بداية لابد لنا من توضيح موجز عن الحرب وبعض أصنافها -أجارنا الله من الحروب، فلاشك- أن الجيوش العالمية اليوم لم تعد ترتكز على الاسلحة الفتاكة والنارية في الحروب فحسب، بل تجاوزت هذا المنظور إلى أصناف أخرى لم تكن جزئيا في حروب الأمم السالفة.
الحرب الدعائية و الإشاعية النفسية:
أما الدعائية: فهي من أبرز العوامل الفاعلة في ترسيخ الثقة وضبط الجهود ورص الصفوف، وتوضيح الأهداف، واللعب بعواطف الأعداء والعبث بمشاعرهم، ويتجلى هنا غالبًا الكثير من المكر كصداقة أعداء الأعداء، وغير ذلك من الأساليب ويكون الإعلام دائمًا صاحب الدور الأكبر في هذا النوع من الحروب.
أما الإشاعية والنفسية: فهي الأخبار التي يتم بثها بين الناس و يصعب مقاومة تصديقها وهذا النوع يعتبر أكبر مؤثر في صفوف العدو وغالبًا ما ينزع الثقة بن الشعوب وقادة الحروب، مزلزلا الأرض تحت أقدام الجيوش في نوع من الإحباط والفشل، تاركًا إحباطًا نفسيًا ذريعًا، مع أن تلك التسريبات غالباً ما تكون عاريةً من الصحة لكنها تفعل ماتفعل دون أي حجة أو برهان. والمتتبع لحرب سوريا واليمن يجد أن الحربة الأعلامية، الدعائية أكبر حاضر في ساحات القتال..
ومن هنا ننتقل إلى صلب الموضوع، فلا يغب على أحد أن كل التطورات المتسارعة اليوم فيما يخص دفاع المغرب عن وحدته الترابية لا تنمُّ إلاّ عن مواجهة عسكرية مرتقبة بين جبهة البوليساريو والمملكة المغربية.
القرارات التي أقدم عليها المغرب تجاه بعثة "المينورسو" نراها تحضيرًا واضحًا لشن ضربات استباقية ضد الجبهة، ليس بعيدًا أن المغرب يطمح من خلالها إلى توسيع "الجدار العسكري" ولن تكون حربًا عابرةً لأجل مسمّى، كما أنها لن تكبحَ جناح الجبهة التي ضحَّت على مدى أربعين سنة ولو كان يراها على باطل لكن التضحيات غالبًا لا تذهب سُدى.
فجبهة البوليساريو لها وزنها في حرب العصابات ولن تتوارى في فرض تكتيكات مُحبكة على طول "الجدار العسكري" لإحباط الجيش المغربي كالتسللات الليلية وحفر الأنفاق الأرضية التي أضحت مدمجة ضمن خطط الجبهة، فالأنفاق ضربت أوساط الدولة الاسرائيلية رغم تطور جيشها وجاهزيتها العسكرية ولا يستهان بها خصوصًا شمال القارة السمراء في جوف أرض الصحراء الكبير..، كما أن الجزائر لن تظل مكتوفة الأيدي لاسيما حين توجَّه فوهات المدافع صوب "تيندوف" حيث يتواجد اللاجئين الصحراويين ما سيولد حربا مفتوحة سيصل مداها إلى موريتانيا وتونس ومالي وليبيا وحتى السينغال، وسنكون -لا قدّر الله- أمام حرب إفريقية كبرى لاينجى منها أخضر ولا يابس.
لكن ما يجهله المغرب أو بالأحرى يتجاهله هو أنه سيكون أكبر الخاسرين إذا وقعت الحرب لاسيما اقتصاديا، لأن حلفاءه والخليجيين خصوصًا لن يراهنوا على حرب طويلة الأمد وقد خرجوا بالأمس من اليمن صاغرين، كما خرجوا من سوريا تاركين أرض الشام لمن يعتبروهم أعداء الملة والدين "ايران وحزب الله".
ولا يغب على أحد أن الشقراء فرنسا لن تجود على المغرب بأكثر من التلويح بحق الفيتو الذي أصبحت تراهن به في مصالحها، في خضم هذه التطورات التي ستفرض على أمريكا الخروج بموقف صارم في هذا النزاع الذي أصبح يسيل لعابها بعد التقارير المتواترة عن شركات التنقيب والأميركية والأروبية التي صرحت باحتواء هذه الأرض -أي أرض الصحراء- على مخزون كبير من النفط لا يستهان به، ناهيك عن ما في باطنها من الذهب والحديد والألماس والفوسفات، وما في بحرها من الأسماك…
إن الواقع المتشنج الذي يعيشه المغرب اليوم على جميع الأصعدة سياسيا، اجتماعيا وحتى اقتصاديا، أصبح يضع الدولة في مواجهة مباشرة مع الشعب كان آخرها مسيرات الأساتذة المتدربين مؤخرا، والتي سمعت خلالها هتافات طائشة تطالب باسقاط النظام فضلًا عن الاحتقان الذي تعيشه مدن الصحراء جنوبا..، إن المسيرات الدرامية التي تنظمها السلطات المغربية بين الفينة والأخرى لإظهار الدولة في أبهى حللها أمام الملك ليست إلَّا مسرحيات، لعلّ أقرب نموذج لها ما كان من نظيراتها في جامعات القاهرة وشوارع بغداد إلى أن أصبحت جليدا أذابته شمس الجيوش المجيشة في الجانب الآخر.
لكن ذلك ليس أعظم مما تعيشه الجزائر من تحديات اقتصادية وأمنية هي الأخري كان آخرها استهداف منشأة نفطية لازال طنين انفجارها يصدع في الأذان فضلا عن تصريح عسكري أفاد بإفشال مخطط إرهابي آخر كان يستهدف أمن الدولة، فالجزائر هي الأخرى تعيش على هامش الصراعات القبلية المزدوجة ما يضعها في مهب رياح الحرب الجارفة إن وقعت -لاقدر الله-.
وهنا لا نستبعد تكرار السيناريوهات التي عاشتها المنطقة بدايات الثمانينات، إذن فخيار الحرب يبقى أقرب الخيارات إلى الواقع المُعاش، وهذا ما يجعلني أنوه بخطورة الوضع الحالي..، فالحرب ليست في صالح أي من الأطراف المتنازعة ولن تقوم إلَّا عن القتل والتدمير والتشريد -لا قدر الله-.
كما وسبق لنا ان قلناها فحرب العصابات التي تلوح بها جبهة البوليساريو من أخطر التكتيكات المنتهجة في قاموس النزاعات العالمية ولها وقع لا يستهان به، لكن، ما لا يختلف عليه اثنان وما يجب على المغرب والجزائر معرفته هو مدى وثاقة العلاقات الأسرية التي تجمع المجتمع الصحراوي بصنفيه، الموالي لأطروحة المغرب والمنفصل عنها، ولا يعقل أن يزج بالصنفين في حرب يكونان فيها ضحية أجندة خارجية لا تأبه بالشعبين خارج وداخل الجدار العسكري، أجندة لا تأبه حتى بشعبي المغرب والجزائر، أجندة همها الوحيد هو جر المنطقة إلى حرب وتقسيمها إلى معسكرات منعشة لتجارة السلاح، فبعد العراق وسوريا جاء الدور لإفريقيا حتى تكون مرتعا للإرهاب الذي أصبح يأكل العالم أكل النار في الهشيم، فحذاري أن ينقلب السلم إلى ألَّا سلم، حينها يتلاشى حلم المملكة المغربية من فرض حكم ذاتي على الصحراء إلى الكفاح لاسترجاع ما قد ينقلب ضدها، مناطق لم تكن في النزاع "كوادنون" و"اسا" مروراً "بامحاميد الغزلان".
إذن فالخيار لعدم قيام حرب أصبحت تلوح في الأفق هو انصياع الأطراف للسلم التام والانخراط في مفاوضات مباشرة و جدية وبدون شروط مسبقة، مفاوضات تحفظ حقوق الانسان بالاقليم ..، مفاوضات تحفظ الشعوب من الحروب، كي يتعايش سكان هذه المنطقه في سلام يحفظ حياة الشعوب في سلم وأمان دون اللجوء إلى حرب ستدمر القارة عن بكرة أبيها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.