تداعيات التفجيرات التي تمت أمس في بروكسل لن تمر مرور الكرام، سيكون لها عواقبها علي أوضاع المسلمين والعرب المقيمين في أوربا، خاصة اللاجئين منهم. في مجتمع مثل المجتمع الألماني يشهد نوعاً من التغيرات تجاه أزمة اللاجئين.
فمن الترحيب المبالغ به الذي تناقلته وسائل الإعلام العالمية، إلى الضجر والضيق، والتعبير عن رفضهم لهذا العدد من اللاجئين. معظم اللاجئين ذوي خلفية عربية وإسلامية نتيجة للأزمة السورية، والمجتمع الألماني له صفاته التي تختلف عن أوربا، فهو مجتمع ليس بالسهل الاندماج فيه، نتيجة عوامل تاريخية كثيرة مر بها الألمان انتهاءً بالفترة الهتلرية.
ونتيجة لموجة اللجوء الكبيرة للسوريين، أصبح هناك خوف على الهوية الأوروبية عامة والألمانية بشكل خاص. بما دفع إلى تأسيس حركة "بيجيدا" عام 2014..
"بيجيدا" هي اختصار لما يطلق عليه بالألمانية: Patriotische Europäer gegen die Islamisierung des Abendlandes; أي: "وطنيون أوربيون ضد أسلمة الغرب"..
تزامن هذا مع ما تقوم به داعش والتغطية الإعلامية المكثقة لممارساتها تحت عنوان واحد تم إبرازه والتركيز عليه في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة: "الدولة الإسلامية" أو "الإسلاميون المتطرفون"، بحيث أصبحت صفة "الإسلام" هي الملازم لما تقوم به داعش.. خلقت تلك الصورة لدى الألمان فكرة أن الإسلام يعني داعش، صحيح أنها ليس مسألة تعميمية، لكن للأسف حتى اللحظة ما زالت المفاهيم التي أسسها المستشرقون الألمان عن الإسلام هي التي تشكل الصورة العامة لدى المواطن الألماني.
بدأت في تلك الفترة تظهر كتابات هنا وهناك علي الحوائط تعبر عن الكره تجاه الإسلام والمسلمين والمطالبة بطردهم. في المقابل وحتى هذه اللحظة، لا تعترف الدولة الألمانية بالإسلام كدين رسمي، بينما اعترفت باليهودية جنباً إلى كونها دولة تنتمي إلى المسيحية، هذا الفعل الذي يعكس تناقضا في ممارسة الدولة الألمانية كدولة علمانية لا علاقة لها بالدين، وبين تحيزاتها بمنح اعترافها كدولة لديانة معينة دون أخرى حسب التوجه السياسي الذي تتبناه.
حركة "بيجيدا" اكتسبت أرضاً وتحالفاً جديداً تم بينها وبين النازيين الجدد وبين "الهوليجنز" -بمعنى مشاغبي الملاعب- وصل هذا الأمر ذروته بفوز حزب البديل الألماني (اليمين المتطرف وقد طالبت رئيسته بإطلاق النار على اللاجئين). منذ أسبوعين في الانتخابات المحلية البرلمانية وسيدخل البرلمان كمعارضة. وهذا لا ينفي أن هناك معارضة لتلك الحركة، ولهذا الحزب خاصة، في المدن التي تتميز بطابع علماني مثل برلين.
تصاعد الإسلاموفوبيا داخل ألمانيا لم يقتصر على الأفراد والمواطنين، بل امتد ليشمل الحكومة نفسها، الحكومة التي رحبت باللاجئين، اضطرت تحت الضغط الشعبي لتغيير قانون اللجوء مرتين، فقانون اللجوء الجديد يقضي بترحيل اللاجئين الذين يرتكبون أفعالاً مجرمة، دون توضيح ما هي بالضبط تلك الأفعال المجرمة، كما أن فعل الترحيل يتنافي مع الدستور وأحكام المحكمة الألمانية العليا.
داخل بنية الحكومة الألمانية أو الشرطة مثلاً لا تجد شخصاً من أصول عربية يتقلد وظائف مهمة على غرار فرنسا أو إسبانيا، حتى الشرطة لا يعمل بها من هم من أصول عربية وينتمون للجيل الثاني أو الثالث الذي ولد هنا في ألمانيا، حتى الأتراك الذين ولدوا هنا لا يعملون بالشرطة الألمانية، وإن وجد فهو عدد قليل جدا، حتى أن بعض الأعمال الدرامية في التلفزيون الألماني التي كانت تعرض لحياة رجل الشرطة الألمانية، كانت تقدم صورة لرجل الشرطة الذي ينتمي لأصول تركية على أنه رجل محدود الإمكانيات والتصرف وليس لديه سرعة البديهة في التعامل مع المواقف.
صورة اللاجئ في المجتمع الألماني اكتسبت دلالات سلبية، بل وبدأ إعادة تأسيسها على أساس من اللون واللغة، فبمجرد مرورك في الشارع أو تنقلك بالمواصلات العامة أو دخولك لمؤسسة حكومية يتم النظر إليك بطريقة واحدة.. هي أنك لاجئ.
منذ أيام وفي أحد الكافيهات في برلين كنتُ جالساً مع أحد الأصدقاء، فتقدمت إلينا سيدة عجوز وطرحت علينا سؤالاً: هل أنتم قادمون عبر البحر، نظرنا إلى بعضنا وأجبناها بصوت واحد "نحن لسنا لاجئين"، ومع الاستمرار في الحديث قالت أنتما تتحدثان الألمانية جيدا وهذا يعني أنكم لستما لاجئين، فأجبنا نحن أتينا للدراسة. هذا الموقف كانت له الدلالة في إعادة تأسيس مفهوم وصورة اللجوء على أساس اللون واللغة.
في معاناة أخرى تعكس تصاعد الإسلاموفوبيا: في العاصمة الألمانية برلين ككل عواصم العالم من الصعب الحصول على سكن، إلا أن الشيء الذي أصبح ملاحظاً أن هناك حالة من التخوف في منح السكن لمن هم من أصول وخلفيات عربية، أصبح الأمر شيئاً ثقيلاً على النفس والرفض يتم لمجرد فقط أنك عربي.
شيئاً فشيئاً ومع تفجيرات أمس في بروكسل، وخاصة بعدما نُشر بأنه قبل التفجير كان هناك إطلاق نار وشجار بين أشخاص تخلله كلام بالعربية. ستتحول رويداً رويداً صورة العربي إلى أنه إرهابي، صحيح أنها موجودة لكنها ستتسع الآن على نطاق أوسع على غرار نفس الصورة التي تأسست بعد أحداث 11 سبتمبر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.