4 احتمالات تنتظرها مصر لحل أزمة ريجيني

لقد مثلت قضية ريجيني تطوراً مهماً في علاقة نظام السيسي بدول أوروبا وخاصة إيطاليا التي كانت تعد من أهم الداعمين للسيسي في اوروبا وبوابته إليها، أيضا فإن هذه الأزمة كشفت حدة حالة الصراعات الداخلية التي يعاني منها نظام السيسي، وخاصة بعد التسريبات التي حصلت عليها وسائل الاعلام الايطالية حول القضية وتفاصيلها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/15 الساعة 05:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/15 الساعة 05:19 بتوقيت غرينتش

لم تعد قضية مقتل الطالب الايطالي جوليو ريجيني في مصر، أمراً يخص البلدين فقط بل تعدى ذلك إلى المجتمع الدولي بشكل كبير وسلط الضوء على حالات القمع والاختفاء القسري والقتل خارج إطار القانون الذي يمارسه نظام السيسي ضد المعارضين له منذ الانقلاب العسكري وحتى الآن.

فالقضية سرعان ما تحولت إلى قضية هزت الرأي العام الأوروبي وأصبحت تمثل واقعة مهمة في علاقة الاتحاد الأوروبي بنظام السيسي، وليست إيطاليا فقط خاصة وأن البرلمان الأوروبي دخل على خطة الأزمة بين القاهرة وروما بالتطرق للانتهاكات التي تقع في مصر في مجال حقوق الانسان.

وقد كشفت أزمة ريجيني عن حالة الصراع بين الأجهزة الأمنية في نظام السيسي وخاصة بين المخابرات العامة والحربية، الأمر الذي بات معروفاً للجميع حتى أصبح حجة لنظام السيسي يتذرع بها أمام الغرب بأن هناك من يرد إحراجه من داخل نظامه أمام العالم بتصرفات لا يرضى عنها السيسي.

فهناك 4 أحتمالات تنتظرها القاهرة يمكن أن يقع أحدهم لحل المشكلة

الاحتمال الأول | تصعيد دولي:

يقوم هذا الاحتمال على أن ثمة رفض مصري لاي خطوة للكشف عن القاتل الحقيقي لريجيني، ومن ثم يمكن أن تُقدم إيطاليا على مزيد من التصعيد الاقتصادي والسياسي والقانوني عبر تقديم مذكرة إلى الامم المتحدة تتهم فيها النظام المصري بقتل ريجيني بناءً على المعلومات التي تم تداولها في وسائل الاعلام الايطالية حول علم السيسي بقتل ريجيني وتقديم نصيحة للأجهزة الأمنية بالتخلص من جثته بدفنه في الصحراء، ومن ثم توجه التهمة لرأس النظام وبعض الأجهزة الأمنية، ويتم رفع قضية ضد السيسي في مجلس الأمن واتهامه رسمياً بالقتل، وفي حال تقديم طلبات من قبل منظمات حقوقية وانسانية حول جرائم السيسي ضد المصريين، سيتغير مجرى القضية ويتم اتهامه كمجرم حرب، ومن ثم يعد مطلوب للعدالة الدولية.
وإذا ما تم الاقدام على هذه الخطوة ستعد الضربة القاتلة للسيسي ونظامه ويتحول بعدها إلى مطلوب للمحاكم الدولية بدلا من كونه رئيس دولة، ومن ثم يتم التخلص منه بشكل مباشر حتى لا تتحول مصر إلى دولة محاصرة دولياً، ويسعى داعمو السيسي إلى تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية، للحفاظ على النظام المصري خوفاً من انهياره.

إلا أن هذا الاحتمال بعيد التحقق بشكل كبير كون أن هناك قوى دولية وإقليمية لن ترضي إلى الوصول إلى هذه المرحلة لحاجتها إلى السيسي الذي يقدم نفسه بأنها يحارب الارهاب ومن ثم يتم البقاء عليه.

الاحتمال الثاني | تصعيد من الجانب الأوروبي فقط:

ويستند هذا الاحتمال إلى قيام الطرفان المصري والإيطالي بتصعيد القضية بشكل أكبر، خاصة بعد تعنت الجانب المصري في تقديم الأدلة التي طلبها الجانب الايطالي حول التسجيلات الهاتفية لريجيني والدائرة المحيطة به الأمر الذي اعتبرته القاهرة مخالفاً للدستور، هذا الإجراء من الجانب المصري سيدفع الجانب الايطالي إلي مزيد من التصعيد، مثل تعليق التبادل الثقافي بين البلدين، كأن تحذر روما الطلاب والباحثين مثل جوليو ريجيني، ممن يعتزمون قضاء فترة الدراسة في مصر من فعل ذلك.

أو تعلق روما، مؤقتاً، البرامج الثنائية في قطاع الثقافة والجامعات، وعلى الجانب الاقتصادي، فربما تقدم روما إعلان مصر بلداً "غير آمن"، وعليه عدم النصح بالسفر وقضاء الإجازات هناك مما يمثل ضربة قوية للاقتصاد المصري المنهك، أما على الصعيد السياسي يتم التخفيض الدبلوماسي لايطاليا في مصر وطرد السفير المصري من روما وكذلك الدفع في اتجاه الضغط على البرلمان الأوروبي بإدراج مصر في القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي مما يعد تهديد كبير لمستقبل نظام السيسي اذا ما اقدمت روما على هذه الخطوات.

وفي حال إذا ما أقدمت روما على تلك الاجراءات سينعكس ذلك بشكل سلبي على نظام السيسي خاصة وانه يعتبر روما بوابته إلى أوروبا، التي بدورها ستكون بداية للبحث عن بديل لنظام السيسي في مصر خاصة وان الاتحاد الأوروبي كان شريكاً في الانقلاب العسكري الذي تم على الرئيس محمد مرسي لما له من نفوذ كبير في مصر، فهذه الخطوة بلا شك ستكون الضربة القاضية التي يكون بعدها سقوط نظام السيسي مسألة وقت، ليس للدور الايطالي فقط في هذه الازمة بل سينسحب ذلك على الاوروبيين بشكل عام.

رغم وجاهة هذا الاحتمال إلى أن احتمالية تحققه قد تكون ضعيفة جداً لاسيما وأن نظام السيسي يعد النظام الأمثل للقوى الأوروبية والإقليمية لأن يجعل مصر دولة مهمشة ويخرجها من المعادلة الاقليمية، فمن أجل ذلك لن يتم الوصول إلى هذا الاحتمال خوفاً من انهيار الدولة المصرية، وهو ما عبر عن كتاب إيطاليون حول أن انهيار الدولة المصرية لن يكون في صالح أحد.

الاحتمال الثالث | تنازل إيطاليا عن قضية ريجيني ببعض المكاسب الاقتصادية:

يقوم هذا الاحتمال على أن الجانب الايطالي سيضطر إلى اللجوء الحصول على بعض المكاسب الاقتصادية من الجانب المصري سواء عبر بعض الاستثمارات المباشرة بشروط ميسرة من قبل الحكومة المصرية، أو قيام طرف آخر داعم للسيسي مثل الامارات أو السعودية بتقديم منح للحكومة الايطالية من أجل غلق ملف القضية، دون إحراج السيسي ونظامه والتوصل إلى ترضية مالية لاسرة ريجيني يضمن بعدها عدم التحدث في القضية، ومن ثم يستطيع نظام السيسي الافلات من هذه الازمة دون خسائر.

ويعد هذا السيناريو المخرج الأمثل لنظام السيسي، والذي سيستطيع من خلاله تقديم نفسه لداعميه ومؤيديه بأنه شخص قوى لا يتاثر بالتهديدات الاوروبية والغربية، كما سيحاول تسليط الضوء حول كيفية خروجه من الأزمة منتصراً ويحقق ذلك للسيسي وحلفائه مزيدا من السيطرة على الأوضاع في مصر، وسيمنحه الاستمرار في القمع والاعتقال لاسيما وأنه قادر على تحمل الضغط الدولية والغربية في هذا الصدد.

ورغم احتمالية تحقق هذا السيناريو بنسبة ما فإنه يصطدم بأن الجانب الإيطالي يتعرض لضغوط كبيرة من قبل الرأي العام الاوروبي عامة والإيطالي بشكل خاص، نتيجة للتطورات التي وقعت بعد الحادثة والمعلومات التي تم تسريبها حول عملية القتل التي وقعت بحق الطالب الإيطالي، وهو ما يصعب من احتمالات تحقق هذا السيناريو بشكل كبير على الأقل في التوقيت الراهن.

الاحتمال الرابع | حل القضية وتقديم كبش فداء للقضية:

يقوم هذا التصور على أن السلطات المصرية ستقوم في نهاية المطاف بكشف الحقيقة للجانب الايطالي والأمر الذي تريده روما فقط، طبقاً لما قاله رئيس الوزراء ماتيو رينزي الذي قال "إننا نريد فقط الحقيقة" ، ومن ثم تقديم المتورطين في القضية ككبش فداء دون الكشف عن تورط السيسي في القضية، مع الاطاحة ببعض القيادات الأمنية وعلى رأسها وزير الداخلية، لاظهار أن النظام لا يسمح بتجاوزات في حقوق الأجانب، ومن هنا تنتهي القضية ويتم التوصل لحل يرضى عائلة ريجيني لاسكاتها وبعد ذلك يتم الإعلان عن عودة العلاقات بين القاهرة وروما إلى ما كانت عليه.

ورغم أن هذا الاجراء إذا ما تم سيكون له ما بعده في مصر خاصة فيما يتعلق بوزراة الداخلية التي سيتم تقديم بعض قياداتها ككبش فداء وهذا سيدفعها للتمرد ولو بشكل بسيط على النظام ككونها هي من تقدم دائما التضحيات من أجل بقاء النظام العسكري دون تحقيق الشرطة مكاسب اقتصادية تذكر مقارنة بالجيش، إلا أن السيسي سينجح في الحفاظ على نظامه وعودة الهدوء مع الجانب الإيطالي وكذلك اوروبا، فهذا الاحتمال سيعد فرصة كبيرة يستطيع السيسي من خلالها انقاذ نظامه من السقوط.

ورغم أن هذا السيناريو سيكون في صالح نظام السيسي مؤقتاً لكنه سيفتح الباب امام اتهامه بقتل الابرياء وسيزيد الضغوط الغربية عليه في مجالات حقوق الانسان ووقف عمليات الاعتقال والاختفاء القسري والقتل خارج إطار القانون.

وعلى الرغم من أنه لا توجد مؤشرات على أرض الواقع من شأنها تعضيد مثل هذا الاحتمال خاصة بعد ما قام به الوفد المصري في زيارته إلى إيطاليا، إلا أنه يبقي احتمالاً قائمة، وله منطقيته في ظل ممارسات النظم السياسية الاستبدادية التسلطية التي تلجأ لمثل هذه الوسائل لتسوية كثير من أزماتها الداخلية أو الخارجية.
خاتمة:

لقد مثلت قضية ريجيني تطوراً مهماً في علاقة نظام السيسي بدول أوروبا وخاصة إيطاليا التي كانت تعد من أهم الداعمين للسيسي في اوروبا وبوابته إليها، أيضا فإن هذه الأزمة كشفت حدة حالة الصراعات الداخلية التي يعاني منها نظام السيسي، وخاصة بعد التسريبات التي حصلت عليها وسائل الاعلام الايطالية حول القضية وتفاصيلها.

ثمة أمر آخر أن هذه القضية سلطت الضوء على عمليات القمع التي التي تقع بحق معارضي النظام وكذلك الاختفاء القسري والقتل خارج إيطار القانون ومن ثم أصبح الطريق الآن أمام المنظمات الحقوقية الرافضة للانقلاب سهلاً في أوروبا من أجل عرض انتهكات نظام السيسي وقتله للمدنيين الابرياء ومحاولة توصيل اصوات المعارضين للسيسي إلى المؤسسات والمنظمات الدولية.


هذه التدوينة نشرت على موقع المعهد المصري للسياسات السياسية والاستراتيجية للاطلاع على النسخة الأصلية اضغط هنا

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد