رحلة إلى العلم في بلاد الغربة

هل الغربة تفعل هذا أم أننا عدنا إلى أصلنا الحقيقي البعيد عن السياسة؟ والطائفة بعيداً عن الأحزاب وبعيداً عن الأطياف بعيداً عن القومية والعرق والعشيرة كأننا انتزعناها بعيداً رغم حضورها بشكل غير ملحوظ فيما بيننا لم تجمعنا سوى الأخوة والإخاء لم تجمعنا سوى المحبة والألفة!

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/20 الساعة 03:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/20 الساعة 03:12 بتوقيت غرينتش

حططتُ الرحال في فجر السابع عشر من يناير/ كانون الثاني في مطار مدينة الؤلؤ كما عرفناها، كانت هذه الرحلة الأولى إلى خارج حدود بلدي، لم أشاهد الكثير حينها، فكان الوقت ظلاماً وخيوط الفجر لم تحطَّ على هذه المدينة بعدما وصلت وأخذت راحتي وخرجت أتجول في شوارعها سيراً على الأقدام، كانت البساطة تعم المكان من منازل وأسواق وكذلك حال البشر، لا أعرف الكثير عن واقع المدينة، سرت لأيام لاستكشف هذه المدينة حتى شاهدت الكثير أثناء تجوالي بين شوارع هذه المدينة، تذكرت حينها مثلاً أقرب إلى هذه المدينة "أصدق الحزن.. ابتسامة في عيون دامعة".

مع هذا شاهدتُ ما شدّني وجذبني وفكرتُ بتأمل عميق، حينما شاهدت كيف تتعايش الديانات هناك بسلام، والمسجد بقرب المعبد الهندوسي، وهناك الكنيسة تدق أجراسها وصوت الأذان يعلو، ومن بعيد تطرق الطبول احتفالاً، لا أحد ينبذ أحداً ولا أحد يقتل أحداً، الكل يبتسم في وجه الآخر.. هكذا تأسفت لحال أوطاني بلاد العرب.. بلاد الإسلام.. بلاد التسامح. كيف جرى حالها؟!

تذكرت التنافر وخطر بمخيلتي بيتان الشعر هذان:

وما المرء إلّا بإخوانه ** كما تقبض الكف بالمعصم
ولا خير في الكف مقطوعة ** ولا خير في الساعد الأجذم

رأيتهم كالإخوة رغم اختلاف دياناتهم متلاحمين متكاتفين فيما بينهم.

بعدها بدأت رحلتي إلى الهدف الذي قدِمت من أجله في حيدر آباد أو مدينة الؤلؤ في جنوب الهند، تعارفتُ بعض الطلبة من بلدي، وتشاركنا الحديث، ويوماً بعد يوم ازدادت معرفتي بالطلبة العراقين بشكل خاص والطلبة العرب بشكل عام من مختلف الأديان ومختلف المناطق، وأيضاً شد انتباهي هنا الكثير من الأشياء.

تساءلتُ، هل الغربة تفعل هذا أم أننا عدنا إلى أصلنا الحقيقي البعيد عن السياسة؟ والطائفة بعيداً عن الأحزاب وبعيداً عن الأطياف بعيداً عن القومية والعرق والعشيرة كأننا انتزعناها بعيداً رغم حضورها بشكل غير ملحوظ فيما بيننا لم تجمعنا سوى الأخوة والإخاء لم تجمعنا سوى المحبة والألفة!

عجبتُ أين كنا وأين أصبحنا كنا ننهش لحم بعضنا وننعت بعضنا بعضاً، وإن لزم الأمر رفعنا سيوفنا وسالت الدماء بيننا، كما هو الحال اليوم في بلدي العراق، وجارتي سوريا، وهناك اليمن تشتعل، فـ ليبيا تحترق، والدماء تسيل في كل مكان؟

تساءلت، هناك نتقاتل وهنا نقف جنباً إلى جنب كاليد الواحدة لم نعرف سوى عروبتنا عنواناً لنمضي مع إخوتنا العرب، ولم نعرف سوى عراقيتنا لنلتحم كسالف الزمان، لا أنت سني ولا أنا شيعي، لم يسألني شخص من أين أنت؟ ماهية ديانتك؟ ماهية طائفتك؟ وإنْ طرح السؤال، فمن أي بلد أنت؟

حينما أذهب إلى صلاة الجمعة في المسجد لإتمام الصلاة يقف اليمني والسوري والعراقي والليبي والسعودي، ومن أي بلد من بلاد العرب في صف واحد لا نسأل من سيكون أمامنا أو خطيبنا من يعتلي المنبر أكثرنا علماً عجباً

متى كان هذا الأمر في بلدي؟!

دُهِشْتُ كثيراً وفرحت كثيراً في نفس الوقت، لا بد رحلتنا أثمرت شيئاً، تعلمنا معنى التسامح، تعلمنا معنى الأخوة.. معنى الحب.. معنى الدين.

ويوماً بعد يوم تزيد دهشتي.. فهنا لا أخاف، فكلما احتجت إلى شيء، أجد أحبتي من بلدي وبلاد العرب جنبي يعينوني كلما احتجت لهم. قبل أيام ودَّعنا أخانا الطالب الوسيم إثر حادث مؤسف، رغم قساوة الموقف ورغم الحزن الذي اعتراني، لكن هناك شيئاً من الأمل ملأ قلبي من جديد، بعد أن يئستُ حينما رأيتُ الكل حزين، حينما رأيت الجميع يحاول أن يشارك ولو بشيء بسيط لنتعدى هذا المصاب، وكيف أرسلناه إلى بلدي، وكيف تبرع الكثير للذهاب، عجباً! والأكثر عجباً أن يذهب معه من غير طائفته.

هناك شيء في قلوبنا ما زال موجوداً رغم الفراغ الذي ملأنا؛ بسبب أشخاص أوهومنا بفراقنا قوتنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد