الجزائريون كسروا القاعدة

أتمنى أن تحرر فلسطين بالكامل في وقت قريب، لكي نكرر مباراة الشقيقين الفلسطيني والجزائري على أرض ملعب الشهيد فيصل الحسيني في شرقي مدينة القدس المحتلة.. وما ذلك على الله بعزيز.

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/04 الساعة 08:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/04 الساعة 08:10 بتوقيت غرينتش

شاهدتُ مباراة كرة قدم بين منتخبي دولتين شقيقتين متجاورتين في الحدود، ضمن البطولات الرسمية في المنطقة، وذلك منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وكانت المباراة رائعة بكل ما تحملها الكلمة؛ بسبب تقارب مستوى الفريقين.

وقبيل انتهاء المباراة بدقائق حدثت مشاجرة بين مشجعي المنتخبين، مما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات، ولولا رعاية الرحمن، ومن ثم تدخل القوى الأمنية المتواجدة داخل الملعب حالت إلى عدم وقوع المزيد من القتلى من قبل مشجعي المنتخبين.

ولم تصل الأمور إلى هذه الحد فقط، بل انتقلت إلى عالم السياسية وانقطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وأدلى إلى سحب السفراء، وكم تمنى الشعبان بعد المباراة بعدم إجراء المباراة بتاتًا وسبوا وشتموا الرياضية بكل أنواعها التي أدت إلى قطع أواصر المحبة بين الشعبين.

وهذه مقدمة بسيطة لمقالي المتواضع، وأود هنا الحديث عن مباراة منتخبي الجزائر وفلسطين التي جرت منتصف شهر شباط/فبراير على أرض المليون ونصف المليون شهيد، وذلك في "يوم الشهيد الجزائري"، بحيث كسرت جميع القواعد المتعارف عليها بين عشاق المستطيل الأخضر.
من المفترض أن يشجع الجزائريين منتخبهم والفلسطينيون يشجعون منتخبهم، لكن الطرفين كسروا القاعدة، فكل طرف منهم شجع الطرف الآخر.

وبدت المباراة فرصة للجماهير الجزائرية للتعبير عن التضامن مع الضيف الفلسطيني الذي لقي استقبالاً حافلاً، ورُفعت لافتات تعبر عن عمق العلاقة التاريخية بين الشعبين.

وانعكست الأجواء الحماسية على أرض الملعب، حيث أهدر الفريقان عدداً من الفرص السانحة لهز الشباك، إلى أن جاءت الدقيقة 62 حيث أحرز اللاعب الفلسطيني محمد أبو ناهية هدف المباراة الوحيد لفريقه.

وتوقفت المباراة بحلول الدقيقة 51 حين دخل أحد المتفرجين أرض الملعب لمعانقة لاعبي المنتخب الفلسطيني، في مشهد لافت، ردت عليه الجماهير بالتحية في مقاعدها.

وكان الملعب مليء بالجزائريين، وما يثبت كلامي عندما أحرز الفدائي الفلسطيني هدف المباراة الوحيد، سمع العالم أجمع عبر شاشات التلفزة الأهازيج والأفارح والأصوات الصادرة من الجزائريين فرحًا بهدف أبو ناهية.

وقالت قناة "روسيا اليوم" إن ملعب "5 جويلية" في العاصمة الجزائرية اهتز بعد تسجيل اللاعب الفلسطيني أبو ناهية، حيث انفجرت الجماهيرية الجزائرية فرحاً بالهدف الفلسطيني في مرمى منتخبهم.

وحاول المنتخب الجزائري تغيير النتيجة، إلا أنه لم ينجح في هز الشباك الفلسطينية، لتنتهي المباراة بفوز الضيوف بهدف مقابل لا شيء، وسط ترحيب الجماهير الجزائرية الذين خطوا شعارات موجهين كلامهم لمحاربي الصحراء "سنقتلكم إذا فزتم على المنتخب الفلسطيني".

ولا ننسى حديث المعلق الجزائري الشهير حفيظ دراجي، أن المنتخب الفلسطيني لكرة القدم سيستقبل المنتخب الجزائري على أرض الجزائر في مباراة ودية تاريخية.

وأضاف "ولأول مرة سيقف الجزائريون ضد منتخب بلادهم في مباراة كروية يناصرون فيها منتخب بلد معزته تفوق معزة منتخب الجزائر".
وسبحان الله أول مرة جمهور يطلب من فريقه عدم الفوز على فريق الضيف، فواصل الجزائريون كسر القاعدة الرياضية.

وبعيداً عن حسابات الربح والخسارة في اللقاء الذي حضره قرابة 90 ألف متفرج، جسد الجمهور الجزائري حالة من الحب والعشق لفلسطين، حيث انتشرت الأعلام الفلسطينية بشكل لافت بين الجماهير كما حملوا يافطات عبرت عن تأييد الجزائريين المطلق للقضية الفلسطينية، وأشعل الجمهور الجزائري المدرجات بهتافات مؤيدة لها.

كما تناول البرنامج الرياضي الشهير "صدى الملاعب"، الذي ينشطه الإعلامي السوري مصطفى الأغا اللقاء الذي جمع المنتخبين الفلسطيني والجزائري، بتقرير رائع أشاد بالاستقبال الرائع الذي خصصه الشعب الجزائري للمنتخب الفلسطيني منذ وصوله إلى أرض الوطن، كما أثنى ضيفا البرنامج بما صنعه الجمهور الجزائري في المباراة.

وبدر إلى ذهني لماذا الشعب الجزائر يعشق شيئاً اسمه فلسطين، أكيد هناك عدة أسباب.. أبرزها أن الشعب الجزائري ضحى بمليون ونصف المليون شهيد إبان الاحتلال الفرنسي لبلدهم بمنتصف القرن الماضي.

وكذلك الشعب الفلسطيني، ما زال يعاني الويلات من الاحتلال لكن بنكهة يهودية أو إسرائيلية، ونفس الممارسات الفرنسية تمارسها السلطات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين بالضفة الغربية وقطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1948م.

ولذلك من يشعر بك هو الذي "شرب من نفس الكأس"، فالشعبان الفلسطيني والجزائري تجرعا من كأس واحدة وهي كأس الاحتلال والذل، والإهانة على يد قوات أجنبية نزعت من قلبها الرحمة والرأفة، فمارست القتل والتشريد والتجويع بحق مدنيين عزل.

ولكن هناك فرقاً وحيداً.. بأن الجزائر تحررت بالكامل من الاحتلال الفرنسي، بينما فلسطين لم تتحرر إلا جزء يقدر بـ 1.2% من مجموع الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل عصابات يهودية أو تستطيع تسميتها بالصهيونية.

أتمنى أن تحرر فلسطين بالكامل في وقت قريب، لكي نكرر مباراة الشقيقين الفلسطيني والجزائري على أرض ملعب الشهيد فيصل الحسيني في شرقي مدينة القدس المحتلة.. وما ذلك على الله بعزيز.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد