"غريب.. حضرتك مغربي؟"، بالدهشة والاستغراب يستقبلني بعض المصريين حين أفاتحهم بموضوع عملي وانشغالي بملفات الاختفاء القسري في المحروسة، حين يزول "تأثير" الحيرة حول أسباب إقدامي على الخطوة ودوافعي الكامنة وراءها، وتصبح علاقتي مع الكثير من العائلات المصرية التي عاشت وتعيش ظروفاً غاية في القسوة والبشاعة، أعود وأتساءل مع نفسي تلقائيًّا ويتكرر السؤال ذاته مجددًّا الذي سبق وأن قابلني به هؤلاء الأشخاص.
حين أستعيده وأقف "أعزل" أمامه دون مقاومة وهو يتكرر عشرات المرات في مخيلتي، تتآكلني الحيرة وأتوجع وأتحسر على أننا صرنا نعيش في زمن يكرر عبارات "الإخوة " و"الأشقاء" مئات المرات، لكنه أبعد ما يكون عنها وعن تطبيقها على أرض الواقع بحذافيرها، هل نحن "غرباء" عن بعضنا بعضاً لهذه الدرجة المثيرة للاستفزاز؟
هل بات اهتمام المغربي بـ"شقيقه" المصري "تهمة" تستوجب "النبش" خلفها قبلاً؟ وما الذي يدفع الأول "للاطمئنان" على الثاني أو "الخوف" عليه؟ أو الوقوف بجانبه وقت الشدائد؟
أسئلة عديدة تنبثق من السؤال الأول "الموجع"، ألا يحق لي أن أتألم وأقوم بواجبي الصحفي على أكمل وجه مع أبناء جلدتي وإخواني في المحروسة مصر؟ لماذا يستكثرون عليّ هذا الحق الأصيل الطبيعي في هذا العصر "الأعوج"؟
ثم لماذا في الضفة الأخرى يستغرب الآخرون ويطلقون العنان "لاتهاماتهم" أنني "أشيح" بوجهي وقلمي عمن يسمونهم "المقربين" أولاً؟ وكيف نصنف ونحكم على "المقرب" من البعيد في هذه الأيام الغريبة؟
حين سمعت قصة "إسراء الطويل" مثلاً في البداية لم أتساءل ولو لحظة أنها من بلد "بعيد" وغيرها "أولى" بالكتابة عنه؛ لأنها بالفعل تعنيني ومسّني الظلم الذي تعرضت له فتاة موهوبة ومكانها الطبيعي في المعارض، حيث يستقبل العالم بأسره ما تلتقطه عدستها الذكية المبدعة، وليس السجون والمعتقلات والمحاكم.
وأيضاً استوقفتني السيدة "مها مكاوي" الوفية المخلصة لقضية زوجها "أشرف شحاتة"، وعائلة "عبد الرحمن الجندي" ووالده المتهمين ظلماً وعدواناً و"إسلام خليل" المختفي والذي تعذب لشهور طويلة دون أن تهتدي أسرته لمكانه، ألستً إنساناً من لحم ودم؟
دون أن أنسى سجين الرأي الصحفي "هشام جعفر" والطبيب المقيم في ألمانيا "أحمد سعيد" والطفل "محمود محمد" وآخرون كثر لا ذنب لهم وتغير مجرى حياتهم بين ليلة وضحاها في ظل قبضة نظام دموي لا يرحم يفتك بالصغير قبل الكبير دون هوادة، فهل الكتابة عن هؤلاء و"احتضان" ذويهم المفجوعين على فلذات أكبادهم وأزواجهم "جريمة"؟
لن أقف عند "الشعارات" التي "نبرر" بها "عجزنا" وخنوعنا، لكنني أتحدث من وحي تجربتي الشخصية المتواضعة البسيطة، وأشعر بالأسى والعار على "الازدواجية " المريرة التي نحياها، ومع كل ذلك ما زلنا نتساءل عن سر "الكارثة" التي حلت بنا منذ زمن طويل في عالمنا العربي "الكئيب"، شتان بين "الأقوال الرنانة " والممارسة الفعلية على أرض الواقع حين يصبح الكلام الحقيقي أن "سر" مأساتنا واضح معروف وشاخص أمامنا، فهل هناك من يتعظ؟ وهل من قابلية لـ"التغيير"؟..
شخصيًّا.. أشك!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.