أظن أن الفطرة هي أصل السواء النفسي للإنسان، و الفطرة إصطلاحًا : هي الطبع السوي و الجبلة المستقيمة التي فطر الله الناس عليها، وتعرف من سنن الأنبياء ..
فما الذي أعرفه من سنن نبيي صلي الله عليه و سلم، أعرف أنه ما خاض في عرض أحد من النساء ..أبدًا ..
أعرف أنه ما أهان إمرأة …أبدًا ، و لا شنع عليها – ولو كانت زانية – و لا وصم إحداهن "بالمطلقة" مثلًا، أعرف أيضًا أن حضور النساء مع الرجال في كل المواقف كان على قدم السواء.
في المسجد، وفي الحرب، في ركوب الخيل، وفي ركوب البحر، في طلب الزواج – من النبي صلى الله عليه وسلم نفسه – الآن في زماننا السعيد – مشوها السعيد معلش – نرى بعض الذكور يشنعون على النساء في حال الحضور – أيًا كان شكل هذا الحضور – على الفيس بوك على الحياة الإجتماعية ولربما لو سارت في الشارع لرجموها بألسنة حداد ،،
أتخيل لو أن السيدة "خديجة" رضي الله عنها ها هنا في زماننا (تاجرة ثم تطلب الزواج من موظفها)
..وتخيلوا لو أن السيدة الشفاء بنت عبد الله سارت في السوق كمحتسبة لوصفت "بالمسترجلة " ولوصف زوجها بالأوصاف "إياها" ..
وتخيلوا يا للهول لو أن "زكريا عليه السلام" دخل على مريم المحراب – في حضورهم – يا إلهى لا أرغب في تخيل هذا الموقف تحديدًا ..
ولا أرغب أيضًا في ذكر أم سليم لما ضحك منها الرسول صلى الله عليه وسلم لما إتخذت خنجرًا وقالت " اتخذته، إن دنا منى أحد المشركين بقرت به بطنه" ، ما كانوا يقولون يا ترى عن النبي صلى الله عليه و سلم وعن أم سليم !
وإني بذكر السيدات من آل البيت و الصحابيات رضي الله عنهن لا أساوي بينهن و بين النساء في زماننا ، ولكن .. المبدأ والفكرة هما الأساس ..في كل موقف يمكنكم شطب إسم الصحابية و إتخاذ الموقف كموقف أعمي بإسم أي سيدة أخرى – هل يفرق ؟ – فالسيدة خديجة رضي الله عنها خروجها المبدأى – هو خروج سيدة للتجارة – ولو خروج نظري بإدارة تحت إشرافها – وهو حتى ما لا يقبله المتنطعون – هلكوا – والسيدة "الشفاء" رضي الله عنها خرجت فعلًا وحقيقة – ما يعني مبدأ خروج النساء لعمل هام مثل الإحتساب – فيمكنكم نزع إسم السيدة الشفاء رضي الله عنها و إستبدالها بأي إسم آخر وتخيلوا الكلام الذي سيقال عنها ..
إن الفطرة التي أعرفها ، هي سواء نفسي كامل، لا يحمل الضغينة ولا التشنج ولا العصبية والتحسس من كل قول وكأنه يهدد أمانك الشخصي وحياتك
إن "خير القرون قرني " هو خير بالسواء النفسي و الوحي و حضور الرسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم – وهو النبي العظيم الذي ما كان ليفعل ما ينهى عنه المؤمنين و المسلمين – "إن خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام"، هو مقولة كبرى مؤسسة لكل تصور عن الإسلام.
يأتي الإسلام ليغير السلوك وما إختلط به من البيئة وما شوهته من الفطرة، فيعيد الفطرة لأصلها، فمن سلمت فطرته في الجاهلية، كان الإسلام له نورًا لأنه فوق سلامه النفسي – الذي يستفيد به من حوله أولًا – يفيد نفسه بالقرب من الله إذ أن الدين بين العبد وربه ، فبقول الشهادة و تمام الإسلام ينصلح الحال و يرتكب في ركب الكون المسبح و العابد لله وحده ..
فماذا نقول فيمن يخلط الإسلام بما هو غيره، و بمن يعكر الإسلام بالبداوة أو يدنسه بتشوه الفطرة – أيا كان سببها ؟ – أفكر في نفسي وأسقط الحال على نفسي فورًا، أقول ماذا لو لم أخرج للحياة العامة ؟ ماذا لو جلست في بيتي لا أرى الشارع؟ كيف ينعكس ذلك على تربيتي لإبني؟ و علاقتي مع زوجي؟
يسألني البعض"درستي الماجستير في التسويق، فما علاقة ذلك بإبنك؟" قد لا أستطيع أن أجيب إجابة مباشرة محددة إذ أنها لم تنضج بما يكفي لأتحدث عنها، و لكنني أرى أثرها في تربيتي لإبني، و على قربي من ربي، و عن فهمي لديني ..
إن فرض الحجاب "بكل ما حوله من منظومة من غض البصر وإنتهاءًا بضوابط اللبس للرجال والنساء – لوضع الجميع ذكورًا وإناثًا – على قدم السواء من الإنسانية هو عين الفطرة، عين الحياة و عين السواء …
إن ضوابط النزول للحياة العامة هي عين الفطرة ، بتجنب الملامسة و ضوابط الملابس للنساء والرجال و غض البصر، و غيرها مما ذكر في الفقه هي ضوابط وضعت لإعادة ضبط الفطرة إن مالت..
و أخيرًا أقول ..
عن عطاء أن رجلا من الأنصار قبّل امرأته علي عهد رسول الله وهو صائم فأمر امرأته فسألت النبي صلي الله عليه وسلم عن ذلك فقال النبي صلي الله عليه وسلم : إن رسول الله يفعل ذلك. فأخبرته امرأته فقال : إن النبي يرخَّص له في أشياء , فارجعي إليه فقولي له. فرجعت إلي النبي فقالت : قال إن النبي يرخص له في أشياء فقال : أنا أتقاكم لله وأعلمكم بحدود الله .. (رواه أحمد)
نتحرى أن نكون أتقى، و أقرب، ولكن لما نضع أنفسنا كأنبياء نحلل و نحرم فوق النبي عليه السلام، نظن نفسنا أحكم ؟ حاشاه !
نظن نفسنا أعلم ؟ حاشاه !
نظن نفسنا أتقى ! حاشاه !
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.