كشف عدد ضخم من الوثائق الداخلية التي حصل عليها "هافينغتون بوست" وشركة فيرفاكس ميديا قيام شركة KBR الأميركية الكبرى، والتي تعمل في مجال الهندسة والإنشاءات بالتعاقد مع شركة Unaoil -وهي شركة غامضة مقرها موناكو ومتورطة في فضيحة رشوة كبرى دوليًّا- لمساعدتها في الفوز بتعاقدات في مجال النفط والغاز في كازاخستان، حيث قامت شركة KBR والتي كانت جزءاً من شركة هاليبرتون العالمية العاملة في مجال البترول حتى عام 2007 بدفع ملايين الدولارات لشركة Unaoil الغامضة في الفترة بين عامي 2004 و2009.
فضيحة ليست الأولى
يذكر أن هذه ليست فضيحة الرشوة الأولى بالنسبة لهاليبرتون أو KBR، فقد كشفت تحقيقات فيدرالية استمرت لسنوات طويلة في 2009 عن إدانة شركة KBR بعدة تهم جنائية من بينها انتهاك قوانين الولايات المتحدة الخاصة بالفساد الخارجي بعد قيامها برشوة مسؤولين نيجيريين، حيث وافقت الشركة في ذلك الوقت على دفع 402 مليون دولار كجزء من التسوية القانونية، كما قامت كل من هاليبرتون وKBR بدفع 177 مليون دولار لتسوية بعض التهم المدنية المتعلقة بالسلوك ذاته. وبعد ثلاث سنوات من ذلك، تلقى ألبرت ستانلي، المدير التنفيذي الأسبق لشركة KBR، حكماً بالسجن لـ30 شهراً في أحد السجون الفيدرالية، نظراً للدور الذي لعبه في تلك الفضيحة. وكجزء من اتفاق مع وزارة العدل، وافقت الشركة على التنازل عن الكثير من حقوقها القانونية إن تم إدانتها بدفع الرشى مرة أخرى.
"إسباغيتي" و"كباب"
وفي خضم تحقيقات وزارة العدل، قام أحد موظفي KBR بإرسال بريد إلكتروني إلى شركة Unaoil لتحذيرهم من قيام الشركة بتشديد إجراءاتها لمكافحة الفساد، رداً على التحقيقات الفيدرالية. وعلى الرغم من ذلك، استمرت KBR في دفع الأموال لـUnaoil نظير أعمال في كازاخستان على مدار عدة سنوات بعد ذلك.
في رسائل البريد الإلكتروني، استخدم موظفو KBR التابعة لهاليبرتون في ذلك الوقت وUnaoil كلمات مشفّرة للإشارة إلى شركائهم في كازاخستان. وفي فبراير/ شباط من عام 2005، قام ريتشارد ستوكي بإرسال بريد إلكتروني إلى أحد مديري شركة Unaoil ويدعى بيتر ويلمونت من خلال بريد إلكتروني تابع لشركة هاليبرتون حثه فيه على بدء "التواصل المباشر" على حد وصفه، مع المطلعين على الفور، حيث كتب له ستوكي "أشعر أن المكان الذي يحتوي على الإسباغيتي الجيد سيحتوي أيضاً على بعض من كباب الشاشليك من أجل غذاء سهل الهضم".
وكانت الأسماء الرمزية التي استخدمها ستوكي تشير إلى شركة إيطالية للنفط، والتي وصفها بالإسباغيتي، وجهاز النفط الحكومي في كازاخستان، والذي وصفه بكباب الشاشليك، والذي يعتبر وجبة شهيرة في البلاد، ولم تحمِ تلك الرموز هاليبرتون أو KBR من العقاب.
عقوبة مغلّظة
يقول أندي سبالدينغ، أستاذ القانون بجامعة ريتشموند، والذي يدير مدونة تتناول مسألة الرشى الخارجية، "إذا كانت هذه الرسائل قد كتبت بعد فتح التحقيقات مع KBR من قبل وزارة العدل، نظراً لانتهاكاتها السابقة، فستكون العقوبة أكبر بكثير مما ستكون في حالة كونه الانتهاك الأول". ويضيف "لن يكون مهمًّا ما سيقومون بالجدال حوله، لأنه سيكون هناك مؤسسة قانونية أخرى ستقوم بقراءة تلك الرسائل وتلتقي بكل هؤلاء الموظفين، وسيتمكنون من اكتشاف أنهم لم يكونوا يتحدثون عن الطعام ببساطة".
بالعودة إلى 2004، كانت شركة Unaoil قد بدأت محاولتها للحصول على عقد مشترك لصالح KBR وشركة بريطانية تُدعى بتروفاك للعمل في مجال النفط الكازاخستاني الضخم. وفي الوقت الذي تعتبر فيه المؤسسة الكازاخستانية للنفط والغاز (KING) بمثابة أحد أجنحة الشركة الوطنية للنفط في البلاد، قامت المؤسسة بتعيين رجل يدعى ليونيدا بورتولاتزو كمستشار، وفقاً لمذكرة أرسلها أحد موظفي KBR تفاخر فيها بمدى تأثير بورتولاتزو داخل كازاخستان، إلا أن Unaoil كانت تدفع للرجل ما يقارب 80 ألف دولار شهريًّا طبقاً لتعاقد بين الشركة من طرف، وبين شركة بورتولاتزو للاستشارات من طرف آخر. في إحدى صور الرشى المقدمة، قامت Unaoil بشراء أثاث فاخر تبلغ قيمته عشرات الآلاف من الدولارات لبورتولاتزو وفق ما كشفت عنه رسائل البريد الإلكتروني، كما تضمن التعاقد دفع مبلغ 165 ألف دولار لبورتولاتزو عند توقيع العقد.
من تحت الطاولة
وكانت هاليبرتون قد أجرت محاولة فاشلة عام 1998 للحصول على تعاقدات للعمل في كازاخستان، إلا أنها اصطدمت ببعض الحواجز، كان من بينها تطوير حقل كاشاجان، والذي يحتوي على أحد أكبر احتياطيات النفط التي اكتُشفت خلال العقود الأخيرة، والذي يدار من قبل البيروقراطية المتعالية لديكتاتور كازاخستان نور سلطان نزارباييف، بمساعدة مجموعة من عمالقة الطاقة العالميين.
وجاءت شراكة KBR مع Unaoil بهدف إعطاء الأفضلية للشركة في تعاقدات حقل كاشاجان للدخول حيث كانت الشركات الدولية التي تتحكم في الحقل قد بدأت بالمضي قدماً في عملية تطويره، بينما كانت Unaoil تركز على الإيطاليين تحديداً، مثل بورتولاتزو، فأصبح واضحاً للغاية أنهم يعرفون ما يقومون به، حيث كان الرجل مديراً سابقاً في شركة ENI الإيطالية التي تورطت كثيراً في قضايا فساد.
كانت ENI هي الإسباغيتي المذكور في الرسائل، وهي من أصغر الشركات التي تساهم في إدارة حقل كاشاجان، إلا أنها أخذت زمام المبادرة في تطوير الحقل بناءً على اتفاق تم توقيعه في 2001 بين مجموعة الشركات الأجنبية، وشركة النفط الوطنية التي تملكها دولة كازاخستان. تشير رسائل البريد الإلكتروني المسربة من Unaoil إلى أن مديري الشركة حاولوا إقناع مسؤولي هاليبرتون (KBR) أنه بإمكانهم شراء معلومات سرية من بعض المصادر داخل ENI وكذلك داخل الحكومة الكازاخستانية.
رَدٌّ…
في رسالة من ويلمونت، المدير التنفيذي لـ Unaoil، علّق فيها على رسالة ستوكي في فبراير/ شباط 2005 وأرسلها إلى سايروس إحساني، المدير التنفيذي للشركة وابن مؤسسها، قال فيها "نحتاج إلى إقناع ريتشارد (يقصد ستوكي) أننا نملك منزل الإسباغيتي، وأن بإمكاننا تجهيز بعض وجبات الشاشليك الجاهزة". وأضاف "إذا فعلنا ذلك سنتمكن من توقيع العقد".
وتطلب إقناع مسؤولي KBR بتأثيرها في كازاخستان قيام Unaoil باستيعاب بعض الطلبات غير الاعتيادية. في أغسطس/آب من عام 2008، وتحديداً بعد انفصال KBR عن هاليبرتون، قامت Unaoil بإنفاق عشرات الآلاف من الدولارات على حجوزات لغرف فندقية لصالح مسؤولين رسميين من كازاخستان خلال زياراتهم لموناكو، حيث يقع المقر الرئيسي للشركة، بحسب ما ذُكِر في الرسائل الإلكترونية. كان الهدف من كل تلك النقود بسط المزيد من النفوذ داخل كازاخستان لصالح KBR، حيث كان من بين المسؤولين الذين قاموا باستضافتهم في موناكو كايرات بورانباييف، والذي كان في ذلك الوقت مديراً لاستثمارات الشركة الوطنية الكازاخستانية للنفط المشتركة مع شركة Gazprom الروسية الكبرى، حيث قامت الشركة بتوفير إقامة له في فندق فخم، بينما كان يزور موناكو لحضور بعض مباريات كرة القدم، حيث حجزوا له جناحاً في فندق فيرمونت بتكلفة 1700 يورو لليلة الواحدة، في حين أقام مساعدوه في غرف أخرى تكلفت 900 يورو.
ما سر الاهتمام ببورانباييف؟
يشتهر بورانباييف بعلاقاته القوية مع الرئيس الكازاخستاني، حيث تزوجت ابنته من حفيد نزار باييف في عام 2013 في حفل كبير أحياه النجم العالمي كيني ويست، كما يشتهر بإنفاقه الضخم على متعته، وكذلك بسيطرته على امتياز مطاعم ماكدونالدز في كازاخستان.
بالنسبة لـ Unaoil، كان التعاقد مع KBR يستحق كل تلك النفقات وأكثر؛ نظراً لسجل الشركة المرتفع. في رسالة كتبها ويلموت في يونيو/ حزيران 2008 إلى سايروس إحساني، قال فيها "هذه هي أفضل شركة نعمل معها، يمكننا أن نعيش فقط على سمعة العمل مع KBR". توضح هذه الرسالة أن هذا التعاقد كان يعني تسويقاً عالميًّا لسنوات قادمة.
السؤال هنا، هل قامت Unaoil برشوة موظفين عمومين؟ "الإجابة هي لا بالقطع" هكذا أجاب عطا إحساني، مؤسس الشركة في تصريح لـ"هافينغتون بوست" وفيرفاكس ميديا.
رفض للتعليق
في بريد إلكتروني، قالت المتحدثة الرسمية باسم شركة ENI، إن السلوك المزعوم لبعض موظفي الشركة، جاء على حساب الشركة بالكامل، بالإضافة إلى التناقض الواضح والمباشر مع الكود الأخلاقي الذي يجب أن يلتزم به جميع موظفي الشركة، وأضافت "نحن لن نعلق بشأن التحقيق الداخلي المحتمل"، حيث لم تتحدث عن بورتولاتزو بالتحديد، والذي رفض التعليق من جانبه حول القضية.
ولم ترد سفارة كازاخستان في واشنطن فوريًّا حول طلب للتعليق على دور شركة النفط الوطنية والمسئولين المرتبطين في الواقعة، في حين أشار أحد المتحدثين باسم بورانباييف أنه يقضي إجازة حالياً وليس متاحاً للتعليق حول الأمر.
الشركة تنكر
من جانبها، أنكرت كل من هاليبرتون وKBR قيامهما بأي فعل مخالف، حيث قالت شركة هاليبرتون في رسالتها إلى "هافينغتون بوست"، "تملك هاليبرتون أخلاقاً مهنية فعّالة وشاملة، كما أن لديها برنامجاً صارماً يشمل جميع الأنشطة والسياسات التي تقوم بها الشركة لضمان كونها وموظفيها يمتثلون لكل القوانين والتشريعات الدولية". وأضافت الشركة "ليس لدينا أي علاقات حالية أو حديثة مع شركة Unaoil، كذلك فقد انفصلت شركة KBR عن هاليبرتون بشكل كامل منذ عام 2007، ونحن ليس لدينا أية معلومات بشأن علاقات الشركة".
وفي تصريح لشركة KBR، ذكرت الشركة أنها تلتزم بالأمانة والنزاهة والامتثال للقوانين في جميع أعمالها، كما أضافت "نحن لا نتسامح مع أي نشاط غير قانوني أو غير أخلاقي يقوم به موظفونا أو من يعملون لصالح شركتنا".
إيقاف مؤقت للفساد
على العكس من ذلك، تشير الرسائل بين موظفي هاليبرتون (KBR) وبين Unaoil والتي كشفتها تحقيقات وزارة العدل في تحقيقات سابقة حول رشى مزعومة، أن الشركة لم تقم حتى بقطع علاقات الفساد الخاصة بها بسبب التحقيقات، بل فقط قامت بإيقافها مؤقتاً لحين انتهاء التحقيقات. في يوليو/ تموز من عام 2005، قام توني فوسي، المدير المالي لشركة KBR في مشروع كاشاجان، بإرسال بريد إلكتروني إلى ويلمونت للنقاش حول مشكلة تتعلق بوكيل نيجيري، وأشار في رسالته إلى تحقيقات وزارة العدل حول رشوة مسؤولين نيجيريين للفوز بعقود داخل نيجيريا. ومن جانبه، رفض فوسي (والذي غادر الشركة في ذلك العام) التعليق على الأمر.
في ذلك الوقت، قامت شركة Unaoil باستخدام عنوان في لندن لتعاقداتها مع KBR ولكنها طلبت تحويل الأموال المستحقة من خلال تحويل مصرفي إلى موناكو. في رسالة فوسي إلى ويلمونت، والتي أخبره فيها أن تحويل الأموال إلى موناكو، والتي لم تذكر في العقد هو أمر مخالف لقانون الممارسات الأجنبية، أشار إلى أنه يجب على الشركة توخي الحذر بسبب تحقيقات وزارة العدل، وأن عليها التشديد حول عملية تحويل الأموال، في حين لم يكن من الواضح من خلال الرسائل إذا ما كان قد تم تحويل الأموال بتلك الطريقة أم لا.
حسابات بنكية
في عام 2006، رفضت شركة هاليبرتون الدفع لحساب بنكي في جزر القنال ذاتية الحكم غرب أوروبا، والتي تشتهر بسمعتها السيئة وبكونها ملاذاً ضريبيًّا؛ بسبب أن الشركة التابعة لـ Unaoil والمذكورة في العقد تقع في موناكو وليس في تلك الجزر، ما أدى بالنهاية إلى قبول Unaoil لتحويل الأموال إلى موناكو.
وفي عام 2008، ذكر موظفو Unaoil أن الشركة بحاجة إلى حساب بنكي جديد في كازاخستان لتلقي الأموال من KBR، حيث قالت المديرة المالية للشركة، ساندي يونغ، في رسالة إلى أحد الموظفين في فبراير/ شباط من ذلك العام "نحتاج إلى فتح حساب بنكي في كازاخستان تتدفق فيه العائدات القادمة من KBR". وأضافت أن الحكومة تطلب من الشركة أن تكون جزءًا من نظامها المصرفي وأن تخضع لقوانينها، وأنه من السهل الاستجابة لهذا المطلب إذا قامت الشركة بفتح حساب منفصل، وهو ما سيقلل من حجم المعلومات التي من الممكن أن يعرفوها حول باقي أنشطة الشركة.
في يناير/ كانون الثاني من عام 2009، كانت KBR تقوم بالفعل بتحويل الأموال لـ Unaoil، حيث قامت في ذلك الشهر بتحويل قرابة مليون دولار إلى حساب Unaoil الجديد في كازاخستان، وفق وثيقة بنكية وُجِدت في إحدى الرسائل.
بعد أسابيع قليلة، وتحديداً في فبراير/ شباط من العام نفسه، كانت KBR قد قامت بتوقيع اتفاق مع وزارة العدل على قضية مؤجلة حول أنشطتها في نيجيريا، وقبلت دفع 402 مليون دولار كعقوبة على الشركة، في حين أن التحقيقات حول أعمالها مع Unaoil لم تكن قد بدأت بعد.
الجدير بالذكر أن باتريك ستوكس، والذي كان واحداً من ثلاثة محامين قاموا بتوجيه دعوى ضد KBR بشأن نشاطها في نيجيريا، ما زال حتى الآن يعمل كمسؤول كبير داخل وزارة العدل ضمن قسم خاص بمكافحة الرشى خارج البلاد.
– هذه المادة مترجمة عن النسخة الأمريكية من The Huffington Post. للاطلاع على المادة الأصلية، يرجى الضغط هنا.