داعش.. ذلك التنظيم الإرهابي الدموي الذي أصبحت أخباره مفروضة على أحاديث الصباح والمساء.. بل صار كابوسًا يقتحم منامات الكثيرين في مشارق الأرض ومغاربها، وواقعًا يقتل أحلام الآمنين في كثير من بلدان وطننا العربي، بل وفي أوروبا التي لم تسلم من هذا الوحش الذي لا يرحم.
داعش ليست جماعة عشوائية.. بل من يستقرئ خطواتهم وأفعالهم يجدهم يمضون قدمًا بخطواتٍ ثابتة، وأجندةٍ واضحة ليبنوا مستقبلهم الدموي باستراتيجيات مدروسة.. تلك الأجندة تضم العديد من الأولويات وعلى رأسها: "تفريخ" جيلٍ جديدٍ من المتطرفين الإرهابيين، ليُكمل المسيرة الشيطانية للإفسادِ في الأرض.
الأجندة الإرهابية لتنظيم داعش تضم "تفريخ" جيل جديد من الأطفال المتطرفين، يُرضعونهم الكراهية المشَبَّعة بالدماء منذ نعومة أظافرهم فتُيَبِس قلوبهم وتَنزِع منها الرحمة، ثم يبذرون في عقولهم بذور المفاهيم الدينية المشوهة، فتنبت شجرة خبيثة من الأفكار التي أقاموا فروعها المعوجة على نصوص دينية من القرآن والسنة النبوية المشرفة، لووا عنقها لتساير أهواءهم وتطرفهم وتشبع في نفوسهم شهوة الدماء.
يعتمد داعش -الذي يمثل التطرف في الشرق- في تفريخه للإرهابيين الجدد كما ذكر أحد الجهاديين السابقين، على أسلوبٍ ممنهج في بناء فكر إرهابي وتكفيري يتعارض كليًّا مع التعامل الإنساني لمدة عام.. فالأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا، يخضعون لمعسكر يزرع فيهم الفكر المتشدد، وبعد بلوغ سن 16 عامًا يتم إدماجهم في ساحات التدريب العسكري ليصبح المتدرب بعد ذلك عنصرًا مقاتلًا مجردًا من المشاعر الإنسانية، ومتشبعًا بالتطرف والتشدد.
إذا فهم يبدأون بتدمير آخر معاقل البراءة، عبر تفخيخ عقول الأطفال ليفجروا فيهم مشاعر الكراهية ضد كل ما يخالف أفكارهم وتطرفهم، فإذا ما شبوا.. انتقلوا من تفخيخ العقول إلى تفخيخ الأجساد والأفراد لينسفوا حياة الأبرياء ويدمروا الأوطان.
والأمر لا يختلف كثيرًا عند المتطرفين غير المسلمين في الغرب.. فالطريقة واحدة.. وهي تفريخ الإرهابي وتغذيته على الكراهية ونبذ الآخر وتوجيههم لإفناء كل ما سواهم، وهي نفس الطريقة التي سار عليها النازي أدولف هتلر، الذي كان يُعَلِم الأطفال الألمان في المدارس والمعسكرات أنهم الجنس الآري النقي وما سواهم من الدرجة الدنيا ويجب إبادتهم،.
حتى وصل تطرفه وإرهابه إلى أنه كان يأخذ أي طفل تبدو عليه الملامح الألمانية النقية من الأطفال الذين خطفتهم القوات النازية من بولندا ودول أوروبية أخرى، ويجري لهم عمليات تحويل لهم كتفتيح لون الشعر والبشرة باستخدام أشعة "ألترافايلوت"، وإلحاقهم بمعسكرات تدريب لأطفال "الجنس الآري النظيف" التي أعدها مستشاره هينريك هيملر، والذي كانت مهمته "تفريخ" جيل متطرف خارق من الأطفال الألمان لقيادة "الرايخ الثالث". كما تخلص هتلر من كل الأطفال الألمان المعاقين والمعتوهين لإيمانه بنقاء الجنس الآري.
والآن.. ومع انتشار موجات الإسلاموفوبيا، وقيام الجماعات المتطرفة بعمليات إرهابية في أوروبا والتي كان آخرها في بروكسل ومن قبلها فرنسا وراح ضحيتها المئات ما بين قتيل وجريح.. تسعى الأحزاب والجماعات اليمينية المتطرفة في أوروبا إلى تأجيج مشاعر الكراهية ضد المسلمين ومقدساتهم، وتفريخ جيل جديد من المتطرفين يشب على نبذ المسلمين الأوروبيين الذين يعتبرون جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الأوروبي، ويدل على ذلك ما يتعرض له المسلمون هناك خلال السنوات الأخيرة من اعتداءات زادت وتيرتها عقب أحداث "شارلي إيبدو" و"هيبر كاشير" الإرهابية وصولًا إلى العمليات الإرهابية الأخيرة في بروكسل وباريس.
فما تعيشه اليوم الجالية المسلمة في أوروبا، وما تتعرض له مساجدهم ومقدساتهم من حرقٍ وتخريب، وما ينالهم من اعتداءات مثل حادثة دهس رجل لامرأة مسلمة معاقة في بروكسل قبل أيام، ومن قبل عقب أحداث باريس إلقاء سيدة محجبة بقوة في اتجاه القطار بمحطة مترو أنفاق "Piccadilly Circus" في لندن، وضرب رجل وزوجته المحجبة في إحدى الدول الأوروبية، يؤجج نار الصراع في المجتمع الأوروبي، فقد سجل المرصد الوطني لمكافحة "الإسلاموفوبيا" في أوروبا زيادة قدرها 281 في المئة في الاعتداء على المسلمين ومقدساتهم في الربع الأول من عام 2015 مقارنة بالأشهر الثلاثة نفسها من العام السابق.
وحسب التقارير الأوروبية نفسها فإن واحد من ثلاثة مسلمين في أوروبا يتعرض للتمييز العنصري، و50 بالمائة من المسلمين، من بين الذين أجريت معهم مقابلة في إحدى عشرة مدينة أوروبية، قد تعرضوا للتمييز العنصري مقابل 9 بالمائة فقط من غير المسلمين.
على الدول الغربية أن تدرك أن الرابح الأكبر من تأجيج ذلك الصراع ونشر الكراهية ضد المسلمين الأوروبيين هي الجماعات المتطرفة سواء اليمينية أو اليسارية.. المسلمة أو غير المسلمة، وعليها أن تدرك كذلك أنها إن لم تُفعِّل القوانين التي تمنع وتعاقب على بث الكراهية، فإنها بذلك تهيئ بيئة خصبة لتفريخ الإرهاب والعنف المتبادل بين المتطرفين من الجانبين، وهو ما سيؤدي حتمًا إلى صدام الحضارات وهو الاصطدام بين المسلمين والمسيحيين الذي تنبأ به صامويل هينغتون، وهو الصدام الذي يحلم به ويسعى إليه أقلية متطرفة من المسيحيين واليهود الغربيين ومثلهم من المسلمين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.