إذا تلقیت دعوة عبر بريدك الإلكتروني مذيلة بتوقيع أبوبكر البغدادي، يعطيك فيها الأمان لزيارة "الدولة الإسلامية"، ونقل مشاهداتك للآخرین عبر تويتر أوسناب شات كصحفي أو مهتم، فهل ستوافق على الذهاب إلى "الموصل" مثلاً، بغرض اكتشاف التحولات التي طرأت على هذه المدينة ومقابلة سكانها؟
الفيديو الشنيع لقطع رأس المصور الأميركي "جيمس فولي" سيجعل هذه الفكرة انتحاراً صريحاً، فلم يقتحم أسوار "داعش" بسلام من الصحافیین سوى "جورغن تودنهوفر"، الذي دون تجربته في كتاب بلغته الأم الألمانية، إضافة لمنتج الأفلام البريطاني ذو الأصول الفلسطينية "مدين ديريه" الذي أثار فيلمه الوثائقي لفايس نيوز الكثير من الجدل في الصحافة العالمية، وتسببت تصريحاته في العديد من التساؤلات حول تعاطفه مع التنظيم، قبل أن يقرر التوقف عن التعاطي مع استجوابات الصحافة حسب آخر تغريدة له في تويتر.
وبسبب انتهاكات "داعش" الشنيعة تجاه الصحفيين، فإن المعلومات التي تصلنا عن التنظيم تأتي غالبا من مصادر غير تقليدية، حيث تشتهر "داعش" باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بنشاط ومثابرة لنشر الأفكار وتجنيد الأفراد، وذلك عبر بث مواد ترويجية مصنوعة باحترافية عالية، ویمثل موقع تویتر المنصة الأمثل لتحقيق التنظیم هذه الأهداف، حیث أعلن الموقع في فبراير الماضي أنه ومنذ منتصف العام ٢٠١٥، قام بإغلاق أكثر من مئة وخمسة وعشرين ألف حساب ذا صلة بالتنظيم المتشدد.
وحسب دراسة نشرها برنامج التطرف بجامعة "جورج واشنطن"، فإن قدرة "داعش" على التجنيد انخفضت بشكل كبير بسبب هذه الحملة، حتی أدی ذلك لانزعاج التنظيم نفسه، إذ توعد أنصاره مؤسسي فيس بوك وتويتر بالویل والثبور!
وعلی الرغم من الحملات الإلكترونية ضد حسابات التنظيم، إلا أن الوصول لأفراد التنظيم ومحبيه ليس بالأمر العويص، ولا يستدعي في كثير من الأحيان إلا كتابة كلمات بحثية محددة أو اقتحام وسم معين على تويتر، لتخرج عشرات الحسابات بكنى مستعارة وصور تعريفية ملثمة، هذه النوافذ الإلكترونية للتنظيم تمثل مادة خصبة للصحفيين ولكل من أراد الغور فيها لغرض بحثي أو بسبب الفضول وحب الإطلاع.
وفيما يلي أبرز الطرق التي يمكن الاستفادة منها للوصول لمعلومات حول هذا التنظيم:
عوالم التليغرام
حالها كحال العديد من الجهات استفادت "داعش" من القنوات داخل تطبيق التليغرام، وهي خاصية تتيح بث رسائل من طرف واحد لعدد لا محدود من المشتركين في القناة مجانا، وتطبيق التليغرام شبيه بشكل كبير بواتس اب من حيث طريقة الاستخدام، لكنه يمتاز بالأمان بعيدا عن رقابات الحكومات، كون المحادثات التي تتم من خلاله مشفرة، وذلك حسب مؤسسه الروسي الذي يعيش في المهجر "بافل دوروف"، هذا التشفير سبب رواجا للتطبيق بين أفراد التنظيم، فمنفذوا تفجيرات باريس مثلا كانوا من مستخدميه الأمر الذي أثار عاصفة انتقدات ل"دوروف".
منشورات التنظيم
تمثل منشورات التنظيم مصدرا هاما لمعرفة ما يجري داخل الحدود غیر الثابتة ل"داعش" ، لكنها معلومات تحتاج للكثير من التحقق والتثبت قبل نشرها، وفي الغالب لا يتم الاعتماد عليها كمصدر رئيسي، بل كخيط أول لقصة صحفية جديدة. ومن أبرز منشورات التنظيم:
أعماق: وكالة الأنباء الرسمية لداعش، حيث تبث أخبارها العاجلة عبر قنوات داخل تطبيق التليغرام كما تنشر موادها الصحفية عبر مدونة إخبارية على الانترنت وتطبيق اندرويد، آخر قناة اشتركت فيها في وكالة أعماق ضمت 9 آلاف مشترك، قبل أن يتم شطبها من إدارة التليغرام، ليقوم داعش بفتح قناة جديدة لأعماق وليستمر الكر والفر.
دابق: الکلمة في الأصل اسم لقرية سورية، لكنها أیضا اسم الاصدار الصحفي الرسمي لتنظيم الدولة، وینشر على شكل مجلة شهرية باللغتين العربية والإنجليزية وبتصاميم صحفية احترافية. وهناك مجلة دار الإسلام وتستهدف الناطقين بالفرنسية، وعادة ما ينشر أفراد التنظيم روابط للمجلة في مختلف منصاتهم الإلكترونية.
البيان: إذاعة التنظيم وتبث عبر التليغرام، وعبر تطبيق خاص لاندرويد وتختص بالدروس والمحاضرات والقصائد والحداءات الحماسية.
ناشر: تطبيق على أجهزة أندرويد وله قناة على تليغرام، ويختص بنشر المواد الإعلامية لمؤسسات التنظيم الإعلامية كالفرقان والاعتصام ومركز الحياة الناطق بالإنجليزية التي تكون غالبا على شكل مواد فيلمية وتقارير صحفية، وتقوم قناة الخلافة بعمل دور مماثل لناشر.
وهناك العديد من المؤسسات الإعلامية الأخرى للتنظيم صنفها الدكتور "مالك الأحمد" في مقاله "إعلام داعش – رؤية تحليلية" إلى رسمية وغير رسمية.
صحافة المواطن – مجموعة الرقة تذبح بصمت
مصدر آخر هام للصحفيين يوفر زاوية مغايرة تماما عما سبق، هو المواطنون الذي امتهنوا الصحافة بسبب ظروف عيشهم خلف أسوار داعش، ومن أشهر مجموعات صحافة المواطن التي تنشط بشكل كبير الكترونيا مجموعة "الرقة تذبح بصمت"، وهم بضعة عشر شابا سوريا من أهالي الرقة شمال سوريا الخاضعة لسيطرة التنظيم، يتمحور عملهم حول التقاط الفيديو وكتابة التقارير الإخبارية التي يقوم بنشرها عدد من أفراد الفريق خارج سوريا.
ويشتهر الموقع باستخدامه لغة إنجليزية رصينة وهو ما جعله رائجاً بشكل كبير بين الصحفيين الغربيين. وقد فازت المجموعة العام المنصرم بجائزة حرية الصحافة التي تمنحها اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، وقتل تنظيم داعش عدداً من المنتمين لهذه المجموعة، فيما يعمل الباقون بشكل سري.
القرى المتاخمة لحدود تنظيم الدولة
يمكن للصحفي النشيط الذهاب لتلك المناطق بسلام، والخروج بقصص غير معتادة، تحكي عن اللاجئين والناجين، وأخرى عن التجار والمهربين، صحافية النيويورك تايمز المختصة في تغطية قصص الجماعات المتطرفة "روكميني كاليماتشي"، قامت بتجربة إلكترونية وميدانية فريدة في تغطية داعش، حكتها لبودكاست مجلة النيويوركر الأميركية، وهي ترى بأن هناك الكثير من مساحات العمل الصحفي حينما يتعلق الأمر بتغطية داعش.
تغطية التجنيد
بالإمكان عمل قصة صحفية فريدة عن داعش من قلب أوروبا، وهذا ما فعله الصحفي "بين تاوب" أثناء دراسته في كلية الصحافة بجامعة كولومبيا، فهناك من ذهب للتنظيم وعاد، وهناك أهالي وأصدقاء لمن قرر الالتحاق، هؤلاء الأشخاص يحملون الكثير من القصص والحكايات، خصوصاً أولئك الذي تصلهم الأخبار بشكل مباشر من الداخل. قام تاوب على سبيل المثال بتتبع قصة مراهق بلجيكي التحق بداعش، وحرر مادة صحفية مميزة تلقفتها النيويوركر.
عالم التواصل الاجتماعي فتح فرصاً مختلفة لممارسة الصحافة تنتج مواد غير تقليدية، لكنها قد تكون محفوفة بالمخاطر، فخلال جولتي الشهر المنصرم في عوالم تليغرام داعش، وجدتني في دوامة رقمية كبيرة، مجموعات تغلق ويعاد افتتاحها بأسماء جديدة بعد دقائق من حجبها، يجري خلفها صحفيون ومجندون، وبصمت يتتبعها في الأغلب الكثير من رجال المخابرات.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.