منذ حوالي سنة تقريباً، وككل يوم عمل، أستيقظ وأنا أشعر بأن يومي سيمر جميلاً وفيه شيء جديد، أحياناً تكون إيجابية وأحياناً أخرى تكون سلبية، لكن المهم، أن هناك تغييرا لا بد أن يحدث.
ذات صباح، أخذت جرائد اليوم أتصفح ما فيها من أخبار ومُستجدٍّ وطني ومحلي، وأنا أقرأ بعض العناوين، متنقلاً بين المجلات والصفحات، إذ بعيني تقع على خبر عنوانه: "الحكم بسنتين ونصف سجناً نافذة على إطار تربوي متهم باغتصاب ثلاث تلميذات".
الخبر أشعرني بصدمة هائلة جدًّا، دققت في الخبر، اطّلعت على التفاصيل، فكانت الكارثة، المحكمة بررت تخفيف عقوبة الجاني -إذ إنه كان حكماً مستأنفاً- أن الفاعل لم يكن له سوابق ومراعاة لسنه! توقفت حينها عن القراءة، إذ التبرير كان في نظري جريمة أخرى تنضاف إلى الجرم المشهود.
لم أجد ما أفعله في تلك الأثناء، هممت ببعض الكلمات الغاضبة تجاه ذلك القاضي الذي حَكم، قبل الجاني الذي أجرم، سألتني إحدى زميلات العمل عمّا بي، فقد كنت متوتراً، بل بصراحة ذرفت دموع الحرقة على هذا الواقع المر..
لم أطلع الزميلة عما حدث، وأخبرتها أنه أمر سيمضي وسيحل بإذن الله، وفي خاطري بركان كلمات غاضبة تريد الخروج وتتزاحم في الفم تروم الانتفاض، فوق لساني عبارات القلق وألف سؤال وسؤال ينتظر جواب.. لم أعرف ما أفعل، سوى أني وجدت نفسي أحمل الهاتف، بحثت عن رقم وزير العدل والحريات الأستاذ "المصطفى الرميد"، ثم بعثتُ له برسالة.
"سلام الله عليك الأستاذ الرميد، إن العقوبات التي يُحكم بها في جرائم اغتصاب الأطفال هزيلة جدًّا وكارثية بكل معاني الكلمة، واجبكم أن تعالجوا هذا الوضع المختل، فإنه فعلاً واقع غريب وخطير"، بعد دقائق قليلة وصلتني رسالة من وزير العدل والحريات، جاء فيها "أخي الكريم أشكرك، هناك عقوبات جديدة سيتم اعتمادها حال المصادقة على القانون الجنائي الجديد".
منذ سنة وأنا أنتظر مصادقة البرلمان على القانون، ومنذ سنوات وكثير من الغيورين على واقع الطفولة المهدد بالمغرب، يصدحون بعبارات الرفض لكثير من الأحكام الهزيلة الصادرة بحق كثير من المجرمين من أبناء الوطن الغادرين ومن الأجانب السائحين.
ما يؤلم في القصة ومثيلاتها، ليس فقط أن في هذه الجرائم مساحات المسكوت والمطور أكبر بكثير من المعلن والمعلوم، وليس فقط أن الظلم الواقع على أجساد كثير من أطفالنا يكون من ذوي القربى أو ممن يفترض فيهم حماية هؤلاء الأطفال من كل نظرة سوء، فكيف بمن يحاول هتك أعراضهم وأجسادهم الصغيرة؟! وليس المؤلم أيضاً وفقط الأحكام اللامعقولة واللامتوازنة بحق المجرمين المغتصبين، ولكن المؤلم حقًّا، أن اتساع رقعة الإجرام في هذا الجانب، وانتشار الظاهرة إلى مستويات خطيرة، لا يواكبه حراك تشريعي وعلمي يرصد ويعالج مواطن الخلل ويداوي الأعطاب والاختلالات القضائية والتربوية والمجتمعية التي تقارب أو تتداخل في المشكل.
كان من المفروض أن يهتم البرلمان بهذا القانون قبل غيره، وأن تتوحد أصوات ممثلي الأمة لخطر داهم يهدد توازن واستقرار وصحة هذه الأمة، فكل يوم تقع عشرات الجرائم بحق أطفالنا، وكل يوم نصنع طفلاً فاقداً للثقة بنفسه، وكل يوم نوفر لعالم الإجرام شخصاً قد يكون في يوم ما أحد أعضائه، حين يكبر ويريد استرجاع حقًّا ضاع منه وهو صغير، من مجتمع لم يوفر له الحماية ولا الرعاية بل ولا أبسط معاني الاحتواء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.