على خلفية الحراك الشعبي الذي عرفه المغرب والعالم العربي.. عجل ذلك بالتعديل الدستوري لفاتح يوليوز 2011 وانتخابات مبكرة مرت عليها الآن أربع سنوات والخامسة عل الأبواب، فاقتراع 25 نوفمبر 2011 جعل المواطن المغربي يتنفس الأمل بعد صعود حزب ظل لسنوات يرفع شعار التغيير والنزاهة ومحاربة الفساد وتنزيل برامج واضحة المعالم ممكنة التحقيق على أرض الواقع.
لكن شتان بين الواقع والخيال فكل المؤشرات والأرقام والوقائع أبانت على فشل حكومة ما بعد الربيع العربي بالمغرب وتخيب أمل شعب كان يمني النفس بمسؤولين شجعان قادرين على إحاطة أبناء شعبهم بما يقع بدواليب التسيير وبوطن كان يرجو تغيير واقع حاله إلى الأحسن، آملاً من حكومة صندوق اقتراعه بتسطير برامج ومشاريع وبدائل جديدة لنماذج التسيير السابقة التي أبانت عن محدوديتها وعدم قدرتها على مسايرة تطورات المجتمع ورأب صدع الفوارق الاجتماعية.
ولكي لا نكون فضفاضين في خَطَابَتِنا سنقف على أهم نواقص العمل الحكومي بشكل يسير، مستحضرين الأحداث وطارحين عدة تساؤلات مشروعة يقف عليها الشارع المغربي متحسراً تمس حال يومه بدون لغة بيزنطية ولا أساليب السفسطائية.
عرفت الحكومة تصدعات قوية في تركيبتها بداية بقرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال بالانسحاب من النسخة الأولى لحكومة عبد الإله بن كيران، هذا الأمر الذي أثر سلباً على سير العمل الحكومي في الاشتغال على اختصاصاته وعطل العديد من المشاريع والبرامج، مما أرغم السيد الرئيس بالقيام بإجراء إسعافي بتعويض حزب التجمع الوطني الأحرار بالاستقلال، رغم كل الخطوط الحمراء التي رسمها حزب المصباح وظل يروج لها في العديد من خطاباته.
أما بخصوص التنزيل السليم للمضامين الدستورية التي جاء بها تعديل فاتح يوليوز 2011 فلا زالت محل نقاش كبير بسب التأخر الحاصل من ناحية إصدار العديد من القوانين التنظيمية والقوانين العادية التي ظلت حبيسة الرفوف من أبرزها القانون التنظيمي للأمازيغية وكيفية إرساء آليات الديمقراطية التشاركية وحقوق الإنسان والسلطة القضائية التي أثارت نقاشاً حادًّا وعنيفاً، خصوصاً من ناحية التوجه الحكومي..
وفي المجال الاقتصادي والاجتماعي سجلت هذه الفترة الحكومية عدة مساوئ.. ولم يتحسن القطاعان، بحيث ارتفعت مديونية الدولة، وتزايدت نسبة العطالة، وانخفض النمو، وتراجعت الأسهم، وتضخمت أسعار العديد من المواد الغذائية الأساسية بالموازات مع القدرة الشرائية والدخل اليومي والشهري للمواطن المغربي.
أما بخصوص المجال التعليمي حدث ولا حرج، رغم كل الإجراءات التي قامت بها الحكومة الحالية، فقد أبانت عن ضيق نظرة مسؤوليها، بحيث استمر واشرأب الفساد الإداري والمالي في العديد من المؤسسات التابعة للوزارة المكلفة بالقطاع، أضف إلى ذلك قضية الأساتذة المتدربين التي أسالت مداد العديدين من الكتاب والصحفيين، وأرغمت أساتذة الغد على النزول للشارع رغم جل الإكراهات وتعنت حكومة وقعت في المحظور بجهلها القانوني وشوفونية رئيسها حول الموضوع ورمي كرة استعمال العنف ما بين قائدها ووزير داخلتيها.
المجال الصحي نقطة تثير بحراً من المشاكل.. تردي مستوى الاستقبال والخدمات، جشع المسؤولين، خطط ورؤى غير واضحة يتم نهجها، وغياب أفق للإصلاح وتدبير الاختلالات التي تعرفها ملفات مهمة كنظام المساعدة الطبية "راميد" وقطاع الأدوية، فحسب تقرير للشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، فإن السياسات الحكومية لقطاع الرعاية الصحية في المغرب "تفتقر إلى مبدأ العدالة والإنصاف في ولوج العلاج، ولا تحقق أهداف العملية الصحية والتنمية البشرية". واتهم التقرير حكومة عبد الإله بنكيران بـ"التخلي التدريجي عن مسؤولياتها في تحمل نفقات الرعاية الصحية، والاعتماد كثيرا في سياستها الصحية على جيوب المواطنين، وارتفاع نصيب النفقات الذاتية من جيوب الأسر المغربية، بما يعادل 60 في المائة من النفقات الإجمالية على الرعاية الصحية".
وبالعودة للمجال القضائي، فإننا نرى غياب تصور واضح وتنزيل سليم للوثيقة الدستورية بما جاءت به حول القطاع من ضرب في عمق العدالة المغربية، بداية بمشروع إصلاح منظومة العدالة التي عاب عليها العديد التنزيل الفوقي، والضجة التي صاحبت إصدار مجموعة من مشاريع القوانين كالمنظومة القانونية الجنائية والعديد من القوانين الأخرى.
أضف إلى ذلك طفو عدة مشاكل عل السطح.. بداية بقضية قاضي العيون قنديل، مروراً برجة القاضي محمد الهيني التي ستظل وصمة عار على جبين العدالة المغربية، ففي وقت كنا ننتظر أن تصير ثقافة العزل والإعفاء من الماضي إلا في حالة الفساد الأخلاقي والمادي، فإن هذا التصرف الأرعن يعيدنا لسنوات الرصاص؛ لأنه طال حرية التعبير والاختلاف في وقت تمنينا أن تزول كل هذه الاعتبارات والاختلافات رغم حدتها، فالمجهول ينتظر عدالتنا بهذا التدخل السافر في استقلالية القضاء المغربي.
ولا ننسى إغراقنا في الخطابات الشعبوية، واستعمال اللغات الحيوانية، ورداءة المنتوج السياسي، وضعف المردودية، وخلق صراعات هامشية تحاول التغطية على الأمور الأساسية، والتي تمس جوهر المجتمع المغربي، ومحاولة إصلاح ما تم إفساده على حساب الشعب المغربي، كمشروع إصلاح صندوق التقاعد الذي تحاول من خلاله حكومة تعاستنا تصريف مشاكل القطاع من خلال الرفع من سن التقاعد، مما سيجعل من الموظف المغربي كبش فداء داخل حلقة مفرغة من التخبطات.
الجانب الحقوقي سيمفونية يصح العزف من خلالها أنغاماً حزينة؛ بسبب التراجعات الحقوقية الخطيرة التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة من تضييق على الجمعيات وتأسيسها ومنع عدة اجتماعات لهيئات مؤسسية بصفة قانونية، بالإضافة إلى منع وقمع مجموعة من المظاهرات السلمية والاحتجاجات الشعبية واستعمال منطق العصا الغليظة والتضييق على حرية الرأي والتعبير.
هذه ليست سوى نقطة في بحر من المشاكل التي أغرقتنا فيها حكومة رجونا منها الكثير وأعطتنا القليل وظلت تبرر وتبرر وتغالط شعباً لا تنتظر منه سوى صوت من أجل صندوق سيعيدهم لكرسي زمام الأمور..
في الختام سأستحضر عدة تساؤلات أسميتها بالمشروعة تعبر عن واقع حال وتهم العمق المجتمعي وتستفسر عن العمل السياسي والحكومي للوزراء التسعة وثلاثين:
ما سبب صمتكم وتكتمكم يا رئيس تعاستنا في أخد قرار لوقف معاشات البرلمانين والوزراء ولو بتخفيض رمزي لأجورهم ومعاشاتهم؟ ألا يعتبر هذا الأمر ريعاً؟
أين هي العدالة الإجتماعية وخطاباتكم النرجسية في حملاتكم وبرامجكم الانتخابية؟
ما سر "عفا الله عما سلف" وعفوك الشامل على ناهبي المال العام يا رئيس تعاستنا؟ ما سر عدم متابعتك لمهربي المال العام ووعودك باستعادة ما ضاع؟
ما هي نظرتكم لشغيلة المغربية وسياستكم الحكيمة من أجل الرقي بمستواها ورفع الحد الأدنى للأجور والسهر على تطبيقه؟
أي مشروع للتنمية السياحية المغربية وسياسة المدينة والصيد البحري والتنمية الجهوية والرفع من المردودية وتجنب تضخم المديونية ووو..؟
أي دور للمرأة المغربية بالمناصب القيادية وإصلاح العدالة المغربية؟ وأي برنامج مجتمعي؟
أين هو نموذج الدولة الإسلامية الحداثية العصرية على الشاكلة التركية؟
فلو تجيبونا ارحمونا فقد تعبنا، نحن شعب أغرقتموه في صراعات سياسية جانبية ورقصات الفساد تتربص بنا، ما زال الأمل فلا تفوتوا علينا تحقيق تنمية اقتصادية اجتماعية تواكب تطورات العصر وتستجب لتطلعات شعب أمل منكم الكثير يا حكومة تعاستنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.