مما لا شك فيه أن الحرب لن تجلب إلا الدمار والخراب، سواء أكانت حرباً لأجل السلم أم حرباً لأجل الحرب. الدخول في حرب -أية حرب- هو كمثل أن تفتح باباً إلى غرفة مظلمة ولا تدري ما الذي سيحصل بعد ذلك.. ماذا هنالك في هذه الظُلمة؟ وما الذي يحمله القدر لك بعد أن فتحت هذا الباب وهممت بالدخول إلى المجهول؟ المجهول الذي ينتظرك خلفه، وهكذا هي الحرب..
في هذا العالم المشبع بالحروب، تجد من يحارب من أجل الحرب، وغيره يحاور من أجل الحوار، وثالث لا يسالم من أجل السلم، وهذه الحالات الثلاث تضع أمامك الواقع المر الذي نعيشه، فكل حالة من هذه الحالات لها أهدافها وأغراضها ومبرراتها وأسبابها ولعل من أهم أسبابها الوصول إلى قناعة نفسية بأن الطرف الآخر على خطإ، وعدم القبول بآرائه سواء أكانت صائبة أو خاطئة.
في وقتنا الحاضر الذي نعيش فصول مأساته من حروب وحوارات ومرحلة اللاسلم، لا أحد وفق تقديري قادر على إصدار الحكم على الحرب المشتعلة، إلا أصحابها الذين يخوضون غمارها في الميادين، ولا يمكن لأحد أن يمارس التقييم الموضوعي لها إلا إذا كان على علم بكل أهدافها، وما تحقق منها، فهناك حرب تهدف إلى السيطرة والاستحواذ أو الهيمنة الاقتصادية أو الانفراد بالقرار السياسي والتخلص من الخصم المتمرد وبذلك تحقق الحرب هدفها المرسوم مسبقاً.
لكن في غالب الأحيان يكون الهدف من الحرب عدم تحقيق انتصار واضح المعالم لعدم توفر الإمكانيات التي تساعد على التغلب على الطرف النقيض، وهذا يؤدي إلى الفشل في تحقيق الكثير من الأهداف التي قامت الحرب لأجلها. الفشل في تحقيق أهم الأهداف التي أشعلت الحرب تجعل المعركة غير منتهية وتغرس بذور حرب جديدة ستشتعل يوماً ما، والكثير من الحروب التي تحدث الآن ما هي إلا بذور لحروب سابقة لم تنتهِ فيها المعركة إلى انتصار ولم تتحقق أهدافها.
المعركة غير المنتهية بانتصار حاسم وسريع أو الحرب التي لم تحقق هدفها يؤدي في النهاية إلى إطالة أمدها، ولا يستطيع أي طرف من الأطراف المتحاربة أن يحقق أي نصر حاسم حتى ولو كان لديه قوة جبارة؛ لأن المعركة أصبحت معركة مصير وإطالة أمد الحرب سيسبب لا شك ضعفاً ما لأحد الأطراف، مما يمكن الطرف الأقوى الذي صقلته الحرب أن يحقق مكاسب كبيرة سواء في العملية السياسية وحواراتها أو من خلال الحرب الباردة؛ ليصبح بعد ذلك صانعاً للقرار الذي يرفع من مكانته السياسية.
المعضلة التي سيواجهها المتحاربون بعد انقشاع غبار المعركة هي معضلة الثأر السياسي، فالطرف المنتصر المستفيد من إطالة أمد الحرب سيعمد إلى الانتقام السياسي من كل من وقف في وجهه في السابق، وهذا سيسبب عواقب وخيمة على السلم المجتمعي، حيث ستزداد الثأرات والقتل على الهوية والتشرد الذي سيرافقه انعدام في الأمن وتفشي المجاعة واستيطان الأمراض وارتفاع مستوى الجهل والأمية، وكل هذه ستؤدي إلى استنزاف مقدارت الدولة وانهيارها انهياراً كاملاً، وحينها ستصبح الحياة بلا طعم، وسيدرك الكثير أن الحرب لن تكون حلًّا للأزمات، بل إن لغة الحرب والسلاح وحدها لا يمكن بتاتاً أن تقدم حلولاً بل إنها ستزيد من صعوبة الوصول إليها.
خاتمة القول إن اشعال الحرب لم تكن يوماً من أجل الوصول إلى السلم، فالسلم لا يصنعه إلا الحوار والحوار فقط، أما الحرب فإن نتيجتها معروفة سلفا وهي الدمار والخراب ولنا في الكثير من البلدان العظة والعبرة والدرس المعتبر فيما وصلوا إليه بعد سلوكهم طرق الحرب المدمرة، التي أتت على الأخضر واليابس، ولم تترك شجراً ولا حجراً إلا وأبكته، ومن الضروري جدا في هذا الوضع العالمي السيئ المنافق اللجوء إلى الحوار البنّاء حتى الوصول إلى الحل السياسي المرضي للجميع وتقبل الرأي الآخر بصدر رحب، لكي يعيش الجميع بأمن وأمان وسلام.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.