بعد مصر..هل الصومال في مرمى تهديدات سدود أثيوبيا؟

في عام 1984م انخفضت بشدة مياه نهر شبيلي، مما أدى إلى عدم مياه تسمح لشركة السكر (SNAI) في جوهر من مواصلة أنشطتها، الأمر الذي دفع الحكومة العسكرية آنذاك إلى احتكار المياه القليلة المتبقية في النهر لصالح الشركة، وأدى ذلك لجفاف مجرى النهر في كثير من المناطق التي تقع جنوب شبيلي الوسطى.

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/05 الساعة 05:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/05 الساعة 05:55 بتوقيت غرينتش

بدأ منسوب مياه نهر شبيلي في الصومال الذي يمر بمحافظات هيران وشبيلي الوسطى وشبيلي السفلى في الصومال بالانخفاض خلال الشهور الماضية، إلى أن يجف تماماً، مما أدى إلى قلق سكان ضفاف النهر خاصة، والصوماليين عامة، حيث تعتمد حياة المزارعين في تلك المحافظات بشكل كامل على النهر، كما أن الكثير من الرعاة يعتمدونه أيضاً خلال فصل الشتاء.

انخفاض مياه نهر شبيلي في شهري فبراير ومارس في مثل هذا الموسم، كان معتاداً، إلا أنه لم يصل مثل هذا المستوى إلا في عام 1984م، أي قبل 32 عاماً كما يروى بعض مسنّي سكان مدينة جوهر حاضرة إقليم شبيلي الوسطى والتي يمر بها هذا النهر. وهناك مخاوف متزايدة من حدوث جفاف على المحافظات الثلاث التي يمر بها النهر، إذا لم تعد مياهه إلى مجراها المعهود، وربما يسبب هذا التغير الجذري كوارث طبيعية وبشرية.

بعد جفاف النهر في مناطق واسعة بدء الناس باستخدامه كممر يعبرونه سيراً على الأقدام بدل استخدام الجسور فقط، وكذلك السيارات والعربات التي تجرها الحمير والأنعام وغير ذلك، ويوجد مواقع قليلة من الثقوب التي بقي فيها مياه مالحة، غير صالحة للري أو الشرب.

"نهر شبيلي"

وينبع نهر شبيلي من هضبة الحبشة في إثيوبيا طوله حوالي 1500 كم منها حوالى 800 كم في الصومال، ويتجه نهر شبيلي للجنوب الشرقي حتى يدخل الأراضي الصومالية ثم ينحرف للجنوب، ويمتد مساحات واسعة من الأراضي الصومالية في ثلاث محافظات هي: هيران وشبيلي الوسطى وشبيلي السفلى.

ولنهر شبيلي موسمان من حيث الفيضان، الموسم الأول في الربيع يبدأ من إبريل إلى مايو، ويستمر في الارتفاع التدريجي البسيط في يونيو وأغسطس وسبتمبر. ومتوسط تصريف النهر في هذا الفصل يصل إلى 180 متراً مكعباً في الثانية عند مدينة جوهر في إقليم شبيلي الوسطى و100 متر مكعب في الثانية عند بلدة جينالي في إقليم شبيلي السفلي.

أما الموسم الثاني فهو في فصل الخريف، ويبدأ من أواخر سبتمبر وأكتوبر إلى أوائل نوفمبر، ويبدأ في الانخفاض والنضوب تدريجيًّا إلى أن يقترب بالجفاف في شهري فبراير ومارس. وعلى العموم فإن مياه هذا الموسم أقل من مياه الموسم الأول.

إذاً ما سبب جفاف نهر شبيلي؟ يقال إن عاملين اجتمعا في آن واحد وراء نضوب مياه نهر شبيلي وجفاف مجراه وهما: قلة هطول الأمطار في الموسم السابق في هضبة الحبشة التي ينبع منها هذا النهر، وبناء إيثوبيا -دولة المنبع- سدوداً وخزانات لمشاريع زراعية داخل أراضيها، هذا ما قاله يوسف أحمد هجر، محافظ إقليم هيران، المتاخم لإيثوبيا.

من جانبها، أعلنت الحكومة المحلية في الإقليم الصومالي بإثيوبيا رسميًّا -بعد أيام من تصيحات هجر- أنها قامت ببناء سدود مياه ضخمة في نهر شبيلي، خاصة في غرب جدي، لتنفيذ مشاريع كهربائية، وزراعية، وافتتحها رئيس الإدارة عبدي محمود عمر في حفل عقد لافتتاح السدود.
ومعلوم أنه لا يوجد أية اتفاقية مائية بين إثيوبيا والصومال تحيل دون إثيوبيا في إقامة مثل هذه السدود، ولم يعد كياناً صوماليًّا قويًّا يواجه تحديات الأمن القومي الصومالي.

ويتم تمويل المشروع المسمى بـ"مشروع الري في غرب جدي" من قبل الحكومة الإثيوبية، وبتنفيذ من شركة أعمال بناء مشاريع المياه في مناطق الإدارة الصومالية بإثيوبيا وشركة METEC الإثيوبية.

وقال عبدي محمود عمر "إن تكلفة المشروع بلغت 212 مليون بر إيثوبي" قائلاً إن بعض التأخر الذي وقع لهذا المشروع يرجع إلى الحاجة الملحة لتحويل أكبر قدر ممكن من المياه من نهر شبيلي لرى أراضٍ واسعة في الإقليم. وحث الرئيس السكان لزراعة الأرز والسمسم، وما شابه ذلك.

ومشروع ري غرب جدي يتكون من 4 سدود رئيسية، ومن المقرر أن يستفيد منه 27,000 أسرة، وفقاً لتلفزيون ESTV التابع للحكومة المحلية في الإقليم الصومالي بإيثوبيا. وبمقدور هذا المشروع ضخ 46 ألف لتر من المياه في كل ثانية، بينما استغرق بناؤه مدة عامين.

ووفقاً لتلفزيون ESTV فإن أسماء السدود الكبرى الأربعة التي أقامتها إثيوبيا في نهر شبيلي هي كالتالي:
1. سد هاربريس، القادر على ري 1920 هكتاراً من الأراضي الزراعية.
2. سد إعادة الإسكان، والقادر على سقي 980 هكتاراً من الأراضي الزراعية.
3. سد البحوث، والقادر على ري 630 هكتاراً من الأراضي الزراعية.
4. سد التعاون، والقادر على سقي 320 هكتاراً من الأراضي الزراعية.

وقد تسببت على ما يبدو هذه السدود الإيثوبية التي كانت تحت التجربة على مدى الشهرين الماضيين نضوب المياه في نهر شبيلي وجفافه، وخصوصاً في المحافظات الصومالية هيران وشبيلي الوسطى وشبيلي السفلى.

بدأت محاولات إثيوبيا لإقامة سد في نهر شبيلي عام 1997م، وتوقفت أكثر من مرة لكن الآن نجحت في تنفيذه، وتشكل هذه السدود خطراً على الصومال. وكان رئيس الوزراء الإيثوبي الراحل مليز زناوي يتساءل كثيراً "لماذا الإثيوبيون جائعون من نهر شبيلي بينما تعتمد حياة نصف الصوماليين عليه؟".

ومن الجدير بالذكر وبقى في أذهان كثيرين أن الإمبراطور الإيثوبي الراحل هيلاسلاسى كان يهدد باستمرار بقطع نهري جوبا وشبيلي عن الصومال، منذراً بتجفيف مزارع الموز على ضفاف هذين النهرين.

الأمر المقلق هو أن مجرى النهر أصبح جافًّا غير معتاد بعد التجربة الإثيوبية للسدود الجديدة، وعقد على عبدالله غودلاوي، محافظ إقليم شبيلى الوسطى، مؤتمراً صحفيًّا على تربة النهر داعياً الحكومة الصومالية وهيئات الإغاثة الدولية والمحلية لتقديم مساعدات إنسانية عاجلة للمتضررين من جفاف النهر.

(محافظ إقليم شبيلى الوسطى، على عبدالله غودلاوي، يعقد مؤتمراً مؤتمراً صحفياً داخل مجرى نهر شبيلي)

وفي عام 2014م فرّ آلاف الصوماليين من مدينة جوهر والقرى التابعة لها جراء فيضانات نهر شبيلي التي دمرت منازلهم وكسحت محاصيلهم الزراعية، لكن هذه المرة فهم يهاجرون فراراً من الجفاف والنقص الحاد في المياه.

أما في عام 2015م كان سكان ضفاف النهر على حذر لمواجهة الفيضانات الناجمة عن الأمطار الموسمية وبذلت الإدارات المحلية قصارى جهدها لوضع سدود مائية، لمواجهة السيول، أما في شهري فبراير ومارس في عام 2016م فالقول: الماء الماء.

البحث عن البديل:

يستخدم المزارعون مياه النهر لري المحاصيل الزراعية في أوقات الجفاف وفي المواسم التي تقل فيها الأمطار، بينما يستخدم الرعاة مياهه لري مزارع علف للحيوانات لترعى مواشيهم في أوقات الجفاف، وكلا الجانبين خاسر اليوم، لذلك اتجه كلٌّ إلى بديل بعد عدم مياه النهر.

وهناك مئات الآبار التي تعود للمزارعين الأثرياء، وتقوم بسقي الحقول حتى هطول الأمطار أو عودة مياه النهر، أما أرباب المواشي فلم يبقَ لهم إلّا أن ترعى حيواناتهم الأعشاب الجافة لأنهم عاجزون عن دفع مياه الري لمزارع العلف، بل يصعب عليهم دفع قيمة ماء السقي التي تشرب مواشيهم بشكل منتظم، لأنها مياه آبار تباع لا مياه النهر التي لا تباع.

خطر وشيك:

وكما هو المعتاد في مواسم الخريف في الصومال يبدأ هطول الأمطار في شهر أبريل الجاري، وفي الوقت نفسه يجلب نهر شبيلي مياهاً غزيرة من إيثوبيا، والتي غالباً تسبب الفيضانات، وفي هذه الوقت للنهر فروج لا يحصى خلقها السكان والمواشي والعربات والسيارات العابرة من هنا وهناك.
من المعلوم أن غالبية مياه نهر شبيلي تتسرب من إيثوبيا، وسكان ضفافه قد لا يعرفون عندما الأمطار الغزيرة تهطل في إثيوبيا، لذلك ليس مستبعداً أن تأتي مياه الأنهار فجأة بين عشية وضحاها وتغرق مدناً وقرى لم تصل السيول من قبل.

فعلى الرغم من السدود الإيثوبية الجديدة فمن المرتقب تسرب مياه النهر إذا ما بدأت الأمطار الموسمية المنتظرة في الأشهر المقبلة. ويعتقد أن السد الإثيوبي ليس بمقدوره قطع المياه كاملة من الصومال بل بإمكانه تقليلها.

في عام 1984م انخفضت بشدة مياه نهر شبيلي، مما أدى إلى عدم مياه تسمح لشركة السكر (SNAI) في جوهر من مواصلة أنشطتها، الأمر الذي دفع الحكومة العسكرية آنذاك إلى احتكار المياه القليلة المتبقية في النهر لصالح الشركة، وأدى ذلك لجفاف مجرى النهر في كثير من المناطق التي تقع جنوب شبيلي الوسطى.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد