ترف الاحتفال بعيد الأم

يمر العيد هذا العام على الأم اليمنية، وهي ترى أطفالها قد كبروا قبل أوانهم، وصار منتهى أحلامها ألا ترى حياتهم تنتهي أيضاً قبل أوانها بقذيفة من الأرض أو بغارة من السماء!

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/21 الساعة 02:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/21 الساعة 02:47 بتوقيت غرينتش

قبل عدة سنوات اعتدنا ما أن يبدأ فصل الربيع حتى نستمع للحوار الجدلي القائم منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي حول أهمية الاحتفال بعيد الأم، وطوال تلك السنوات اعتدنا على سماع أسطوانة أن الدين الإسلامي كرم الأم وحث على رعايتها وطاعتها طيلة أيام السنة وليس يوماً واحد فقط، وكأن الطرف المنادي بالاحتفال بهذا العيد يربط تقدير الأمهات والاحتفاء بهن بهذا اليوم فقط!

ومع انطلاق ثورات الربيع العربي، اختلف الأمر وتناسى الجميع جدلية حوار أهمية الاحتفال بعيد الأم كون الأمر أصبح ترفاً لا تمتلكه الشعوب المنادية بأبسط حقوق الحياة الكريمة، وأصبح احتفاظ الأم بفلذة كبدها على قيد الحياة، أكبر هدية قد تتلقاها هذا العام..

يقال إنه لا وجود في اللغة لمفردة تصف شعور المرأة التي فقدت فلذة كبدها، إذ أنه من شدة فاجعة المُصاب لم تجد اللغة كلمة تساوي الألم التي تشعر به الأم في مثل هكذا فاجعة!

يمر عليّ 21 مارس/آذار هذا العام وأنا أم جديدة، لكني أخجل من أن أحتفل به ومئات الأمهات في وطني يفقدن أطفالهن يوميًّا جراء أعمال العنف الواقعة في اليمن من أقصاه إلى أقصاه.

يمر هذا اليوم والأمهات اليمنيات يفقدن أطفالهن بشكل شبه يومي، نتيجة الحرب أو نتيجة خطفهم وتجنيدهم، سواء بالإكراه أو تحت إغراءات المال، فيما يمر على أخريات وهن يعصرن بطونهن من الجوع في محاولة لإطعام أطفالهن الذين فقدوا آباءهم جراء الحرب الدائرة منذ أكثر من عام.
في اليمن العديد من الأمهات صغار السن، اللواتي يجدن أنفسهن يوميًّا أمام أسئلة صغارهن حول سبب أصوات القذائف والصواريخ وروائح الحرائق وبيوت العزاء المفتوحة في كل حارة، لكن الموقف الأصعب يكمن في محاولتهن تبرير أسباب الموت، الذي أصبح يسكن كل بيوت اليمن.

لم تعد تجدي تبريرات الأمهات في صنعاء حول طبيعة أصوات القذائف والانفجارات التي تتعرض لها العاصمة بأنها مجرد أصوات ألعاب نارية أو أصوات رصاص ناتجة عن الاحتفال بعرس ما، كما هو المعتاد في بلدي. في ظل الخوف الذي يسكنهم في كل ليلة من ليالي الحرب والدمار، صار من المؤكد أن كثرة الفزع الذي يتعرض له هؤلاء الأطفال سيسبب للكثير منهم أمراضاً نفسية مستقبلاً..

ولم يعد يجدي أمهات تعز حبس أطفالهن في المنازل؛ خوفا من خروجهم إلى الشوارع للعب، إذ تتكفل القذائف المتساقطة على المنازل المكتظة بالسكان في حصد أرواح أطفالهن وأزواجهن، وحصد الأمهات أنفسهم في مدينة قتلت قذائف المليشيا فيها العديد من الأمهات منذ بداية الحرب هناك قبل أشهر.

في ظل الحصار الذي تتعرض له تعز، صار لزاما على الأمهات إرسال فلذات أكبادهن للبحث عن قطرة ماء قُطع عمداً عن مدينتهم، وتتشاطر الأمهات اليمنيات ذات الألم والمعاناة في أغلب المحافظات، إذ صار الأطفال يشاركون أمهاتهم في البحث عن القليل من المؤونة، التي صارت تباع بأضعاف ثمنها بسبب تجار الحروب!

يمر العيد هذا العام على الأم اليمنية، وهي ترى أطفالها قد كبروا قبل أوانهم، وصار منتهى أحلامها ألا ترى حياتهم تنتهي أيضاً قبل أوانها بقذيفة من الأرض أو بغارة من السماء!

نتساءل أنا وأمي يوميًّا عن هل سيكتب لنا لقاء في صنعاء.. فيحضر محمود دويش في ذهني وهو يقول:

تقول: متى نلتقي؟
أقول: بعد عام وحرب
تقول: متى تنتهي الحرب؟
أقول: حين نلتقي!

كل عام وأنت بخير يا أمي، وأنتن بخير يا كل أمهات اليمن العظيمات..

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد