قبّل رأس والدته مكرراً عبارة "المسامحة الواليدة" حاملاً معه برتقالة وهو يغادر باتجاه ملعب لكرة القدم لمتابعة مباراة فريقه المفضل والذي يتنفس عشقه، وحين نتحدث عن "العشق" هنا فإننا نعني "حالات استثنائية" بكل المقاييس، من يزور مدينة "الدار البيضاء" المغربية التي ينقسم "هواؤها " لشطرين أحمر وأخضر سيدرك مليًّا حقيقة ما نرمي إليه.
لكن هل كل هذا يبرر أن يعود الشاب "أشرف" نفسه جثة هامدة ليكون آخر ما يتذكره كرة مستديرة يلهث خلفها اللاعبون وقميصاً أخضر يعني له الكثير وأغاني حفظها عن ظهر قلب أكثر من أي شيء آخر يمكن أن يدغدغ مخيلته؟ ثم هل باتت كرة القدم مرادفة "للموت" في المغرب؟ هل صار لزاماً على كل الشباب أن يودعوا أهاليهم قبل الخروج من منازلهم قصد متابعة المباريات؟ هل أضحت الملاعب ساحات حرب مفتوحة؟ ومن أجل ماذا يا ترى؟
ما حدث في ملعب "محمد الخامس" في "السبت الأسود" الأخير لم يعد يقبل "بتأجيل" اتخاذ قرارات "مصيرية" والإبقاء على "المصلحة الشخصية" فوق العامة وفلذات أكبادنا غارقة في مستنقع "الكراهية" تحت شعارات ومسميات واهية، هل يعقل أن تنتهي مباراة كرة قدم بإجراء إحصاء خسائر في الأرواح والمفروض هنا أن تقتصر "الخسارة " على أشياء معنوية ونقط عادية تحسب في جداول البطولات؟ هل باتت حياة أبنائنا رخيصة لهذا الحد؟
لا أحد ينكر "الجمالية" التي تصنعها "الألتراس" في مدرجات كرة القدم المغربية تحديداً حتى صارت الأخيرة "مفخرة" يعتد بها على الصعيد العالمي ودون مبالغة أضحت "العلامة الفارقة اليتيمة" في المنتوج الكروي المغربي "العقيم" على مستوى النتائج والأداء، فبات "الخلف" موجوداً على مستوى "الجماهير" التي تبدع وتؤثث الفضاءات الكروية بأبهى اللوحات، لكن إذا كان الثمن المفروض أن ندفعه مقابل هذه "الفرجة" هو تعداد الضحايا كل نهاية أسبوع فنحن "نتنازل" عن كل ما سبق ونريد الاكتفاء "بالفقر الكروي" الموجود على الأرضية فقط، فهل هذا ما يدفع الجهات المسؤولة "للتردد" قبل اتخاذ قرارات "حاسمة رادعة"؟ هل الحصول على عقود الرعاية وتوزيع حقوق بث الدوري المغربي، الذي يباع نسبة "لإبداعات الجمهور" لا أقدام اللاعبين هي السبب وراء عدم التحلي "بالشجاعة" الكافية لمواجهة هذا الخطر الذي بات مستحيلاً السكوت عليه وحتى معالجته "بالمسكنات"؟
ما يجب أن يعيه هؤلاء المسؤولون الذين يحضرون مع أولادهم في "المنصات الشرفية" التي تتطلب دعوات خاصة أو من تباع بأثمان خيالية ليست في متناول "أولاد الشعب"، هذا إذا كان أبناء هؤلاء يتابعون مباريات البطولة المحلية بالأساس، وهم من يملكون القدرة على السفر لحضور "كلاسيكو أسبانيا" أو "ديربي لندن" مثلاً، ما عليهم إدراكه أن الشباب المغربي في خطر حقيقي وبالأخص أن "التشبع" بثقافة "الألتراس" أو بصريح العبارة "قشرتها" التي تفرض عليهم ألا تقتصر "المعركة" على التشجيع والمنافسة الشريفة في كسب الإعجاب، بل أضحت تمتد لما بعد المباريات حيث تدور مبارزات حامية الوطيس تدور رحاها في الشوارع والساحات ومحطات القطار، مما ينتج عنه خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات العامة.
صار من الضروري الإحاطة بشتى جوانب هذه "القضية" التي تهدد جيلاً بأكمله وهو يروج لكلمة دخيلة مثل "العداوة" والثأر بين الفرق والمدن، فهل كل هذا سيمكن معالجته "بمعاقبة" فريق ما باللعب بدون جمهور لبعض المباريات "الويكلو"؟ هل هذا هو الحل الأنجع لمواجهة هذه الظاهرة، التي تعد بالكثير ولن تتوقف عند مأساة "السبت الأسود" ما لم نتحرك لتطويقها فعليًّا؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.