في محاولة للبحث عن موضوع للكتابة، تزاحمت الأفكار في رأسي وتشابكت حتى أصبحت كتلة معقدة من الصعب حلها، ربما تتلخص في جملة واحدة (لقد تعبت).
في صباح كل يوم..أرى وجوهاً قد رسم البؤس ملامحها، وأخرى غاضبة وآخرين يبتسمون رغم ما تفضحه عيونهم من نظرات بائسة، لأسأل نفسي: كيف يمكن أن يصبّح هؤلاء على مصر؟ وهي في كل يوم تصبح عليهم بكوارث ومصائب لا حصر لها.
(3)
مصر التي يصورونها رائعة الجمال في المسلسلات والأغاني الوطنية، وتلك التي تسبق الحملات الانتخابية، وإعلانات ترويج السياحة، ليست هي ذاتها الأرض التي نعيش فيها، فالطرقات غير الممهدة للسير، والمواصلات المزدحمة، وأكوام القمامة المنتشرة في كل مكان، والهواء الملوث بغبار الأتربة وعوادم السيارات الذي يملأ رئتيك بديلًا عن نسمات الصباح، والأجساد المتعبة التي تجلس على الأرصفة في انتظار أن تجد موضع قدم في المواصلات، مشهد يومي متكرر في أم الدنيا، والذي يبدو أنها ليست كذلك، فكيف تقسو الأم بهذه الطريقة؟ حتى يكرهها أبناؤها ويتمنون طوال الوقت أن يغادروها.
أي أمل في بلد يرى الحرية تكديراً للسلم العام، والدفاع عن المظلومين خطيئة، والتضامن مع الضحايا ذنباً لا يغتفر، أما المطالبة بتحقيق العدالة فهو نوع من أنواع الرفاهية؟! أي أمل في بلد يصادر الحريات، ويقصف الأقلام، ويسجن المعارضين، ويخوّن كل من يعمل في المجال الحقوقي ويتهمه بالعمل لصالح أميركا والغرب والمجلس الأعلى للعالم، فقط لأنهم يفضحون التجاوزات القانونية والانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون داخل السجون؟!
كيف ستحيا مصر؟! إذا وُجد فيها من يصدق أن الأمراض تعالج بالكفتة، وأن قوى الإخوان المسلمين الخارقة تعدت الحدود ووصلت إلى العالم، للدرجة التي تجعلهم يؤثرون على أعضاء البرلمان الأوروبي من خلال إعطائهم رشوة لإدانة مصر في حادث مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، لتجد من يرد على هذه الأمر بأن ملف حقوق الإنسان لدينا لا تشوبه شائبة، وأننا زي الفل ماعندناش حقوق ولا إنسان أصلًا.
مصر التي يقولون إنها أفضل من سوريا والعراق، تحولت بمرور الوقت إلى مقبرة للأحلام، فلا مجال للطموح أو حتى التفكير بمستقبل أفضل، فكيف يمكن أن تنبت الأحلام في أرض يملأها العفن وتتغذى على ظلم الناس؟! وأصبح الحديث فيها عن الموت والخوف من الاعتقال والرغبة في السفر للهروب من هذا الجحيم، جزءاً لا يتجزأ من أحاديث الشباب الذي يفترض أن يبني الوطن، فيساعده النظام ببناء السجون والمزيد من إجراءات القمع والتنكيل.
هذا الواقع الذي نعيشه ليس هو حقًا ما نتمناه، عالم مليء بالأحداث السيئة يعقبها تبرير للفشل وترويج للأكاذيب، ومحاولات مستميتة لإقناع الرأي العام بصحتها، افتراءات هنا وهناك وأقنعة تتساقط لتظهر الوجه القبيح لمن يدعون مناصرتهم للحق ودفاعهم عن المظلومين، مشهد لا يمكن يمكن وصفه إلا بالعبثية، فأي محاولة لجعل الأمور منطقية ليستوعبها عقلك هو ضرب من الخيال أو بالأحرى من الجنون.
أقدامنا تطأ الهموم في كل خطوة نخطوها على أرض الكنانة، تكاد الشوارع تنطق بما جرى فيها، لا مجال للنسيان ولا مفر من التفكير فيما يحدث من حولنا، وصراعات مع النفس لا تنتهي بين الرغبة في الابتعاد عن كل ما يجري والاستسلام لليأس، ومحاولات للمقاومة والاستمرار، أعود للتفكير في اليأس مرة أخرى فأتذكر من يقولون اليأس خيانة! من قال إن اليأس خيانة؟ من حقنا أن نيأس.. أن نحبط.. وأن نشعر بالصدمة.. من حقنا أن نبكي ونتألم ونشعر بالضعف والانهزام وأن نرى نهاية النفق مظلمة تمامًا، فلماذا نحرم أنفسنا من حقنا في التعبير عن مشاعرنا السلبية؟!
قد تمضي رياح الحزن إذا تركناها تمر بهدوء، دون أن نكلف أنفسنا عناء الوقوف أمامها فمهما بلغت درجة تفاؤلنا فقد نمر بتلك اللحظات القاسية، فلماذا يعتبرها البعض خيانة؟! وإذا كان اليأس خيانة، فالأمل في هذه البلد جريمة، ربما لا يعاقب عليها القانون، يكفي أن نعاقب أنفسنا لأننا أمُلنا في تحسن وضع لا يتغير إلا للأسوأ.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.