عما تحتاجه فلسطين الآن

وهذا ما يفسَّر على أن الحالة السردية في قراءة هذه الخطابات التي تكون أشبه بالحالة المتخبطة والمتباينة، تشبه حالة المجتمع الذي أرغم على نوعية خطاب متباين ومتضاد بين الأقوال والأفعال، وهذا بدوره ما يساهم في دحض وتراجع الحالة النضالية الوطنية الشعبوية

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/04 الساعة 03:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/04 الساعة 03:28 بتوقيت غرينتش

ما زالت العديد من الأحداث الفلسطينية التي تلازم المشهد الداخلي في الآونة الأخيرة، والتي تأتي كجزءٍ من حالةٍ تمثل انعكاس نبض الشارع الفلسطيني، بعيدةً عن أيِّ خطابٍ يتواءم ومتطلبات نيل الحرية والتحرر من الاحتلال، وعن المعاناة والقهر والظلم وسلب كرامة الإنسان التي يتعرض لها الفلسطينيون يومياً.

وهذا ما يُحتِّم على صناع الخطاب الاستجابة لبعض النخب الفكرية، التي باتت أقرب لرؤية الشارع، والتي تُنَظّر لبلورة خطاب حقوقٍ يقوم على حق الشعب في تقرير مصيره، ويندرج ضمن الأسس ديمقراطية، لأن الافتراض هنا يقودنا إلى أن خطاب الوضع الراهن "حالة لا سلم- لاحرب" و "حالة لا تحرر- لا دولة" يقود إلى استيعاب الفلسطينيين للمزيد من التنازلات السياسية مقابل امتيازات ممنوحة لهم.

يعيش الفلسطينيون في الآونة الأخيرة حالةً من فوضى الخطاب، حيث ساهم ذلك في إثارة نقاش في الشارع الفلسطيني، حول قدرة المؤسسات الفلسطينية على إظهار وبلورة نفسها بطريقة تؤهلها على اتخاذ قرارت فردية وأحادية الجانب دونما أيِّ اعتبار لوجود الاحتلال أو لصلاحية الاتفاقيات وشرعية المؤسسات متخذةِ القرار، وذلك في خطاب التحرر من الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال، ومن ناحية أخرى دار نقاش آخر حول إقصاء الهبة الشعبية الشبابية لأيَّ تفاعل وتقارب وتوازنٍ مقترن مع أرض الواقع يساعد في بلورتها لتصل إلى أن تصبح انتفاضة شعبية، وهي التي تأتي لتمثل حالة سخط الشارع على انسداد آفاقه، ومن ثم نجد تطور حالة السخط من حالة "ما بعد تنازلات" وهي الحالة التي أفضت إلى "التفكيك البنائي للمجتمع"، والتي تقوم على تأويل الخطاب وفق حالة هيمنة، وذلك بافتراض عدم وجود خطاب شعبي، وعلى الشق الآخر نجد أن حالة الحصار المطبق على قطاع غزة واستمرار الانقسام أثَّر بالسلب على طبيعة الخطاب الضاغط على إسرائيل لتَحَمُّلِ مسؤوليتها تجاه الأفعال التي صنعتها ممارساتها على الشعب الأعزل، وذلك دون إغفال تكريس المقاومة كجزء من خيار الخطاب الذي ظهر جلياً في العدوان الأخير على قطاع غزة، ولكن نجد أن المنظومة الثقافية الأيديولوجية في بعض الاحيان أثرت على كيان الخطاب السياسي.

وهذا ما يفسَّر على أن الحالة السردية في قراءة هذه الخطابات التي تكون أشبه بالحالة المتخبطة والمتباينة، تشبه حالة المجتمع الذي أرغم على نوعية خطاب متباين ومتضاد بين الأقوال والأفعال، وهذا بدوره ما يساهم في دحض وتراجع الحالة النضالية الوطنية الشعبوية، وذلك في إطار سيطرة الخطاب غير الجمعي في إطار البحث عن حالة السلطة والقوة، وكل ما غير ذلك هو بالضرورة يولد "خطابَ حقوقٍ" وذلك يؤدي فعلياً إلى المضي في بناء صيرورة نضالية هوياتية وطنية جمعية، تمثل انعكاساً لحالة الوعي التحرري لهذا الشعب، وتساهم أيضاً في تنمية هذا الوعي الفكري للشباب.

وعلى جانب آخر يكرس جزءٌ من الأفراد الفلسطينيين غير الرسميين خطابَ حقوقٍ غير رسمي يمثل حالةً من النشوة الفكرية والثقافية في تبني وسائل ونماذج معيارية تساهم في تجريم الاحتلال على أفعاله وتزيد من رقعة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، في إطار اعتبار أن الخلاص من نير الاحتلال يأتي بعيداً عن السياسة، وفي إطار خطاب يرتكز على مقاطعة المحتل ووقف جميع أشكال التطبيع معه بشكل ممأسس يناهض جميع أشكال الاستعمار ويعمل على تفكك التبعية السياسية والاقتصادية له، وفي ذلك تفنيد للفرضية التي تتنبأ بعدم وجود خطاب شعبي وإن كان مقتصراً على حالات فردية.

وكل ذلك ما هو إلا ضرورة حتمية لتعميق فهم حالة أن الواقع الفلسطيني الداخلي لا ينسلخ عن الواقع العربي الذي وجد نفسه خارج إطار فهم الضرورة الفعلية لخلق حالة من التجديد والتحديث في النظام السياسي، والتواؤم مع مرحلة تبدو فيها جميع المسارات تؤكد على ضرورة بلورة تَقَدُّمٍ في الخطاب الديمقراطي ودولة القانون، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان، وتوسيع رقعة المشاركة السياسية، وتعميق التعددية والتنافس على السلطة عبر الانتخابات، فغياب كل ذلك أدى إلى معضلة الدولة في العالم العربي، والقائمة على مجموعة تحديات أبرزها غياب الحوكمة.

ومن هنا وفي إطار فهم حالة التفريغ السلطوي خارج إطار القانون، هذا يستوجب الاتفاق على خطاب يضمن للشعب حق تقرير مصيره، ويأتي ضمن أسس ديمقراطية لمشروع وطني فلسطيني جديد، يشمل برنامجاً سياسياً موحداً، واستراتيجية تحرر وطني تضمن حق العيش الكريم للمواطن الفلسطيني، وعلى أن يساهم هذا الخطاب الحقوقي على إيجاد صيغة فكرية توعوية شعبية في كيفية بلورة بناء عقد اجتماعي لمصالحة بين التيارات الوطنية والإسلامية، وإنهاء الانقسام، والتوافق على حركة وطنية، وذلك بإطار إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير بشكل يضمن مشاركة جميع الفصائل الفلسطينية، وتحديد العلاقة مع الاحتلال على أساس التحلل التدريجي من الالتزامات المترتبة على الاتفاقيات الموقعة، وذلك في إطار تغليب حل هذه الأمور بطرق ديمقراطية، وكل ذلك يأتي في محاولة قراءة أن المسعى الأول لتحقيق الديمقراطية هو نهاية عمر الاحتلال.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد