"رأيت ربي بعين قلبي
فقلتُ من أنتَ قال أنتَ
فليس للأيْن منك أينٌ
وليس أينٌ بحيثُ أنتَ"
الحلاج
ما أروعها من كلمات نطق بها الحلاج، وما أجمل معانيها الدقيقة، وما أقصر طريقها إلى حبل المشنقة في زمان كان فيه الكلام موزوناً على مثقال من ذهب.
غير أن هذا الحبل الذي التفَّ حول عنقه في عهد العباسيين، اتخذه من خلَفَهُ بعد قرون من الزمان، للتمتع بنعيم وافر، ومخدر للساذجين، فأصبحنا نسمع عن شيخ ذي كرامات وخوارق وبركات، وما خَفيَ كان أعظم، هكذا يُعَرفون اليوم أنفسهم، ويمُدون أيديهم مبسوطة ليقبلها أتباعهم، وربما يقَبلون الركب والأقدام تقرُباً ممَن حسب اعتقادهم قد ضمن الجنة، والشيء الغريب أيضاً، أن هؤلاء التابعين المريدين المغلوبين على أمرهم، إذا جلسوا للذكر في خلواتهم عليهم قبل كل شيء، أن يستحضروا في أذهانهم شيخ طريقتهم، فهو حسب ظنهم يسَهل عليهم ويقربُهم لمرتبة الخشوع التام.
إن عملية الإرشاد عملية خطيرة، خاصة عندما يذوق المرشد لذة الانسياق والانقياد إليه، فإذا لم يكن قد تحقَّقَ من نفسه، أن يكون عالماً بالشريعة الإسلامية علماً وافراً كافيا، زاهداً في الدنيا وما حولها، مستقيماً في سلوكه ومعاملاته، أمَرَتهُ نفسُه بالسوء، وتصَورَ نفسَه شيئاً عظيماً.
يقول الشيخ أحمد الرفاعي محدثاً مريديه في أحد المجالس: {حُشرتُ مع فرعون وهامان إن كُنتُ أرَى نفسي خيراً من واحد منكم} ويقول أيضاً:
{المرشدون الذين يُكرمُهم اللهُ بالكرامات يتَسَتَرون بكراماتهم كما تَستُرُ المرأة حيضَتَها}
فأينَ إذن مشايخ هذا العصر من الشيخ أحمد الرفاعي، والشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ ابن الفارض، وغيرهم ممن غاصُوا في رحاب المَحَبة الإلهية، وقدروا الله حق قدره.
إنه لمن المؤسف أن نجد اليوم رجالاً، جاءوا بالبدع الكثيرة واختلقوا المحدثات العديدة، وفتنوا بالأموال والجاه والسلطان، وأضاعوا كنزاً ثميناً، وطريقاً روحانيًّا رائعاً، وحَسبُك أن تقرأ كلمات الشيخ ابن عربي، حتى تتذوقَ حلاوة هذا المنهج الفريد:
{أدينُ بدين الحُب أنَى توجَهَت ** ركائبُهُ فالحبُ ديني وإيماني}.
هكذا إذن، وبَعدَ الأحداث العديدة المؤسفة التي ألصقت ظلماً وعدواناً، صفةَ الإرهاب والدم والتطرف بالإسلام، وهُوَ بريء منها براءة الذئب من دم يوسف، أصبَحَ ذَوُو القرار في العالم الإسلامي عامة، والعَرَبي خاصة، يَبحَثُون ويدعمون جهراً وسرًّا، ما يَعتَبرونَه الوجه الناعم للإسلام، الآن فَقَط وفجأة، صار بإمكانك أن تَكونَ حَلّاجاً، لا مشنَقَةَ ولا مقصلة، ما دمتَ لا تحشُرُ أنفك في ما يغضبهم، وما دام شيخك لا يرفُضُ الهدايا المقدمَة إليه.. إنها سُلطَةُ المسبحة يا سادة..
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.