بان كيمون خان أمانة منصبه.. والمغرب يرد بطرق بدائية

كلنا نعلم أن الصحراء مغربية، وأن طرق الحشد والتدجين التي تمارسها وزارة الداخلية لا تزيدنا إلا أسفاً على ما آلت إليه الأمور. فهل سنكف عن هذه الطرق القديمة في تناول المشكلات ونبدأ بعهد يعطي للمواطن حقه في الفهم والتوعية ليعارض وأيضاً ليدافع عن الوطنية بعقلانية؟ نتمنى قبل فوات الأوان؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/20 الساعة 03:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/20 الساعة 03:43 بتوقيت غرينتش

أن يصف "بان كي مون" المغرب بالبلد المحتل للصحراء بناء على ما رآه في مخيمات تيندوف، بعد أن رفض ملاقاة الصحراوين الوحدووين المقيمين هناك، المعارضين للبوليزاريو ونهج الجزائر، وأن يمتنع عن الاطلاع على وجهة نظر مخالفة، ثم يصنف موقفه بالرأي الشخصي لا موقف الأمم المتحدة، ثم يؤكد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي، حسب صحيفة "الرأي اليوم" اللندنية، أنه لا توجد نية لدى الأخير للتراجع عن استخدام كلمة "احتلال" في توصيفه للأوضاع التي يعيشها اللاجئون في مخيمات "تندوف".

هذه التصريحات تعني أمرين:
الأول: إما أن "بان كي مون" نسي الدور المخول له كأمين عام للأمم المتحدة، حيث تكمن مهمة حل النزاع وجلب الأطراف إلى طاولة الحوار ـ كما حاول المغرب جاهداً أن يعمل في الملف الليبي بالتدخل كوسيط سلم لإحداث الاستقرار بليبياـ لضمان السلم بالمنطقة، بدل أن تصبح مهمته استفزاز أطراف النزاع وإشعال فتيل الحرب.
فلا الوضع في الصحراء ولا في المخيمات ولا بين الجارتين المغرب والجزائر يحتمل هنا آراء شخصية تزيد من النعرات.

وهو ما جعل كثيراً من التهم حوله تروج وسط الرأي العام المغربي وعلى ألسنة المواطنين في الشارع العام، بأنه حصل على دعم من عسكر الجزائر ليتخذ هذا الموقف المنحاز.

الثاني: وهو الأرجح، أن هناك قوى فوقية هي من تحرك "بان كي مون".. وتقرر وقت تصريحاته وكنهها؛ لتشكل الضغط على المغرب حاكمه ومحيطه، لتمرير إصلاحات ما "هوياتية" تمس صلب صلاحيات الملك بما يخوله له الدستور كأمير للمؤمنين.
إصلاحات في مدونة الأسرة ومدونة القضاء لتتماشى مع المدونات الغربية وتفتح اتفاقيات التبادل الحر مع أميركا وأوروبا على مصراعيها.

وقد بدأ الملك محمد السادس منذ قرابة السنتين يمرر عبر خطاباته بمناسبات أعياد العرش والشباب وخطابات في مؤتمرات خارجية، كثيراً من الرسائل التي تدعو الغرب إلى عدم ممارسة سياسة إرسال المساعدات ثم فرض التبعية دون احترام ما يسميه "خصوصيات" الدول و"هويتها".

وكثرت الضغوط في الآونة الأخيرة لا فقط في ملف الصحراء، وإنما أيضاً في طريقة صرف القروض التي أغرقت فيها الحكومات المغرب إلى يومنا هذا مع حكومة بنكيران صديق "كريستيان لاكارد" – مدير صندوق النقد الدولي الحالية ووزيرة المالية الفرنسية السابقة – حيث أصبح ينفذ تعليماتها بالحرف من قطع دعم الدولة عن المواطنين إلى تقوية القطاع الخاص.

وأصبح البنك الدولي يرسل لجانه السرية إلى المغرب كما فعل شهر فبراير/شباط الماضي للتحقيق في اختلاسات طالت قروض مخطط المغرب الأخضر بلغت أكثر من 0.44 ملياراً من مجموع قروض 3 مليار درهم مغربي، تحقيقات طبعاً ليست لأجل محاربة الفساد إنما -مرة أخرى- لأجل الضغط على الحاكم ومحيطه.

وعلى هذا الأساس، كثير من المغاربة رأوا في تلك الخرجة الشعبية التي نظمت وزارة الداخلية يوم الأحد الماضي 13 مارس/آذار لاستنكار تصريحات "بان كي مون" دون جدوى، إن كان لم يفعل سوى نقل الضغط الذي تحاول أميركا ومن يسايرها من لوبيات اقتصادية ممارسته على الحاكم عبر قضية الصحراء؛ لأجل مصالح لها في المغرب.

إضافة إلى أن المغرب استمر لعقود وعقود في نهج سياسة الدفاع عن النفس في قضية شرعية عادلة، بدل أن ينهج سياسة الهجوم أو على الأقل الاستباق، حيث أهمل تكوين الشعب للترافع عن مغربية الصحراء بأساليب راقية وحجج منطقية عقلانية واعتمد التهييج الإعلامي "المخزني" الذي يلعب على العواطف والديماغوغية، وهو أسلوب لا يُؤتِ أكله حين يكون الشعب مقهوراً وسط ظروف عيش مزرية.

ثم يضطر "المخزن" إلى تنظيم تجمعاته الشعبية بجلب أناس البوادي ومدن الصفيح عبر حافلات النقل لملء الشوارع ورفع اللافتات.

كلها أساليب بدائية تخطتها الديمقراطيات بسنوات ضوئية، التي أصبحت تعتمد على المعلومة والترويج والدعاية عبر إعلام يدّعي الحياد لتناصر حروبها الخارجية كما فعلت أميركا في العراق. وهو ما يفتقده المغرب وتفتقده ديبلوماسيته.

ربما لم يستطع إعلامنا أن يوصل إلى العالم، أن كلمة "لاجئون" التي يستعملها "بان كي مون"؛ لوصف حال المقيمين بمخيمات "تيندوف"، والتي على أساسها يصف المغرب بالبلد المحتل، هي كلمة خاطئة ووصف مغالط للحقيقة. من المفروض أن "لاجئون" تنطبق على من يفرون من حرب أو من سلطة تخرجهم من ديارهم وتنتزع أراضيهم وتذبح أولادهم.

تعريف اللاجئ: هو الشخص الذي يهرب من بلده إلى بلد آخر خوفاً على حياته من القتل أو السجن أو التعذيب أو هرباً من الإرهاب أو الفقر. لا يعلم "بان كي مون" أو لا يريد أن يعلم أن المغرب فاتح أبوابه لهؤلاء في "تندوف"..

ليعودوا إلى ديارهم آمنين غانمين.. ويمكنهم من داخل الوطن التعبير عن مواقفهم كما يفعل كثيرون ما زالوا يحملون فكراً انفصاليًّا أو معارضاً للنظام ويقطنون في قبائلهم بالجهات الجنوبية.

بل والدولة تمدهم ببطائق المعونة الغدائية، بل وحتى رفع الدعم عن المقاصة لم يتم تطبيقه وما زال كل الزائرين إلى الصحراء يشهدون برخص أسعار البنزين والأكل.

المغرب لا يمنع هؤلاء من العودة، بل ويرحب بهم، حتى وإن اعترفوا بمغربية الصحراء فقط في الظاهر فكثير ممن يشتغل الآن داخل النظام المغربي يحمل في نفسه أفكاراً وتوجهات أو يعمل بوجهين أينما ساقه الارتزاق، ولم يقع أن قطع النظام المغربي على أحدهم الرزق.

إذن فإما الجزائر تمنعهم بالغصب من العودة وبالتالي هم فعلا محتجزون.. إما هم رغبوا في تلك الحياة الصعبة وذلك اختيارهم ولا دخل للمغرب في حالتهم المتردية.

…بما أن الجزائر تحتضنهم وتمولهم وتعتبرهم مقاومين، تحتضنهم بشكل رسمي لدرجة أن "كريستوفر روس" و"بان كي مون" زارا عسكر الجزائر عند كل زيارة للمخيمات، ويزور كل مسؤول دولي الجزائر عند كل تفحص للقضية، إذن فالجزائر هي المسؤولة الأولى عن ظروف عيشهم. فلمَ لا تحسن معيشتهم وتبني لهم مساكن لائقة بدل معيشة الذل والهوان مقابل انتفاخ بطون قياديي "البوليساريو" واسشفائهم في أكابر مستشفيات باريس وتدريس أولادهم في أكابر جامعات أميركا؟

أين تذهب كل تلك المعونات الأوروبية والدولية التي تُرسل لتحسين ظروف عيشهم؟ سؤال استنكاري بما أنها تمر من أيدي عسكر "الدزاير" فالجواب واضح، كلنا في المغرب نعلم ونومن بصدق هذه القضية التي أصبحت الدجاجة التي تبيض ذهباً للوبيات الأميركية، التي تأخذ من خزينة الدولة المغربية ملايير الدولارات سنويًّا لتدعي الدفاع عن مغربية الصحراء داخل أروقة الكونغرس، وباليد الأخرى تأخذ من الجزائر لتدفع ب"بان كي مون" إلى تلك التصريحات المستفزة..

كلنا في المغرب نؤمن بمغربية الصحراء، التي فشلت ديبلوماسيتنا غير الجادة في بلوغ أهدافها، أن تنظم لأجلها إعلاماً منطقيًّا عقلانيًّا يترافع بالحجج والبراهين، وفرقاً من الديبلوماسيين والجمعيات والشباب يجوبون العالم بالكلام المتزن لإقناع الرأي العام الدولي في المنطقة من المحيط إلى الخليج ومن روسيا إلى جنوب إفريقيا ومن أميركا إلى الصين بصدق ما ندعو إليه..

كلنا نعلم أن الصحراء مغربية، وأن طرق الحشد والتدجين التي تمارسها وزارة الداخلية لا تزيدنا إلا أسفاً على ما آلت إليه الأمور. فهل سنكف عن هذه الطرق القديمة في تناول المشكلات ونبدأ بعهد يعطي للمواطن حقه في الفهم والتوعية ليعارض وأيضاً ليدافع عن الوطنية بعقلانية؟ نتمنى قبل فوات الأوان؟


توضيح من المحرر "المخزن": هي كلمة تاريخية مازالت تستخدم بشكل كبير في أوساط المثقفين في المغرب كما في أوساط عامة الناس وتعني" النظام المغربي" أصلها راجع لكون النظام كان يجبي الضرائب ويخزنها في مخازنه الشيء الذي جعل المغاربة يختصرون" السلطة الحاكمة" في اسم" المخزن".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد