يقول الاقتصادي الفرنسي فريدريك باستيا (1801-1850) عن الدولة إنها "تلك الخدعة التي تعيش فيها أقلية قليلة على حساب الأكثرية" وباسم القانون. أما الضريبة، فهي ذلك النهب الذي تقوم به الدولة باسم القانون، إنه نهب ولكنه مشروع، باسم التشريع الذي تخلى عن وظيفة حماية الحرية الفردية واتجه لحماية الأقلية القليلة التي تسن القوانين وتحمي بها نفسها من طموحات الأكثرية.
كانت هذه المسألة واضحة في أذهان المدافعين عن الحرية منذ منتصف القرن الثامن عشر، لما أوصى آدم سميث (1723-1790)، أب الاقتصاد السياسي، بسنّ نسب ضرائب معقولة لضمان الرخاء وتفادي تثبيط همم الأفراد وتحطيم محفزاتهم في العمل والاستثمار. قال آدم سميث:
"إذا أردنا إيصال الدولة إلى أعلى درجات الثراء انطلاقاً من أدنى درجات البربرية فلا نحتاج إلى الكثير من المتطلبات إذا توفر السلام والضرائب السهلة وقدر مقبول من تطبيق العدل".
وقبله بزمن طويل قال العلامة المسلم ابن خلدون (1332-1406):
"اعلم أنّ العدوان على النّاس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه حينئذ من أنّ غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم. وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها انقبضت أيديهم عن السّعي في ذلك، وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرّعايا عن السّعي في الاكتساب."
إن الضريبة شكل من أشكال العدوان على الأموال، بل الشكل الأكثر إجحافاً، وفي الآن ذاته الأكثر تنظيماً في العصر الحديث. يمارس هذا العدوان تحت شرعية خدمة المصلحة العامة وتمويل السياسات العمومية. لكن تلك الأموال سرعان ما تتبخر في مشاريع وهمية ومصاريف جشعة يتولى تحالف البيروقراطيين والسياسيين استحداثها كي يغتنوا من ورائها، ويخدموا جشعهم الخاص الذي لا حدود له.
هل من المعقول أن يذهب خُمُسا (نحو 40%) دخل كل فرد من الأفراد إلى بيروقراطية غير شفافة وغير قابلة للمحاسبة تسمى الدولة؟ أليس هذا وحده سبباً يفسر جزءاً من التخلف الاقتصادي التي تعيشه البلدان الفقيرة؟ تلك البلدان التي ينتشر فيها خمول الأفراد وتغيب فيها المحفزات على العمل (بالتالي البطالة) والتعلم (الأمية) والاستثمار (الفقر).
إن (البطالة) و(الأمية) و(الفقر) 3 عناوين كبرى للجحيم الاقتصادي الذي تعيشه بلداننا.
الحكام الذين يحكمون هذه البلدان، الذين يديرون هذا الحجيم الاقتصادي، هم أنفسهم يفضلون أن يذهبوا بأموالهم إلى مناطق آمنة، مناطق لا تراقبها حكومات جشعة: مناطق تسمى "جناناً ضريبية"؛ ذلك النعيم الذي لا يضطرون فيه لدفع ضرائب لأي كان. ولكن هذه الجنان لا توفر النعيم الضريبي فقط، بل توفر السرية وأشياء أخرى.
إذا كنتم تفضلون المناطق التي تدفعون فيها ضرائب منخفضة، لماذا إذن لا تحولوا بلدانكم إلى نعيم ضريبي، باسم القانون وخدمة للتطور الاقتصادي. إذ لا تنقص الأدلة العلمية التي تؤكد أن خفض الضرائب ينمي الانتاج والاستهلاك والاستثمار ويحفز على العمل ما دام الأفراد سيدفعون أقل لخزائنكم المثقوبة إذا اشتغلوا أكثر؟ هل أنتم في حاجة لأن نذكركم مرة أخرى بدرس الاقتصادي آرثر لافر عن العلاقة العكسية بين نسب الضرائب ومحاصيلها؟
إن هؤلاء الحكام الذين أدمنوا الحلول السلطوية هم حقاً في حاجة لتعلم بعض أدبيات الاقتصاد الذي يضع بين أولوياته خدمة حقوق الأفراد المستقلين، قبل ما يسمى زوراً وبهتاناً المصلحة العامة التي لا تعدو أن تكون مصلحة أقليلة قليلة ينتهي بها المطاف بتهريب أموالها لجنان ضريبيبة اتقاء شر قوانين هم فقط المسؤولون عن سنها وتطبيقها.
إن المؤسف حقاً ليس هو هذا فقط، بل إن تلك الأموال التي أتى بها حكام البلدان المتخلفة تشكل في أغلبها أموالاً منهوبة، إنها جزء مما نهبوه عن طريق الضرائب وعن طريق استغلال النفوذ ووسائل الدول التي يحكمونها. وكما قال باستيا:
"التاريخ يشهد أن النهب كلما كان أقل كلفة من العمل كان عليه أظهر، وهذا الظهور لا يقوى الدين على منعه ولا الأخلاق".
وفي نظركم ما الأسهل بالنسبة لهؤلاء: العمل أم النهب؟ لا شك أنكم ستجيبون بأن النهب أسهل، ليس فقط لأن المنطق يؤيد ذلك، بل لأننا نقف شهوداً على نهب يمارس كل يوم. وإذا ما أردنا أن نوقف هذا النهب فعلينا بشيئين وبشكل مستعجل: نسب ضرائب معقولة، أي نعيم ضريبي عالمي، و"حكم القانون" في كل مكان لأن "القانون هو العدالة" كما قال باستيا نفسه، لكنه القانون الذي يراعي المصلحة الخاصة للأفراد، قانون يحمي ملكياتهم وحياتهم وحرياتهم.