قبل مجيئي إلى كندا كان بمخيلتي مشهد مرعب ومخيف جدًّا، كنت أتوقع أنني لن أستطيع العيش والتأقلم على الحياة فيها، ليس بسبب اختلاف الثقافة واللغة، بل لأنني محجبة وحجابي رمز الإسلام الذي يعتبره الغرب دين الإرهاب. وكان الهاجس الوحيد الذي يجتاح مخيلتي كل يوم هو ذلك الخوف القادم من تساؤلات عدة طرحتها على نفسي مراراً وتكراراً.
هل سيتقبلني الناس هناك وأنا أرتدي الحجاب؟ هل سيكلمونني أم سيخافون مني؟ كيف سأدرس وأحقق أحلامي وعلى رأسي ما يجعل الآخرين يحكمون عليّ من خلال صورة نمطية رسمها لهم الإعلام المضلل، هذه الأسئلة كثيراً ما حاولت أن أجد لها إجابات وسألت كل شخص ظننت أنه يعرف الإجابة لكن لم يسعفني أحد بها، حينها أيقنت أن التجربة ستكون الإجابة الوحيدة.
في الطريق إلى كندا وفي مطار هيثرو بالتحديد أوقفتني امرأة وأثنت على حجابي وأخبرتني أنه جميل جدًّا، لا أستطيع أن أصف كم أراحتني وأثلجت صدري كلماتها، وشحنت ثقتي بنفسي وبحجابي وأعطتني دافعاً ايجابيًّا أمدني بالراحة والطمأنينة. في الأيام الأولى لي في كندا بدأ الخوف يتسرب من قلبي رويدا رويدا، فلم أشعر أن الحجاب يسبب لي أي مشكلة بل بالعكس كان شيئاً يميزني عن باقي الناس، فكثيراً ما سمعت إطراءات من أشخاص عبروا لي عن مدى جمال الحجاب، وهو ما جعلني سعيدة جدًّا لأني بصورة غير مقصودة أنقل لهم كيف أن الحجاب لا يجعل المرآة قبيحة أو مخيفة.
الكنديون بشكل عام من أكثر الشعوب المحبين الذين قابلتهم في حياتي، فهم طيبون جدًّا، دائماً مبتسمون، ليسوا عنصريين، لم أجد قط مشكلة بالعيش معهم، كثيرة هي المرات التي كنت أمشي فيها بالطريق ليوقفني شخص كندي بابتسامة عريضة ويسلم عليّ بتحية الإسلام "السلام عليكم"، ولا أنكر أنه بعد أحداث باريس واتهام الإسلام والمسلمين بالإرهاب قام بعض من المتطرفين بإيذاء مجموعة من المسلمات في عدة مدن كندية، لكن بالنسبة لي شخصيًّا لم ألاحظ أي تغيير في تعامل الكنديين معي أو مع المسلمات، بل بالعكس أصبحت ألاحظ بعد هذه الأحداث كيف أن الكنديين الذين أقابلهم بات لهم جليًّا بُعد المسلمين عن الإرهاب وأن الإسلام ليس له علاقة بالجماعات الإرهابية التي لا دين لها وأننا نبغض الإرهاب كما يبغضونه.
الآن بعد مرور حوالي أربع سنوات لي على العيش في كندا، أيقنت أن الحجاب ما هو إلا مبدأ من مبادئ حياتي، فأنا اخترته عن ثقة وحب، ولقد ارتديته قبل بلوغي ١٢ عاماً، فكيف لي أن لا أدافع عن حجابي وعن حقي في ارتدائه، وكيف لي أن أخجل منه وأتوقع أنه سيكون سبب فشلي، فأنا بعد هذه الأربع سنوات أصبحت على قناعة تامة أن الحجاب يزيد من نجاجي ولا ينقصه، وأن إيماني بمبادئي وثقتي بأفعالي تجعل الآخرين يتقبلونها ويعجبون بها ويحبونها، سواء كانت شائعة لديهم أم لا.
وأنا الآن أجلس على مقاعد الدراسة مع الكنديين أشاركهم نفس الحقوق ولا أشعر بأي تمييز أو عنصرية بل يعاملونني بكل لطف ومحبة وتعاون واهتمام. والنجاح برأيي ليس فقط النجاح الفردي في حياه الفرد الشخصية والعمليه، بل هو أعمق وأكبر من ذلك بكثير؛ هو النجاح الذي تخدم فيه مجتمعك ودينك، ولقد أضاف لي الحجاب أهدافاً أخرى أسمى وأرقى، غَدَتْ أهم ما أود تحقيقه في هذه الحياة ونجاحي يكون بتحقيقها.
ولا شك أن الحجاب يشكل مسؤولية كبيرة على عاتق المسلمات في الغرب، فالحجاب هو رمز الإسلام وهو بصورة أخرى رسالة يتم نقلها إلى الآخرين فحواها الأخلاق الإسلامية والصورة الحقيقية للإسلام لا الصورة المغلوطة، أذكر منذ مدة ليست ببعيدة أخبرتني كندية أنها عندما ترى امرأة محجبة أول ما يحضر إلى ذهنها هو البياض والنقاء والطهارة والبعد عن الخطيئة. وهذا ما جعلني أزيد من قناعتي أن نسبة جيدة من الغرب المتعلمين يفهمون الدين الإسلامي جيداً ويعلمون براءتنا وبعدنا عن الإرهاب، والحجاب مسؤولية على عاتق المحجبة خصيصاً، لأن حجابها يخبر بأنها مسلمة، فعلى سبيل المثال عندما يذهب زوجي إلى العمل يوميًّا لا أحد يستطيع أن يعرف أنه مسلم، وهذا يعطيه حرية التصرف فهو إنْ تصرف تصرفاً خاطئاً، فلن ينسب إلى الإسلام؛ بينما إذا ذهبتُ أنا معه فالكل سيعرف أنه مسلم، وهو ما يجعلنا دائماً نراقب تصرفاتنا جيداً كي لا نشوِّه نظرة الناس للمسلمين ولو بتصرف صغير.
أكتب اليوم لأُطَمْئِنَ كل فتاة تريد القدوم إلى كندا، وهي خائفة من أن يشكل الحجاب عائقاً لها في سبيل العيش وتحقيق أحلامها، أقول لها ثقي بحجابك وتغلبي على خوفك وكوني صاحبة مبدأ، فالغرب يحترم أصحاب المبادئ ويقدرهم، وإذا كان النجاح هو هدفك فستنجحين رغم أنف الجميع فلا تضعي الحجاب حاجزاً في سبيل تحقيق أحلامك بل اجعليه حافزاً لك، وأثبتي للجميع أن المرأة المحجبة تستطيع أن تكون ما تريد وتصل إلى ما تطمح.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.