وجّه ناشر صحيفة "السفير" العريقة الأستاذ "طلال سلمان"، قبل يومين، رسالةً إلى أسرة الصحيفة حول الصعوبات المالية التي تواجهها، تمهيداً لقرارات صعبة قد يجد نفسه مضطراً لاتخاذها.
قلت في نفسي إن هذا الحدث لا بد أن يشغل بال الجمهور اللبناني الذي اعتاد لعب دور "الصحافي المواطن" بالفطرة، فنحن شعب يعشق إفشاء الأسرار القومية والفردية ويهوى "التحليل الاستراتيجي" منذ الولادة، و يجيد تاريخيًّا الحوار ولو بالحديد والنار.
توجهتُ إلى تويتر، وانتظرت لأربع ساعات كاملة على ضفاف التايملاين، لأجد في النهاية أن صحفيًّا في جريدة محلية ومواطنة لبنانية تعيش في السويد هما الوحيدان اللذان تطرقا إلى مأساة "السفير"، مع ما تختصر من دلالات لها علاقة بواقع الثقافة والإعلام الرصين في هذا البلد الأمين. لم يجد جمهور المحاور الافتراضية أن قضية بحجم أزمة "السفير" تستحق هاشتاغ واحداً.
دعونا وحالة الكآبة هذه، ولننظر إلى النصف الممتلئ من الكوب: الشعب اللبناني مثقف سياسيًّا ومواكب لجميع أحداث العالم، وهو لا يحتاج أساساً إلى صحف أو كتب لتشكيل وعيه المعرفي. وما الحاجة للصحف في حضرة التويتر؟
في أقل من خمس دقائق، بدءاً من لحظة إيراد إحدى الفضائيات الأجنبية الناطقة بالعربية خبر الانفجار "الضخم" في سوق طهران، تصدرت #طهران قائمة الهاشتاغ في لبنان؛ الذي يحل في المرتبة 93 على صعيد الدول الأكثر سعادة في العالم، متقدماً بكل اعتزاز على العراق وسوريا وأفغانستان وبوروندي؛ وهي جميعها دول تشهد نزاعات دموية ومدمرة منذ سنوات.
ينزلق العقل البشري في لحظات غرائزية إلى أحكام وحشية بطبعه. وأنا هنا لا أدافع عن وجهة نظر أي من المحاور اللبنانية المتحاربة، فشماتة الإنسان بموت أخيه الإنسان أمر مرفوض في جميع المعايير، سواء كانت الضحية البريئة سعودية أو إيرانية أو سورية أو أميركية أو فرنسية أو.. أو..
انقسم المغردون ما بين شامت وناعٍ. في غضون دقائق معدودات، صار العقل الجمعي اللبناني، لمجرد سماعه خبر انفجار في سوق شعبي بإيران، أسير غرائزه إزاء حدثٍ لا يقدم ولا يؤخر في حالتنا المزرية اجتماعيًّا وسياسيًّا واقتصاديا.. ونفاياتيا (تقتضي الدقة العملية استبدال مفردة البيئة بالنفايات).
لم ينجلِ غبار المعركة بين الأطراف اللبنانية المتقاتلة حول انفجار طهران، إلا بعد ساعات، مخلّفا مئات الإصابات النفسية بعدما تبينّ أن القصة برمتها لا تعدو كونها انفجار أسطوانة غاز، فَبُهِتَ من دافع ومن هاجم، ومن أيّد ومن انتقد.
منذ حصوله على الاستقلال الشكلي في العام 1943، مرّ لبنان بأزمات سياسية حادة تخللتها حروبٌ أهلية واعتداءات إسرائيلية متواصلة. وإذا سألت معظم اللبنانيين، من مختلف الطوائف والانتماءات، حول واقع البلاد إبّان الحرب الأهلية، على فظاعتها، لفوجئت بإجماعهم على أن الحالة العامة كانت أفضل اقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا.
وأمام الفصل الأخير من الحروب المشتعلة المحيطة بنا، لا يملك أحد من السياسيين الإجابة حول مدى قدرة لبنان على الصمود في صيغته الحالية، بعد أن بات محاصراً، فضلاً عن جبال وسيول النفايات، بتاريخ من الاقتتال والفساد والطائفية حوّلته أنقاضاً لم تعد الجغرافيا قادرة على استيعابها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.