ماذا تُريدُ جماعة الإخوان في مصر؟ “4” “الفكرة والمشروع”

هذه الكلمات أخطها بمرارة شديدة مقرًّا بأن فكرة الإخوان البالغة الرقي لا نستطيع إسقاطها على مشروع عملي ناجح حتى اليوم في "مهبط" الجماعة الأم "مصر"، وبدلاً من أن تصبح قاطرة تقود الأمة العربية الإسلامية إلى الأمام صارتْ عائقاً أمام حراكها وما زالتْ.

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/15 الساعة 02:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/15 الساعة 02:44 بتوقيت غرينتش

سرُّ بقاء الجماعة في رأيي رغم قسوة الضربات التي تعرضتْ وتتعرض لها يكمن في بساطة فكرتها المطلقة، وسر أبرز مشكلاتها اليوم في رأيي عدم وجود آلية واضحة مكتملة حتى اليوم تحول الفكرة إلى مشروع، وسأتناول هذه المرة مسار الجماعة في تركيا للتدليل على عمق الأزمة بين الأمرين!

في كتابه "مذكرات الدعوة والداعية" يذكر الإمام حسن البنا أنه اجتمع بعدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، مقررين تأسيس الجماعة في السويس عام 1928م، وبعد أن اتفقوا على النهج والغاية، تذكروا أنهم لم يتفقوا على اسم لها، ولما طال زمن تفكيرهم قليلاً قال الإمام البنا على البداهة:
ـ نحن إخوان، ألسنا كذلك؟

فزاد أحد الحضور:
ـ ومسلمون..

وهكذا جاء اسم "الإخوان المسلمون" معبراً عن أنهم قطاع من المسلمين يسعون لرفعة دينهم ومرضاة ربهم، وبالتالي فإن دعوتهم غير محدودة بالأسماء ولا الوظائف ولا غيرها والكلمة الشهيرة للبنا واضحة:

ـ كم منا وليس فينا، وكم فينا وليس منا!

وهي تفيد بأن في جماعة الإخوان كثيرين ليسوا منها، وفي خارجها أيضاً كثيرون ليسوا فيها ولكن الأخيرون منها لأنهم مخلصون واضحون في الرغبة في خدمة دينهم.. فالأمر أمر إخلاص ورغبة شريفة في خدمة هذا الدين ثم البشرية!

"1"

الحركة الإسلامية كلها بداية من نهج وفكر الإمام البنا في مصر مروراً بـ"الجماعة الإسلامية"، ووصولاً لـ"التبليغ والدعوة" و"السلفيين"، الحركة المنتسبة للإسلام في مصر تحديداً لعلها صورة مصغرة لمثيلاتها في الأمة كلها تشعر بوضوح أنها لم تتعدَّ بعد مرحلة النضج بل من آسف، مع الاعتذار والاحترام لكل مخلص شريف بخاصة الذين قضوا على الدرب، أسأل الله لهم المغفرة، والذين ضحوا ويضحون، الحركة الإسلامية كلها لم تبلغ مرحلة النضج بعد، ولعل في ذلك سُنّة كونية أرادها الله.

ولولا نجاحات هنا وهناك في "غزة" و"تركيا" اليوم.. لكان الأمر فتنة أكبر لمتلمسيّ الطريق إلى الله غير الواثقين في غيّبه، أسأل الله ألا نكون منهم، ولدي فإن الأمر مرتبط بسُنّة إلهية من قدرة جماعية على العطاء الكامل، ورفعة ورقي في الأخذ بالأسباب، وهو الأمر المنشود الذي لم تصل الحركة كلها، مع شرف محاولاتها ونقاء الباذلين الماضين على الطريق. ومع كوننا أقل من أن نحكم إلا أنها نقاط إضاءة واجبة ولازمة، ولعلنا مسبوقين فيها بأقول وآراء لعلماء ومفطرين أجلاء.

الأمر الأخير فهمه الإمام الشهيد البنا لما قال في آخر حياته للراحل محمد فريد عبد الخالق:
ـ لو استقبلت من أمري ما استدبرت لعكفت على تربية الناس في المساجد ولما خرجت منها!

رحمه الله فقد كان ينظر بنور الله وفهم إن معركة الوعي تخسرها الحركة الإسلامية بجدارة، وإن الذين خرجوا معه من المسجد إلى السياسة لم تكن الصورة واضحة رائقة في أذهانهم، وإن العكوف على تربيتهم في بيت الله كان أولى من الخروج بهم، هذا في حياة الإمام فماذا عن حياتنا اليوم وقد قل الرادع الديني، وصارت الجماعة لدى البعض مغنماً يحسن المتاجرة به، وفي نفس الوقت فإن الجماعة التي اعتقدت إن مجيئها بالصندوق في مصر يساوي أن الشعب سيحميها فوجئت بمقدار قلة الوعي لدى المصريين وإلا فسل عن كلمات من عينة: "ديمقراطية الحشود" وتصوير الجموع في 30 من يونيو على أنها ديمقراطية حديثة لم تصل إليها الولايات المتحدة الأميركية؟

"2"

صباح الأحد الماضي، 10 من أبريل/نيسان، سبقتْ الأخبار في عدد من الصحف الانقلابية بجدارة، اجتماعاً لعدد ليس بالقليل من المعترضين على نهج الجماعة في تركيا، وفيهم أفاضل لديهم مآخذ جديرة بالبحث والتدقيق، والأمر في اعتراضهم يتعلق بجمعية عمومية ولائحة ناقشها المقال الثاني من هذه السلسلة.. وأثار الأمر في نفس صاحب هذه الكلمات شؤون وشجون، وكان قراري بعدم الذهاب بعيداً أو قريباً منها وعنها.. لكن بقيت هناك ملاحظات أراها مهمة تسوقنا بقوة في زوايا الفكرة والمشروع الخاصين بالجماعة وإنزالهما على واقع اليوم:

1ـ ليست هذه الجماعة حكراً على أحد، والأحداث التي مرت بها وفي حياة مؤسسها نفسه استدعت انشقاق وكيل الجماعة نفسه "أحمد السكري" عن البنا في الأربعينيات، ولم يعب البنا عليه هذا، والقصة المعروفة عن انشقاق شباب محمد غير بعيدة ولا خفية، وكان استيعاب البنا للخارجين عليه أحد أبرز دعائم بقاء الجماعة به، رحم الله الجميع، ولعل الأمر يخص إخلاصاً خفياً بينه وبين ربه.

2ـ قال الطرفان اليوم، الرابطة الممثلة للجماعة في صورتها الرسمية، بعيداً عن الجبهات والتفريعات، إنها راجعتْ الذاهبين إلى الانشقاق.. وحاولتْ التوسط إلى حل وسط معهم، وقال الأخيرون إن المفاوضات لم تجد شيئاً وليس أمامهم إلا الاجتماع، وقد كان.

3ـ المجتمعون قال أحد المخلصين منهم إنهم يحاولون جذب انتباه الرابطة لحل المشكلة المستعصية الخاصة باللائحة ومحاولات الرابطة، وفقاً للائحتها حل "الجمعية العمومية" التي جاءت بمجلس الشورى الذي جاء بالمكتب التنفيذي للرابطة، إذ إن الطريقة التي جاءوا بها، الرابطة – فرع تركيا في بداية عام 2015 تخالف المستقر عليه في رابطة لندن الرئيسية.. ولذلك يتم جمع أفراد الجمعية العمومية الأحد الماضي للبحث عن حل.. فيما قال آخرون إنهم يسحبون البساط تماماً من أسفل أقدام الرابطة لأنها لم تقبل المحاسبة والمساءلة ورفضت النزول على قرارات الجمعية العمومية المعبرة عن الصف الذي جاء بها.

4ـ سحب البساط الأخير يعني قطع مصادر التمويل عن الرابطة، بخاصة بعد ما تردد بقوة من حجبها المال عن مكتبين إداريين من مكاتب الداخل في مصر، خاصين بمحافظتين معينتين، لم تمضيا على طريق الرابطة فتم حجب الدعم عنهما بخاصة في هذه الظروف الطاحنة، وفيهم ومنهم أمهات وبيوت بلا عوائل.. ثم عاد المال إليهما بعد أسابيع، وقيل إن سحب البساط يخص أموراً أخرى بعيداً عن المال.

5ـ الطرف الأخير يضم وزراء سابقين، بل كل الوزراء السابقين من الجماعة في تركيا، بالإضافة لأعضاء مجلس شعب وشورى 2012م، وقد وجدوا أنفسهم مقصيين مرتين، مرة كمكتب لإدارة الأزمة منتخب تم حلّه، ورأوا أن الحل جاء من قبل الرابطة، ومجلس شورى الجماعة في تركيا سيتم حله بهدوء عقب عدم الاعتراف بالجمعية العمومية ولا الانتخابات واللائحة..

6ـ إذاً فماذا يريد هذا الطرف بالتحديد من القولين المحصورين في الثالث والرابع من هذه النقاط، من آسف فإنهم لما بدأوا كانوا مُبشرينَ بجديد، وكان صاحب هذه الكلمات متابعهم بحماس حتى آليات الدعوة للاجتماع، إذ وضعتهم على المحك، فقد بادر مجتمعو الأحد الماضي، بدعوة كل الذين فصلهم وأقصاهم الطرف الأول، دون تبين أو تدقيق في سبب الإقصاء، ومن الطبيعي أنهما خرجا من مشكاة واحدة، الأوائل في الرابطة والمجتمعون عن غير موافقة لمواقف معينة صدرت عنهم، وليس الأوائل بالبائعين لكل مبدأ فضلاً عن دين.. ليطردوا عنهم غير مستحق للطرد، وكان من نتيجة الأمر أن خبر اجتماعهم الأول كان في الصحف "إياها" في مصر وبالأسماء قبل الاجتماع بساعات ليست قليلة، وبالطبع بعدها!

7ـ لكن الصورة الإجمالية تقول بأمر أكثر من مهم كان الأَوْلَى بالطرفين التفرغ للتفكير فيه، الموقف مما يحدث ويستمر في مصر، الطرف الأول يقول إنه غير قادر على الإنجاز من كثرة المشكلات التي يسببها له الطرف الثاني، والطرف الثاني يقول إن الطرف الأول يملأ حيز التفكير وبالتالي يمنعه منه..

8ـ يدرك جيداً كاتب هذه السطور أن الطرف الثاني فيه شباب متحمس بما فيه الكفاية، ولكن يتم سوقه سوقاً والتجارة بشرف قصده، كما تم سوق الحركة الإسلامية في جزء من مشهدها على الأقل بعيداً عن حقيقة قصدها من نهضة بالأمة، والشباب يُساقون لصالح أدعياء وزعماء مُتوهمينَ تم طردهم من الصف بقرائن وأدلة دامغة فلم يلبثوا أن احتالوا على الأمر ودخوله من شباك ضيق، وإن كان في هذا الطرف وذاك شرفاء حقيقيون ضغطت الأزمة عليهم فمنعتْ تلاقيهم في طرف واحد، وضغطتْ أكثر فمنعتْ عنهم الاتفاق.

9ـ أما جوهر الحقيقة فالتالي: الصف كله مرتاح في الخارج بوجه عام، وتركيا بوجه خاص.. ينسى أو يتناسى المأساة في مصر ويمضي خلف فرعيات لم تسمن وليست تفعل أو تغنِ من جوع.. والطرفان افتقدا رابطة المَسبحة أو "جامع" حبّات العقد.. القائد الواسع الصدر القادر على لملمة الطرفين معاً وغيرهم الأهم من المأزومين في مصر في صعيد واحد!

"3"

هذا طرف من حديث إسطنبول المتجدد يقول بأن دراية الإخوان بالسياسة من حين أمنية البنا، بعدم الخروج من المسجد من الأساس، لم تكن على القدر الكافي، وإن درجة الوعي المفتقدة لدى الشعب المصري بدرجة، اللهم إلا البعض، مفتقدة داخل الصف الإخواني نفسه، وهي أيضاً تشي بأمرين آخرين، فإذا كان محنكو السياسة من وزراء الإخوان ونوابهم يمضون في طريق آخر غير الصف الرسمي ومساره التربوي، وهم الذين ارتضوه بأنفسهم لأنفسهم دون قدرة على التفاوض أو الرد أو الأخذ والجذب.. فماذا يُنتظرُ منهم في معركة الوجود في مصر، وإن كانت لجان الضبط والتوثيق في الطرف الجديد تُخطئ في انتقاء الملائمين للحضور، وكشف الأخيرون قائمة الداعين أمامهم.. فوشوا بهم جميعاً، فماذا يُنتظر من حراك الطرف الجديد كله؟

هذه الكلمات أخطها بمرارة شديدة مقرًّا بأن فكرة الإخوان البالغة الرقي لا نستطيع إسقاطها على مشروع عملي ناجح حتى اليوم في "مهبط" الجماعة الأم "مصر"، وبدلاً من أن تصبح قاطرة تقود الأمة العربية الإسلامية إلى الأمام صارتْ عائقاً أمام حراكها وما زالتْ، وهي غير قادرة حتى على تجاوز خلافات داخلية تخص مال هنا ونفوذاً هناك، أو حتى الاتفاق من الطرفين اليوم على مجرد إخراج عنصر فاسد أو أكثر لم ينجح في قيادة نفسه والتعالي فوق شهواته فأراد في غفلة من الجماعة قيادة الأمة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد