، لكن أهم مهمة هي:
التظليل عن الحقيقة، وتنسية قضية بأخرى بتوجهه من أزمة لأزمة، وشغلنا بها ثم الانتقال إلى أزمات أخرى دون الرجوع إلى سابقاتها، والغرض تناسي قضيتنا الأم "فلسطين"، بهذا يضيع المشاهد العربي رغم كل ما ينسب إليه من ذكاء، و يختلط لديه الحابل بالنابل.. ولا يعرف من صاحب الحق ومن صاحب الباطل.
كل هذا لأن الإعلام بات مهنة من لا مهنة لديه!
لست أعمم كون التعميم قاعدة المرضى، لكن وإن سلمت فئة منه فهي الآن تتبع القطيع وتجاري ما يقال ويحاك لدى نظيراتها فقط لسبق، وإن لم يكن حقاً، وكذا لاعتلاء المراكز الأولى من حيث أعلى نسب المشاهدة، وإن لم تكن مقتنعة بما تقدم!
هنيئاً للإعلام إذن، الذي نجح وبتفوق في أن يجري قلوبنا كما اشتهت رياحه.
أما فلسطين، وسوريا، واليمن، والعراق، ومصر، وكل من يعاني ويلات سببها موت قلوبنا، لكم الله فهو خير كفيل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.