إن غلق باب "الاجتهاد الفردي" في البحث عن مخرج لأزمة الجماعة الحالية كان إغلاقاً لباب على مأزومين، فبدلاً من أن يستشرفوا الغد بآفاقه، ويستنشقوا زهور التطلع إلى حلول، صار شرفاؤوهم أكثر تأزمّاً، واستداروا نحو بعضهم بعضاً، فأوسعوا أنفسهم وأشبعوها خلافات، وازداد الخرق على الراقع أكثر، فصارت الأيام تحمل عذابات للمخلصين منهم ومشكلات.
فيما الجانب الآخر "منهم" الذي نجح في الإمساك بالمال أكثر حرصاً عليه، آلية الشورى التي جاءت به تنكّر لها، والأسباب واهية وحاضرة، ومخالفة الحقيقة في القول والفعل في مثل هذه الأجواء لديهم غير منكر.
وما يغيظك ويجعلك تراجع مرارات الحياة التي عرفتها من قبل ولم تعرفها: يقين عدد غير قليل من هؤلاء بأنهم منصورون، دون أن يبذلوا سبباً صحيحاً، ودون أن تكون لديهم رؤية أو استراتيجية، ولو شبه واضحة، للطريق الذي سيسلكونه حتى ينتصروا، وإنما هي مجرد أوهام وأمانيّ، وأعتذر من وصف الحقيقة باسمها: "ترهات" ليس أكثر!
لم يدخل الرسول (صلى الله عليه وسلم) حرباً وصفّه منقسم، ولم يبدأ نذر معركة في حياته إلا ولديه تخطيط واضح لها، ولم يكن النصر ليتنزل على أحب خلق الله إلى الله وهو جالس في بيته، أو عاكف في محرابه فحسب، ولم يحدث هذا مع رسول أو نبي على مدار التاريخ، ولكن السادة من السواد الأعظم من عقلاء الجماعة الباقين على نفس طريقهم وأسلوبهم يفكرون بهذه الطريقة الآن.
1ـ توازن القوى مطلوب قبل الدخول في أي معركة أياً ما كانت وكان أطرافها، فإذا كان الجيش الذي رفعه الإخوان أيام حكمهم على الأكتاف وهتفوا له وبه "الجيش والشعب إيد واحدة" هو نفسه الذي انقلب عليهم، وإذا كان قائدهم المُعين من قبل الإخوان قائده اليوم عملياً، فالأمر مدعاة في النهاية لمراجعة الحسابات بدقة، وطريقة التفكير، ومن أين تؤتى الجماعة؟
2ـ البكائيات على الخونة والخائنين، وتذكر أفعال فرعون بسيدنا موسى، وموقف الرسول العظيم من غزوة أحد، والمواقف المُستشهد بها عظيمة لكن ليست في سياقكم، باختصار الانقلابيون عملاء لكن الأمر لدى الجماعة لم يخل من الغباء بصورة واضحة، والذي لا يرى هذا اليوم فليراجع مقاييس الذكاء لديه.
3ـ ليس من المحبة للشرف ولا الشرفاء رؤية الخطأ الواضح بل الخطيئة على أنه صواب، وإن المُندسين عديمي الموهبة، سليطي اللسان، ويود المرء الاعتذار لكن كيف وهؤلاء لا يعتذر منهم ولا إليهم، وإن أولاء المتبجحون الذين توسعت الصدور والسطور والشاشات لبعضهم ما زادوكم إلا إغراقاً. وفي وقت كهذا لما يبدو سواد نفوسهم وعطنهم فإنه لأمر بالغ الإيلام!
4ـ الفصل بين التربوي والسياسي كان مطلوباً بالأمس وللجماعة أشد حاجة إليه اليوم، إن النظر لأفراد في الصف على أنهم سجنوا وأُبتلوا فواجب تقديمهم يساوي الدوران في نفس المنزلق والوضع الحالي إلى ما لا نهاية، ولم يخلق الله الأرض وهذه الحياة ليموت الشرفاء المخلصون في معارك صفرية ليسوا بمؤهلين لها.
5ـ خطاب الهزيمة اليوم بخاصة النفسية الغالب على الجماعة، ومنه الاستسلام للحظة، ورؤية كل محاولة للإشارة إلى حل صيحة للحرب، والتبلبل والتزعزع، واحتواء الجماعة في نفس الوقت عديميّ البشرية طالما أسمعوا القيادات ما تحب، والتنصل وتشويه صورة كل من أحب الإشارة إليكم بخطأ المسير بل المسيرة.
6ـ الخطاب الإعلامي للجماعة للأسف أكثر من فاشل، والأمر يحتاج لأكثر من مقالة منفصلة، فإن التشويش على رؤى وأفكار الجماعة نفسها تتم ترجمتها إعلامياً على يد إما مخلصين لكن منصاعين لما تبثه الجماعة بأذهانهم، أو خونة مندسين من آسف يهمهم المال المتبقي لدى الجماعة، وبين هؤلاء وأولاء تظل الجماعة إعلامياً تتخبط إلى ما شاء الله.
7ـ استنفاد الوسع لا فائدة منه على الإطلاق طالما الجماعة تسير في الطريق غير الصحيح، إننا لما نمضي على درب واضح ونمتلك إرادة قوية، وسلاحاً بمعنى الكلمة نافذاً، ويتأخر النصر ساعتها نبحث عن استنفاد الوسع، ونقول لما نخرج من حولنا إلى حول الله بالكامل ينصرنا الله، أما أن تجلسوا في انتظار النصر منذ 3 من يوليو 2013، ولما لا يأتيكم تنامون وقولوا نستفرغ طاقاتنا، فهذا ما لا يرضي الله ولم يحدث على مدار التاريخ.
8ـ لا أعرف من هو الذي أقر في أذهان الجماعة أمراً غريباً عجيباً: أنها منتصرة؟ وأن قادتها موصولون بالله في الحياة الدنيا والآخرة، أولاً الصلة بالله هذه عبادات على العين والرأس بينكم وبين خالقكم سبحانه وتعالى، ولكن أمور السياسة والدنيا التي لا تجيدها الجماعة، بوجه عام هنا وبلا تخصيص أو اعتذار أو "ديالو".
ويكفي الجماعة أن سياسيها الذين لم يحسنوا قيادتها في الماضي هم الذين رُشحوا للبقاء على قلبها حتى شهور مضت في صورة الساسة، والمتمسكون بالكراسي في صورة القادة، وهم المعزولون لا يملكون رؤية، وهم القادة لا يملكون معرفة بيومهم فضلاً عن دراية بغدهم، ويكفي الجميع ما هم فيه من اختلافات والبكاء على الأمس.
9ـ لا سياسة يجيدون، وإعلاميون يزينون لهم الهزيمة، سواء من داخلكم بحسن نيّة، أو أولاء المحسوبون عليكم، ويتمادون في خداعكم، والأمثلة معروفة، ولم أكن أحب التحديد ولكن اسألوا "فلوس إخوان مين يا لولو.. ده إحنا بنشتغل معاهم بشروطنا"، وأتحدى أن يدلني أحدهم على إعلامي من الصف الأول أو الثاني أو حتى الثالث في قنوات الشرعية ذي خلق وفكر إخواني من الأساس أو حتى صاحب فكرة وموهبة، فكيف تنتظرون تغيراً.
10ـ الجانبان الماضيان يثمران مصائب من آسف دفع الناس إلى الخروج إلى الشوارع وإيهامهم بوجود صف ثائر وإمكانية تحقيقي نصر دون أدوات.. ومزيد من الموت والإصابة والاعتقال والدافعون إليهم هانئون مع أبنائهم!
11ـ هل أنهت مظاهرات صراعاً من قبل كان الجيش طرفاً فيه بدولة ذات خصائص من مثل مصر فريدة في طبيعة الشعب، وتغلغل المسالمة في النفوس؟!
12ـ الذين تثيرهم هذه المقالات، وهذا هو الأخير فيها، والأمر لا يمنع من إعادة التناول بمحاور وآفاق أخرى، هل يحسبون أن حبس كل صوت مشير إلى دقة وصعوبة اللحظة ووجوب أخذ العبرة والآية للخروج إلى الغد بحل، هل منع كلماتنا وحبسها هو الحل؟ وساعتها ما البديل لديكم أولاء الكتبة الذين يمجدون لكم مواقفكم، ويرون إبداعاً في كل خطوة غير موفقة تأخذونها!
"2"
لما يأتي التوفيق من رب العباد تجد أغلب الصف منظومته متناغمة متكاملة تسير نحو الحل، والتضحيات في محلها أو قريبة جداً، مهما طال بها الزمان، لكن الله تعالى له سُنن كونية، فإذا رأى وعلم سبحانه اختلاط الحابل بالنابل، والشرفاء المخلصون مغلبون على أمرهم، وأولئك الأغبياء أحياناً، والأدعياء أحياناً أخرى، بل المتربحون المتكسبون، وأحياناً أصحاب الخطايا وعديمو المروءة والدم في صفوف متقدمة.
ولما يكون التصرف في المال الخاص بالمال تصرفاً فردياً من باب العزوة وتقريب ذوي الإخلاص على حساب الكفاءة، ولما تجد مأفونين مقربين يخطئون باللفظ والفعل، والجماعة توسع لهم لأنهم على رأيها، وفي النهاية لما تجد الناس يتم أسرها وقتلها ومطاردتها بلا انتظار لنتيجة سوى أن غباء هنا، واستسلام هناك، ثم خيانة في قلب الصف وتربحاً.. لما ترى كل هذا بوضوح أنى يتأتى نصر وتوفيق من الله لهؤلاء!
انقلاب "كنعان إفرين" في تركيا 1980م، فضل "نجم الدين أربكان" مقابله الاعتقال بنفسه، والصمت حفاظاً على مئات الألوف من أتباعه، انقلاب، وهو رئيس حزب السلامة الوطني آنذاك، إنه المعلم للحركة الإسلامية الحديثة في تركيا، لم تغره القوة ولم تأخذه العزة للتراجع مع انقلاب 1997م، وإنما أمر الملايين من أتباعه بعدم النزول إلى شوارع تركيا والحفاظ على أرواحهم، وتقبل بالسجن من جديد، نفس موقف الإخوان في مصر لكن الرجل قلل من الأخطاء، وأدار المعارك بمحبة لدينه فيها من التعقل ما فيها، وحتى لما أسس حزب السعادة وأدخل السجن من جديد في 2003 قبل بالأمر حتى عفا عنه الرئيس عبدالله جول في 2008م، ليتوفى في 2011م عن عمر يناهز 84 عاماً، لكن ثمار مسيرته أتت ينعها عبر "رجب طيب أردوغان" وحزب العدالة والتنمية.
إن الأمر ليس أمر عواطف ولا الزج بالملايين في أتون المعارك التي لستم مؤهلين لها سوى بالكلمات التي لا تدار حتى في مكانها المناسب، وتصدر غير المخلصين هنا وهناك لأكل المال وبلبلة الصفوف والمتاجرة بالأعراض والدماء والأنفس، وأين تقوى الله تعالى منكم في كل هذا إذا كنتم تقربون الدنيء أحياناً كثيرة؟ وتصرون على أسباب الهزيمة وترون فيها نصراً لا تعلمون ولا تعرفون من أين يأتيكم.. فقط لأن ما تبقى لديكم من قيادات يتوهم ذلك.
كيف لا تقرأ جماعة مثل الإخوان التاريخ القريب والبعيد النجاح في تركيا وغزة؟
وكيف تستسلم لأدنى الناس فكراً ليُعملوا مشارط الغباء غالباً فيها والخيانة من جانب آخر قل أم كثر؟
سؤال واحد غير أسباب الترشح للرئاسة في 2012م وملابساته المعروفة:
لماذا نزلت الجماعة إلى الاعتصامات بعد أو قبيل 30 من يونيو/ حزيران 2013م؟
هذا مع تقديري الوجداني لكل الذين استشهدوا وأصيبوا واعتقلوا هناك، أفلم تكونوا تعيدون سيناريو 25 من يناير 2011م، وقد كنتم هناك ولكن محاولة الثورة هذه، أو سمها ما شئت، ما كانت لتنجح لولا رغبة أميركا والجيش المصري في الانقلاب على مبارك، وما زلتم تنتظرون تكرار الأمر بعد زوال مبارك؟
من آسف تدور جماعة الإخوان في حلقة مفرغة، ما زوال السيسي عدوهم الأول، حبيب الأمس، منهم ببعيد، أو بعزيز على الله، ولكن زواله لن يعيدهم إلا شرفياً، إن حدث، حلم رجوع الرئيس محمد مرسي، وهو برغم كونه حلماً مؤقتاً جداً، ومرهوناً عند حدوثه بالدعوة إلى انتخابات رئاسية، يبدو حلماً عزيز المنال تجاه جيش يمسك بالسلاح، وجماعة هي أفضل ما في مصر تمادت في الأخطاء والخطايا حتى أوصلت نفسها وأتباعها إلى طريق أكثر من مسدود، ولا تبقى الجماعة على شيء لطاولة المجاذبات لا المفاوضات، ولا تحب أن تُبقي، ولا تقبل كما هو معلن، بمجرد التفكير في وجود العسكر على أرض الواقع أو غيرهم ممن لا يحبون، أين إعمال العقل فقط؟
والقوى الوطنية لما تثور اليوم ضد بيع "تيران وصنافير" والواقع المؤلم لمصر فإنما هي لن تُبقي على الإخوان في النهاية أمام مصالحها.
أما الإخوان واستمرارهم على هذا الحال فشيء يدعو إلى اعتزالهم "مشروعاً" غير قادرين على تحقيق بعض منه بصورة أو بأخرى، و"فكرة" عالية عزيزة يقصرون عن التواصل معها فضلاً عن التوصل إليها مداومين على التخبط، فلا النهج القديم الإصلاحي لهم التزموا، ولا المسار الثوري نجحوا ومضوا إليه، وإنما مجرد السير خلف ومضات لا تعرف الاستقرار الفكري، وما النهج العملي إلا انشقاقات توسّعت حتى لكأن الجماعة كلها منقلبة على بعضها، والطرف المحتفظ بالإطار الرسمي والمال أضعف الحلقات فيها، يغدق على أحبابه من الأدعياء وفيهم عديم الخلق وبذيء اللسان اللهم إلا من رحم ربك، أما الطرف الآخر فيُذكر المرء بحافلة، أتوبيس إمبابة بشرطة، نفس المشكلات والمآسي مع تغيير لا تكاد تراه في خط السير!
اللهم إن أردت إلا الإصلاح ما استطعت على مدار أسابيع ستة هنا، أشكرك فيها أولاً إن كان من توفيق بكلماتي، ثم أشكر الزملاء الأفاضل في هذا الموقع، فإن يكن من صواب فمنه سبحانه وبفضله، وإن يكن من خطأ فمن نفسي، ولكني أكرر مع الشاعر القديم:
وقلتُ لِعارِضٍ وأصحابِ عَارضٍ
وَرَهطِ بني السَّودَاءِ والقومُ شُهَّدِي
وقلت لهم ظُنُّوا بألفَيْ مـُـــدَجَّجٍ
سَـــراتُهم بالفارسيِّ المُسرَّدِ
فلما عَصَوْني كنت منهم وقد أرَى
غَــوَايتَـهم أَو أنَّــنِي غيرُ مهتدِي
أَمرتُهم أَمرِي بِمُنْعرَجِ اللِّـوىَ
فلمْ يَسْتَبِينُوا الرُّشْدَ إلا ضُحى الغَدِ
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.