اجهاض مبادرة ابن بطوطة

في المغرب فقط.. تلغى ملتقيات دولية للتعليم والتربية بمشاركة فاعلين وخبراء من كل أنحاء العالم، قبل يوم من افتتاحها، دون أي اعتذار رسمي ولا حركات احتجاجية.. أما الحفلات الغنائية التي تصرف عليها الأموال الباهظة فلم يكتب لها ذلك عبر تاريخها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/16 الساعة 05:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/16 الساعة 05:30 بتوقيت غرينتش

في المغرب فقط.. تلغى ملتقيات دولية للتعليم والتربية بمشاركة فاعلين وخبراء من كل أنحاء العالم، قبل يوم من افتتاحها، دون أي اعتذار رسمي ولا حركات احتجاجية.. أما الحفلات الغنائية التي تصرف عليها الأموال الباهظة فلم يكتب لها ذلك عبر تاريخها.

وكمثال على ذلك هو إلغاء معرض طنجة الدولي للتربية والابتكار "اليداغوجي"، الذي كان من المنتظر أن يقام في الفترة الممتدة من الثامن إلى العاشر من أبريل 2016، هذا الإلغاء هو جريمة بحق في حق الحراك التربوي والمبادرات الإبداعية في هذا المجال ببلدنا الحبيب الذي يتذبذب مصير إمكانه البشري ورأسماله الأول بين أهواء وسياسات جوفاء تفتقر لنظرة متمحصة مستقبلية لمآل أجيالنا.

قبل فترة تلقيت اتصالاً من عضو اللجنة المنظمة لهذه التظاهرة الدولية، ليبشرني بانتقاء مشروعي ضمن المشاريع المرشحة للتتويج.. عضو لجنة انتقاء المشاريع الإبداعية الذي أجرى معي مقابلة باللغة الفرنسية عبر الأثير، حول جدوى مشروعي ومنشأ فكرته والآثار التي خلفها لدى الناشئة وأسرهم وفي الوسط المدرسي ككل..

ما إن انتهى الاتصال أدركت عمق التحفيز وأهميته في أحياء الرغبة في مواصلة النضال في هذا المجال وسط نوع من العبث واللامبالاة الرسمية أحياناً. فما كان منا إلا إعلان أسفنا العميق وتضامننا مع "الطنجويين" أحفاد ابن بطوطة، الذين أبانوا عن حس وطني عالٍ صوب قضية التعليم ببلادنا، كونهم أبوا إلا أن يساهموا في ورش الإصلاح المتمثل في تنزيل الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي المغربي التي تعكف الجهات الوصية على تنزيلها عبر حزمة من التدابير ذات الأولوية.

كنت وما زلت من المتيمين بتجارب ومبادرات الإمارات العربية المتحدة في مجال التربية والتعليم، التي ما فتئت تعمل على تحسين مستوى مواطنيها المدللين في ظل الإشعاع الثقافي والعلمي العالمي الذي يعرفه هذا البلد، بفضل جهود سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ووجود إرادة جماعية رسمية لتطوير مدارك أفراده وإسعادهم. وما مشروع: تحدي القراءة العربي الذي أطلقته الإمارات مستهدفاً خمسين مليون قارئ عربي، إلا إحدى هذه الأوراش الكبرى الواعية بتردي نسب القراءة في مجتمعاتنا العربية.. وأهمية هذا المكون الثقافي في التنمية المجتمعية واسترجاع أمجاد الماضي.

يعد المغرب من المشاركين في هذا المشروع لكن الإقبال على الانخراط فيه يعتبر خجولا بالمقارنة مع دول مجاورة كمصر، ومرد ذلك -كوني من المتتبعين للشأن التعليمي بالمغرب- إلى التعبئة المغيبة قبل الانطلاق في إعلان الانخراط في هذا المشروع وضعف رغبة معظم الفاعلين التربويين في المشاركة في مبادرات تطوعية موازية للممارسة الصفية وهي ظاهرة سوسيولوجية تربوية تستحق دراسة علمية دقيقة لمحاولة التغلب عليها، رغم أن أسبابها ظاهرة للعيان بجلاء.

بعض المعطيات التي نشرتها الأمم المتحدة حول عادات المطالعة والقراءة لدى مختلف شعوب العالم، تبين بأن معدل ما يقرأه الفرد في طول العالم العربي وعرضه سنويًّا هو ربع صفحة فقط، وأن معدل ما يقرأه الأميركي 11 كتاباً والبريطاني 8 كتب. 80 عربياً يقرأون كتاباً واحداً في السنة، فيما يقرأ الأوروبي الواحد: 35 كتاباً سنويًّا، نظير 40 كتاباً يقرأه الإسرائيلي سنويًّا! معنى ذلك أنه لقراءة 35 كتاباً نحتاج 2800 عربي، يقرأ الطفل العربي 7 دقائق في السنة بينما يقرأ نظيره الأوروبي 6 دقائق يوميًّا.

علة التطرق لمشروع تحدي القراءة العربي في إطار ظرفية إلغاء هذه التظاهرة التربوية ليس عبثيًّا، و لكنها محاولة لاستنهاض الهمم واستبيان أهمية المبادرات الخلاقة في هذا المجال، وإن كانت بسيطة شكلاً فهي مثمرة كنهاً، تحفز على العطاء والعمل، لعلها تتفوق على التأخر الحضاري والفكري الذين تعرفهما منطقتنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد