غياب الثقة معضلة أخرى في اليمن

من الضرورة والحتمية إيجاد جو من الثقة والطمأنينة في علاقات الأفراد وعلاقات الجماعات وعلاقات الأمم والدول، تقوم ابتداءً على الوفاء بالعهد، وصِدقيّة التعامل بعيداً عن الخداع والكذب والخيانة، وبغير هذه السمة يعيش كل فرد مفزعاً قلقاً لا يركن إلى وعد، ولا يطمئن إلى عهد، ولا يثق بإنسان.

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/08 الساعة 02:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/08 الساعة 02:18 بتوقيت غرينتش

من الضرورة والحتمية إيجاد جو من الثقة والطمأنينة في علاقات الأفراد وعلاقات الجماعات وعلاقات الأمم والدول، تقوم ابتداءً على الوفاء بالعهد، وصِدقيّة التعامل بعيداً عن الخداع والكذب والخيانة، وبغير هذه السمة يعيش كل فرد مفزعاً قلقاً لا يركن إلى وعد، ولا يطمئن إلى عهد، ولا يثق بإنسان.

وإذا حدث مثل هكذا وضع، من غياب الثقة بين الأطراف السياسية الموجودة على الأرض، فإن الوصول إلى مرحلة مقبولة من الاستقرار السياسي في البلد، سيمر بمراحل متعثرة، وربما يتوقف، ويزداد الوضع سوءًا وينزلق إلى أتون حرب تأكل الأخضر واليابس، وتؤخر مسيرة التنمية والنهضة عقوداً إلى الوراء، وهو ما حدث بالفعل أكثر من مرة في اليمن، وما زال.

الآن، الحكومة الشرعية لا تثق في الانقلابيين سواء من الحوثيين أو أتباع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، والعكس كذلك؛ فمليشيات الحوثي وصالح كلاهما لا يثق في الرئيس هادي، ولا في حكومة بحاح، ولا بدول الجوار التي تتزعم التحالف العربي في حملتها العسكرية لاستعادة الشرعية في اليمن المختطفة من قِبل من يسمون أنفسهم "أنصار الله" أحد المكونات التي شاركت في مؤتمر الحوار الوطني، والذي انتهت جلساته بمخرجات لم ترقَ لجماعة عبدالملك الحوثي، ولا زعامة المؤتمر الشعبي العام، المتمثلة خصوصاً في الرئيس المخلوع علي صالح.

ثقة معدومة تماماً بين الأطراف، وكلما استمرت العمليات العسكرية، وازدادت ضراوةً، كلما بعدت الشقة بينهم، والواضح أن ختام المعارك أو قرب نهايتها سيُظهر طرفاً قويًّا وآخر منهكاً سيستسلم في الأخير لمنطق القوة، وسيرضخ هذا المريض المثخن بالجراح لما تمليه الاتفاقات الدولية المدعومة من القوى العظمى، والمتحكمة في سياسات الدول النامية، والمؤثرة على سياسات نظيراتها من القوى الكبرى في العالم.

ومع غياب الثقة ستظل بؤر التوتر في كل منطقة حررت من مليشيات الانقلاب، فثمة عملاء ومرتزقة سيقومون بالدور المطلوب منهم لكي لا يستقر البلد، وسيظل الملف الأمني هو الشغل الشاغل في أذهان قيادة "الشرعية" والتحالف، وسيظل الترقب والترصد عند المناوئين لها، وستظهر العمليات الانتقامية هنا وهناك، فمتى ما كان المنهزم الأضعف لم يذعن، ولم يُقر إقرار المعترف بالهزيمة، وأنه المخطئ بتصرفاته الحمقاء، ومراهقاته السياسية، ناهيك أن يكون مدعوماً من جهة خارجية تؤزه أزًّا في أتون حرب، الخاسر الأكبر فيها هو الوطن بكليته أرضاً وإنساناً!

وفي الجنوب، الذي حرِّر عددٌ من مناطقه من قبضة الانقلابيين.. يحاول البعض زرع التشكيك والتخوين وانعدام الثقة في الرئاسة المتمثلة بالرئيس هادي وبحكومة بحاح بل بقيادات المقاومة، ويتذرع هؤلاء بعدد من الحجج، والتي قد تكون نابعة من بطء في تنفيذ استحقاقات المرحلة أو استمرار القلق الأمني الموجود في هذه المناطق، وهو أمر طبيعي وبدهي حصول تلك الإخلالات والنواقص؛ فالعافية والصحة بعد المرض لا تأتي دفعة واحدة، بل بالتدريج فقد يبطئ النصر وقد يسرع.. ولكن من ينتمي لجهة معارضة للشرعية ومناوئة لها، فهو إما أن يتحرك فعليًّا بعمل القلاقل على الأرض، وإما أن يزعزع الثقة في النفوس لتظل قلقة حائرة تخشى المستقبل والمجهول.

ومع ذلك، فبعد أن تضع الحرب أوزارها، يحتاج البلد المكلوم، المثخن بالجراح إعادة الثقة في نفوس أبنائه رجالاً ونساءً وشيوخاً وحتى أطفالاً.
يحدث ذلك من خلال:
أولاً: بإمكانهم العودة مرة أخرى إلى الحياة الطبيعية المألوفة التي تُمحى منها مشاهد النزق السياسي، والحمق الإداري، والجهل الشرعي، وتُنسى في أثنائها ذكريات مآسي الأيام الماضية، فهذا البلد ليس بدعاً من بلدان عانت وقاست ويلات حروب استمرت سنوات، وفي الأخير نهضت من غفلتها ومن كبوتها ومن شيطنة تفكير قياداتها، واستمرت الحياة واستمر العمل ونهضت البلاد وسعد العباد.

وثانياً: زرع الثقة في القيادات المنتصرة، والتي كانت في صف المقاومة وقمة هرم سلطة "الشرعية"، أنهم ليسوا نسخة أخرى مكررة من النظام السابق الذي تستهويه مصالحه الشخصية الضيقة وكم سيحصل وكم سيأخذ؟ وأنهم ليسوا عصابات فيد ونهب لثروات البلد.

وثالثاً: إعادة ثقة المواطن البريء المغلوب على أمره، بأن البلد سيهدأ من جديد، ويدخل مرحلة جديدة وخارطة بنسخة مغايرة عن الماضي بالكلية، إذ لا مجال متاح أن تكرر التجربة الفاشلة، وتنسخ المرحلة المدمرة مرة أخرى.. فالمؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين فكيف بثلاثة أو أربعة؟!

علامات:
تحميل المزيد