لا يمكن لأي متابع أن يمر على مسألة الإضراب عن الطعام، التي بدأت تتوالى حلقاتها وتتنوع أشكالها دون التساؤل عن جدوى وأهمية هذه المعركة..
لا يخفى على الكثير أن سلاح الإضراب عن الطعام، هو سلاح مهم حاسم، ولكنه قد يكون ذا حدين.. ففي الوقت الذي يمكن للأسير تحقيق بعض المطالب عبر الإضراب عن الطعام.. لكنه قد يؤدي لأضرار صحية دائمة تلازم صاحبها بعد إنهاء الإضراب وأقلها الفشل الكلوي.. وأقصاها إلحاق الضرر ببعض الخلايا الدماغية.. يبقى أن نعرف أشكال الإضراب وأنواعة ودوافعه.. ويمكن القول إن الشروع في الإضراب عن الطعام يحتاج لدراسة متأنية ليكون الإضراب مؤثراً وفاعلاً، وهذا الأمر يستدعي الإعداد الجيد للإضراب من خلال اختيار التوقيت المناسب وتحديد المطالب المرجو تحقيقها.. وكذلك خطة التنفيذ.. فالتوقيت الجيد يتطلب الظروف السياسية الداخلية والخارجية المواتية وهذا يعني ألا يتم الشروع في الإضراب في ظل أحداث دولية أو إقليمية كبرى مثل الحروب أو مناسبات عالمية، مثل كأس العالم، مما يؤدي لضعف التجاوب والمتابعة الجيدة من الجماهير المراد تحريكها.. وأما خطط الإضراب فهي تحتاج لحكمة وحنكة في إدارة معركة من هذا القبيل، فعلى سبيل المثال لا يتم الإضراب الشامل منذ اللحظات والأيام الأولى
والاستعاضة عنه ببدء إضراب جزئي عن الطعام، ثم يتصاعد بعد عدة أيام حتى يصل لمرحلة الإضراب الشامل عن الطعام، وبالتالي كسب مزيد من الوقت وتهيئة الجسم لمواصلة الإضراب أطول مدة ممكنة.
النقطة الثالثة: أسباب ودوافع الإضراب عن الطعام وهي محور هذه المقالة.. فقد جرت العادة منذ بدايات التجربة الاعتقالية في سجون الاحتلال على أن الإضراب هو وسيلة من وسائل الكفاح والجهاد داخل المعتقل وهي وسيلة تركزت منذ البدايات على تحسين ظروف الاعتقال ليس إلا.. وقد أسهمت الإضرابات في عمل قفزة بل قفزات في تحسين ظروف الاعتقال، حيث كانت المعاملة سيئة جدًّا تتخللها عمليات إهانة و إذلال للأسرى من خلال كيفية نقل الأسرى، وكيفية مراقبتهم وإحصاء أعدادهم وعلاجهم وتفتيشهم
وحتى كميات ونوع الأطعمة التي كانت تقدم لهم.. وقد استطاع الأسرى عبر مسيرة طويلة من الكفاح داخل المعتقلات تحسين طريقة معيشتهم لتصبح أكثر ملائمة.. حتى وصل الأسرى لأوضاع معيشية معقولة يمكن للأسير خلالها أن يقضي سنوات الاعتقال بشيء من الهدوء والاستقرار النفسي الذي مكنتهم من إدخال الكتب والمراجع والدراسة الجامعية وحتى ممارسة بعض الرياضات..
وهكذا أصبح الإضراب عن الطعام السلاح الأكثر تأثيراً في معارك الأسرى مع إدارة المعتقلات الصهيونية ويرجع ذلك لخشية حكومات الاحتلال من وفاة أي من الأسرى بسبب الإضراب، مما يسيء لسمعة الاحتلال المدعي للديمقراطية وحماية حقوق الإنسان..
أما ما يقوم به بعض الأسرى المعتقلين الإداريين من إضراب للاحتجاج على هذا النوع من الاعتقال، فإنه مثار للجدل ولم يسبق للمعتقلين الإداريين أن أقدموا على الإضراب من أجل المطالبة بالإفراج عنهم..
وهو مثير للتساؤل إذا كنا نعلم جيدا أننا في مواجهة سلطة احتلال، وأن مجابهته بأي وسيلة ممكنة
ومشروعة.. فلماذا إذن الاحتجاج على الاعتقال وهو ثمن لا انفكاك عن دفعه ثمناً للحرية.. فهل ننتظر من احتلال غاشم وظالم أن يبادلنا الزهور والورود مقابل جهادنا ونضالنا ضده.. فمن المؤكد أننا نكون مغفلين إن نحن اعتقدنا ذلك.. وهو يتنافى مع روح التضحية التي ينبغي للمناضل أن يتحلى بها ولعل من سلك طريق الإضراب عن الطعام طلباً للإفراج عنه أثناء الاعتقال الإداري يمكن توصيفه بالبدعة النضالية، التي لا يمكن قبولها لأن فيها تراجعاً عن دفع ثمن الحرية التي التزم بها كل شريف وحر.. أخيراً يمكن القول إنه من غير المقبول طلب الرحمة من قاتل ظالم ومحتل وهو يعتبر نكوصاً عن عهدنا مع الله والوطن.
أخيرا لا يسعنا إلا أن نحترم نضال المضربين عن الطعام طلباً بالإفراج عنهم رغم قناعتنا المؤكدة بأن هذه الآلية لا تتناسب مع نضالهم في سبيل قضية سامية وشريفة كقضية فلسطين.
مفردات:
الاعتقال الإداري: وهو اعتقال احترازي بدون محاكمة تمارسه سلطات الاحتلال لمن تشعر بنشاطهم المناهض للاحتلال، ولا تملك أدلة يمكن محاكمته بناء عليها، وهو بالمناسبة قانون بريطاني منذ زمن الانتداب قبل نشوء دولة الاحتلال.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.