هل سيعتذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للصحفيين؟ هل سيقيل وزير الداخلية أو يدفعه للاستقالة كما طالبت قرارات الجمعية العمومية اليوم الأربعاء 4 مايو/ أيار 2016؟ هل ستلتزم الصحف الحكومية والخاصة بقرارات النقابة؟ وفي المقابل هل ستعاقب الحكومة الصحفيين بسحب بعض الامتيازات التي تقدمها لهم؟ أو تزيد من وتيرة التصعيد باعتقال نقيب الصحفيين بتهمة إيواء هاربين من العدالة بمقر النقابة؟
أسئلة عديدة طرحها "عربي بوست" على أعضاء مجلس نقابة الصحفيين، وسياسيين وأمنيين وكتاب، لرصد سيناريوهات المستقبل في ظل التصعيد المتبادل بين الحكومة والنقابة.
اعتذار الرئيس
على رأس مطالب النقابة الصادرة اليوم كان مطلب تقديم الرئاسة الاعتذار لصمتها عن الانتهاكات التي تعرضت لها وقبولها بالإجراءات القمعية التي انتهجتها وزارة الداخلية، وإزاء هذا التصعيد من جانب النقابة هناك 3 سيناريوهات تنتظر أقرب إلى المتوقّع على النحو التالي:
(الأول) أن يعتذر السيسي ضمناً، ويقيل وزير الداخلية، ويطلب من النائب العام إلغاء حظر النشر الذي أصدره وتحدته النقابة، ما قد يعتبر مقدمة للتراجع، وهو ما قد يترتب عليه تداعيات خاصة في ظل حالة الاحتقان الشعبي وهو سيناريو يستبعده كثيرون.
(الثاني): أن يرفض السيسي الاعتذار أو يستمر في نهج الصمت الذي اتبعه منذ بداية الأزمة، ويرفض إقالة وزير الداخلية، ويدخل بذلك في حالة تحد مع الصحفيين ما قد يكون بدوره مقدمة لتداعيات أخرى وتصعيد قد تنضم له قوى سياسية ونقابية أخرى، وهو ما يرجحه كثيرون.
(الثالث): أن يبادر السيسي بحل وسط، بعقد لقاء، بحسب ما يتوقعه ويدعو له "ياسر رزق" لـ "عربي بوست" مع مجلس النقابة لتبريد الأزمة، ولكن كثيرون يرون أنه لو حدث هذا لن يتضمن حديث الرئيس أي اعتذار وإنما التعبير عن احترامه لحرية الصحافة، دون قرارات واضحة أو تغيير في الأزمة بهدف تمريرها.
هل سيعتذر السيسي؟
"هل سيعتذر السيسي للصحفيين؟" رفض ياسر رزق رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم الرد على هذا السؤال تحديداً، ولكن قال إن "الصحافة لن تقف وجهاً لوجه أمام النظام".
فيما استبعد د. عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية السابق وأستاذ القانون الدولي القول باعتذار السيسي وقال: "السيسي لن يعتذر ولن يقيل وزير الداخلية الذي دافع عنه النائب العام ما يشير لتضامن أجهزة الدولة ضد الصحفيين، لأنه يعلم بهذه الانتهاكات والداخلية عندما تقوم بأي انتهاك ومعها القضاء فهو الذي يأمرها بذلك وإلا لاتخذ قرارات ضد الشرطة وهو ما لم يحدث".
وأضاف "الأشعل": "إذا كان الرئيس لا يعلم فهي كارثة، ولكنه أطلق يد الداخلية لتصطدم بالشعب وليكن ما يكون، والداخلية يبدو أنها طمأنته بأنها قادرة على القمع، وهو (السيسي) سبق أن طمأنهم أنه لن يُحاكم أحد منهم مهما كان الجرم الذي ارتكبوه".
وأكد ذلك أيضاً وكيل نقابة الصحفيين السابق محمد عبد القدوس الذي أكد جازماً: "لا لن يعتذر لأن هذا حكم عسكري والاعتذار يحدث فقط في الدول الديمقراطية".
هل يقال وزير الداخلية؟
مصدر مقرب من وزارة الداخلية قال إن الحديث عن إقالة الرئيس لوزير الداخلية أو استقالة الوزير بطلب من الرئاسة "أمر مستبعد تماماً".
وأبلغ المصدر – الذي رفض ذكر اسمه – عربي بوست، أن وزير الداخلية الحالي هو أنجح وزير في رأي الرئاسة، ومن الصعب التضحية به، لذلك لم يتخلص منه السيسي في أزمات سابقة أخطر مثل سقوط الطائرة الروسية في سيناء وما نسب للشرطة من معلومات غير مؤكدة حول وجود "تسيب أمني" في مطار شرم الشيخ".
ويؤيد السفير "الأشعل" كلام المصدر الأمني، الذي يؤكد أن الوزير لم يقال أو يستقيل، مؤكداً: "مستحيل لأن السيسي لن يجد أفضل منه فهو أحسن المناسبين له والمنفذين لخططه الأمنية."
ويقول ممدوح الولي نقيب الصحفيين الأسبق: إن "قرارات الصحفيين خطوة على طريق كسر الانقلاب"، ولكنه يعتبر أن "عزل وزير الداخلية لا يكفي، فقد جرى استبدال الوزير الحالي بالسابق ومع هذا زادت التجاوزات"، ويقول إن "الجنرال (في إشارة للرئيس السيسي) هو المسؤول".
ويضيف "الولي" إن "تغيير الممارسات الشرطية القمعية إزاء الحريات، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات طوال السنوات الثلاث الماضية، هو المطلوب، ولن يرضى الصحفيون والمصريون بغير الإفراج عن المعتقلين، من المواطنين والإعلاميين بلا تفرقة، وعودة الحقوق إلى أصحابها، ومحاسبة الجنرال على ممارساته القمعية"، مشيراً إلى أن هناك حالياً 89 صحفياً وإعلامياً بالسجون المصرية، آخرهم من اعتقلتهم الشرطة من مقر النقابة.
هل ستلتزم الصحف بقرارات النقابة؟
مع صدور قرارات الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين مساء الأربعاء التزمت العديد من الصحف الخاصة والحكومية بقرارات النقابة، وأعلنت هذا في بيانات، ووضعت شارة سوداء على صحفها، كتبت عليها (حداداً على حرية الصحافة)، وكان موقع صحيفة "الوطن" أول من بدأ التطبيق لقرارات نقابة الصحفيين، بوضع صورة "نيجاتيف" لوزير الداخلية وحجب صورته الأصلية بموجب قرارات النقابة.
وأكد رئيس تحرير جريدة "الوطن"، الصحفي محمود مسلم، لـ "عربي بوست" أن "الجريدة ملتزمة التزاماً كاملاً بقرارات الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين"، مشيراً لبدء الامتناع عن نشر اسم وزير الداخلية ووضع صورته "نيجاتيف سوداء".
والتزمت أيضاً بقرارات الجمعية العمومية للصحفيين صحف الشروق، واليوم السابع، وبوابة الأهرام، وبوابة أخبار اليوم، والبوابة نيوز، وصحيفة المقال، والتحرير، وفيتو، والأهرام العربي، والأهرام الزراعي، ومصراوي، ما يشير لالتزام أغلبية الصحف، إلا أن صحيفة "الجمهورية" الحكومية لم تنشر ما يفيد التزامها بالقرارات.
وأكد "أسامة داوود" عضو مجلس النقابة لـ "عربي بوست" أن "الصحف جميعاً استجابت لقرارات الجمعية سواء الحكومية أو الخاصة"، مؤكداً أنه إذا لم تستجب الصحف الحكومية سيتم اتخاذ إجراءات ضدها من قبل مجلس النقابة".
وقال رئيس تحرير جريدة "الشروق"، جمال الدين حسين أن اقتراح تسويد صفحات الجرائد، كان قد تم الاعتراض عليه من قبل رؤساء تحرير الصحف القومية في الاجتماع الذي عقد في النقابة قبل بدء الجمعية العمومية، مشيراً إلى أنهم قالوا "إن الصحف تصدر من أجل الشعب لتعريفهم بما يحدث"، إلا أن قرارات الجمعية العمومية باتت ملزمة لهم.
سيناريوهات التصعيد؟
"أسامة داوود" قال إنه "تم تشكيل لجنة من مجلس النقابة لمتابعة الأزمة والإصرار على الاعتصام دون سقف زمني محدد لحين الاستجابة للمطالب".
وقال إن "مجلس النقابة كان مطلبه اعتذار رئيس الوزراء لكن الجمعية العمومية الطارئة أصرت على اعتذار السيسي"، مشيراً إلى أن "طلب اعتذار السيسي جاء باعتباره حكماً بين السلطات، وهذا قرار الجمعية العمومية وعليه أن يستجيب لوأد الفتنة".
وتابع: "الثلاثاء القادم ستتم دراسة أي جديد وتصعيد الاعتصام ومنع أخبار الداخلية وتسويد صورة الوزير أي نشرها عفريتة".
ولم يفصل نقيب الصحفيين يحيى قلاش، في شرح سيناريوهات التصعيد بعد يوم الثلاثاء ما لم تستجب الدولة لمطالب الصحفيين، واستمرت في حصار النقابة، ولكنه قال: "ستتضمن قرارات أخرى سوف يبحثها مجلس النقابة مع الجمعية العمومية المنعقدة بشكل شبه دائم"، مشيراً لوضع "قائمة سوداء بأعداء الحرية" ممن انتقدوا النقابة
وقال "قلاش" لـ "عربي بوست": "طلب النقابة بإقالة وزير الداخلية ليس رغبة في الانتقام أو التصعيد، بل تعبير عن إرادة حقيقية في التوصل إلى حل جذري لهذه الأزمة، فنحن لسنا في عداء مع الدولة ولكننا نريد الحفاظ على قيمٍ راسخة منذ 75 سنة".
وتابع: "الأخطر في هذه الأزمة أن من افتعلها اختار تصعيدها حتى النهاية دون اعتذار ودون محاسبة لمن ارتكب الخطأ اختار خطاباً تحريضياً وتصعيدياً ضد النقابة ناسياً أنها نقابة الشعب، متجاهلًا عن عمد أن الصحفيين اختاروا طوال تاريخهم الانحياز لكل قضايا الوطن والشعب".
إلا أن السفير "عبد الله الأشعل" يرى أنه: "لا يوجد في جعبة النقيب والصحفيين أوراق ضغط كثيرة، لكي يستجيب النظام لمطالبهم"، متوقعاً أن يحاول "صحفيون كبار مقربون من النظام، أن يفسدوا وحدة الصحفيين وإفشال أي تصعيد مقبل"، على حد تعبيره.
ويرى وكيل النقابة السابق محمد عبد القدوس أن "سيناريوهات التصعيد سوف ترتبط بقدرة النقابة والصحفيين على الحشد الشعبي وحجم تأييد المجتمع والقوى الوطنية خلفهم".
وأشار إلى سعي الشرطة لحصار النقابات وترهيب أي نقابي أو سياسي ومنعه من التضامن مع النقابة، وكذا وضع موالين للأمن (المواطنين الشرفاء) قرب النقابة لسب الصحفيين وإعلان دعمهم للرئيس السيسي، لإظهار أن هناك موقفاً شعبياً معارضاً لتصعيد النقابة".
ويقول رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، حافظ أبو سعدة، وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان (مجلس حكومي) أنه يرى من الواجب على الطرفين وقف التصعيد، قائلاً: "يجب وقف التصعيد بين النظام الحالي ونقابة الصحفيين، على خلفية الأزمة الأخيرة بعد اقتحام النقابة".
مصير نقيب الصحفيين
ويستبعد خالد البلشي عضو مجلس النقابة ورئيس لجنة الحريات أن تجري مساءلة نقيب الصحفيين، في واقعة اتهام النائب العام النقيب ضمناً بمخالفة القانون لأنه سمح بإيواء صحفيين مطلوبين للنيابة.
وقال لـ "عربي بوست" "نرفض تلويح النيابة وتهديد نقيب الصحفيين باعتباره أخفى الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا، فهذا عيب وخطأ وكان لا يجب أن تقع فيه النيابة وليس منوطاً لها التدخل في الأمر".
ويتابع: "الجماعة الصحفية لن تقبل مثل هذا التهديد فنحن نخوض معركة طويلة الأمد ونحن مستعدون لها فنحن نتعامل مع أجهزة تحاول تغليظ العصا لضرب معقل الحريات كي يخضع المجتمع كله وهذا ما لن تسمح به الجماعة الصحفية".
هل تسحب الحكومة امتيازات الصحفيين؟
هنا يؤكد نقيب الصحفيين يحيي قلاش، أن الصحفيين "أصحاب حق وطلاب حرية، وأنهم لن يتسولوا حقوقهم من أحد"، مستبعداً سحب هذه الامتيازات لأنها "حقوق" وليست منحة من الحكومة.
فيما يرى خالد البلشي أن تهديدات سحب الامتيازات مرفوضة وقال "نرفض أي تهديدات مادية فبدل النقابة حق لكل صحفي وليس منة من الحكومة".
ويقول سكرتير النقابة جمال عبد الرحيم أن "التلويح بتهديد النقيب معناه أنه لن تكون هناك نقابة ومعناه أنه لا حصانة لأحد، وهذا أمر لا يعقل ومرفوض رفضاً تاماً من قبل الجماعة الصحفية".
ويؤكد لـ "عربي بوست" أنه "إذا لم تتم الاستجابة سنصعد يوم الثلاثاء لمطالب الصحفيين سندرس إضراب الصحفيين وتصعيداً أقوى يصل لحجب الصحف ليوم واحد وعلى الطرف الآخر عدم التعنت أكثر من هذا".