في بلاط الجنرال!

ذهب مبارك، وجاء محمد مرسي، والتقته المجموعة نفسها من المثقفين الذين لم يتغير معظمهم، بل حضر بعضهم لقاءات سابقة مع الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات، على طريقة "عاش الملك، مات الملك".

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/25 الساعة 11:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/25 الساعة 11:08 بتوقيت غرينتش

كان الرئيس المخلوع، حسني مبارك، يلتقي عددا من المثقفين والكتاب المصريين كل عام على هامش افتتاح المعرض السنوي للكتاب، لا لشيء سوى لإرضاء غرورهم الفكري والشخصي بأنهم التقوا الرئيس، فيخرجون، بعد اللقاء، يشيدون بحكمة الرئيس وسعة صدره وعقله.

كان اختيار المشاركين في تلك اللقاءات الروتينية يتم بعناية، من خلال قائمة يرشحها وزير الثقافة آنذاك، فاروق حسني، ثم يمرّرها للأمن ورئاسة الجمهورية، لاختيار وحذف وإضافة ما يشاؤون عليها. وكان حضور أي مثقف أو مفكّر أو كاتب من هؤلاء هذه اللقاءات بمثابة إشارة من السلطة بالرضا عنه، وعما يكتب أو يقول.

في تلك اللقاءات التي تحولت، بمرور الوقت، إلى مجرد "جلسة" للوجاهة الاجتماعية، يحرص عليها كثيرون من حملة الفكر والأقلام، لم يكن أحد من الحاضرين يجرؤ على أن ينتقد الرئيس أو يطالبه بخطوات جادة للإصلاح. ولعل المرة الوحيدة التي حاول فيها أحد هؤلاء المثقفين توجيه النصح لمبارك كان الراحل الدكتور محمد السيد سعيد الذي كان قد أعد ورقة للإصلاح السياسي في مصر، وعرضها على مبارك خلال لقائه به على هامش معرض الكتاب، فما كان من مبارك إلا أن عنّفه بطريقة فيها من سوء الأدب وانعدام اللياقة والعجرفة الكثير، ما يعكس طريقة تعاطي مبارك مع رموز الفكر والثقافة.

ذهب مبارك، وجاء محمد مرسي، والتقته المجموعة نفسها من المثقفين الذين لم يتغير معظمهم، بل حضر بعضهم لقاءات سابقة مع الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات، على طريقة "عاش الملك، مات الملك".

فهم دائماً متلهفون ومشتاقون لمقابلة الرئيس، ليس لشيء سوى لالتقاط صورة معه، ووضعها في مكاتبهم، ومباهاة أهلهم وأصدقائهم بها. وهي المجموعة أيضا التي التقت الجنرال عبد الفتاح السيسي قبل أيام، خرج جميع من فيها يشيد بحكمة الجنرال ووعيه، ويرفع بعضهم أيديه بالدعاء له في "مهمته التاريخية التي يقوم بها من أجل مصر"، على نحو ما صرّح أحدهم بعد اللقاء.

لم يجرؤ أحد من هؤلاء، وهم يصافحون الجنرال، أن يسألوه عن الدماء التي سالت طوال العامين ونصف الأخيرين، ولا عن عشرات آلاف المعتقلين المعذّبين في سجونه، ولا عن فشله الذريع في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية. وإنما راحوا يستمعون لحكمته، وأن "يفضفضوا" له عما يجول بصدورهم. وهو الذي رد عليهم بطريقةٍ لا تخلو من وقاحةٍ واستخفاف، عندما قال لأحدهم "أنتم بتنظّروا كتير ومتعرفوش الواقع عامل إزاي".

نجح الجنرال، وهو متمرسٌ في ذلك، في أن يرضي غرور المثقفين والمفكرين والأدباء الذين التقاهم، بلسانه المعسول، وبقدرته العالية على التمثيل، والمبالغة في التواضع. فخرجوا من عنده وكأن على رؤوسهم الطير. وهم لا يدركون (أو ربما يدركون. ولكن، لا يستطيعون البوح بذلك) بأن الجنرال لا يعير آراءهم، ولا ما يكتبونه، اهتماماً، وأنهم آخر من يقيم لهم وزناً.

الملفت في الأمر أن أحداً من هؤلاء المثقفين كان يعيش في دور المعارضة المهذّبة للجنرال، ويكتب مقالات ناقدة، يبشر فيها بقرب النهاية، وبالسقوط المتوقع للجنرال، بل ويدعو فيها للبحث عن "بديل آمن"، لكنه تحوّل فجأة، بعد لقاء الجنرال، إلى شخص آخر، يشيد بحكمة الرجل، وبقدرته على "الاستماع" والإنصات للمثقفين، بل ويبشّر الجميع بأن المشكلات على وشك أن تحل، بفضل رؤية "القائد" وسياساته.

في حين أن آخرين ممن حضروا اللقاء أفنوا عمرهم في انتقاد مبارك، ورفض حكمه، بل وانتقدوا الشعب على تحولاته، متسائلين "ماذا حدث للمصريين؟"، فإذا بنا نراهم في حضرة الجنرال، متلهفين للقائه والاستماع إليه. لا يدرك هؤلاء أن الجنرال سوف يذهب يوماً، وأن ما فعلوه سوف يبقى سقطةً أخلاقيةً في سجلّهم، لن يغفرها لهم التاريخ.

هذه المقالة منشورة على العربي الجديد، للاطلاع على النسخة الأصلية اضغط هنا

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد