كعادتي يوم الثلاثاء ذهبت إلى المقهي الهادئ الذي تعودت الجلوس عليه لأسكب أفكاري على الأوراق، فوجدت رجلاً يجلس حزيناً منزوياً في ركن بعيد هادئ، فانجذبت إليه ورأيت عينيه الذاهلتين اللتين تحدقان في اشتياق إلى ورقة بين يديه.
فجأة بدلت مقعدي بكل بساطة؛ كي أقترب منه، أتعرف تلك القصة البسيطة عن الفضول الذي يقتل القط؟! هو ذا.. ما تراه حالياً. قط فضولي جلس جوار الرجل العجوز ليعرف سر الحزن الدفين.
ببساطة أشار إليَّ وطلب مني الجلوس.. لم أتوقع قط أن تتم الأمور بتلك السرعة، لكنها تمت على كل حال، جلست بجواره وأنا منتبه للغاية أشعر وكأنه سيبكي في لحظة ما، ثم طلب مني أن أمسك تلك الورقة وأنظر إليها، بالطبع فضحتني عيناي لم يكن إرهابيًّا بل كان حبيباً حزيناً لا أكثر.
احتوت الورقة على جواب غرامي. الموضوع قديم بعض الشيء، لكن يبدو أنها قصة حب عاشها الثنائي، قرر أن يحكي لي، وأوضح لي الفكرة، مجملها قصة عادية.. شاب في الخامسة والعشرين من عمره أحب فتاة تبلغ عشرين عاماً عانت من الكثير من الضغوط بعد أن اقتربا كثيراً من بعضهما البعض، قضى عليهما قاضي حال الدنيا بالفراق فافترقا، هي سافرت وهو عاش على الأطلال.
لا يبدو أبداً عليه أنه عاش من العمر خسمة وعشرين عاماً آخرين، لكن من الواضح أنه قد فعل. من يراه يظن أنه قد عاش أكثر من عمره مرتين، ترى أين هي؟ لمَ تركته؟ ما هو الحب؟ شاب مثلي فقد الإحساس من مدة، خاصة وأنه قد رحل مبتعداً وجلست أفكر في الأمر وحيداً.
بالطبع في مجتمعنا هناك مفهومان للحب: الأول هو حب بعد الجواز وهو مفهوم بالطبع، والثاني حب الاستعباد وهو أن يستعبد طرف الآخر أو يستضعف طرفٌ الآخر، كل ذلك مفهوم. لكن هذا النوع النقي من الحب القائم على المشاركة والتشارك والتفاهم والإخلاص.. كلها مشتقات تعرف المفهوم الأساسي الذي فقد جوهره وهو الحب.
من يمتلك القدرة على الانتظار لمدة تزيد عن 25 عاماً هو شخص يعرف المعنى الحقيقي للحب.. الكلمة التي فقدت معناها في مجتمع أصابه فيروس المصالح الشخصية، فأصبح يستخدم الكلمة بغرض الوصول لهدف ما، فأصبحت بلا معنى أو شعور، مجرد كلمة عادية كحرف جر يستخدم للوصول لغاية تتم بها الجملة.
مَنْ يعتقد أنه بمجرد قوله كلمة فامتلك بها قلباً، لا يعرف حقًّا قيمة تلك الكلمة، ولا معناها، لا الرجل يحق له أن يستعبد المرأة، ولا المرأة يحق لها أن تهين الرجل، الموضوع مبتعدٌ كثيراً عن فكرة المساواة ويقترب من فكرة التفاهم والتقارب، العلاقات الإنسانية أصبحت نادرة، حتى أنه سيتم وضع هؤلاء الذين يشعرون بمأساة غيرهم في متاحف الطبيعة علَّ من لا يشعرون يستفيدون بالأمر.
عدت لذلك المقهى آملا أن أجد ذلك الرجل حتى أفهم منه، ووجدته، فأخبرني بأنه أحبها كثيراً جدًّا لدرجة لا توصف، هي كانت تفهم وتشعر لكن ظروفنا كانت أقسى من أي شيء، سافرت هي وعشت وحدي شارداً.
إن تعليل أي خلل في العلاقات الإنسانية سواء كانت علاقة حب بين الأب والأم أو الحبيب وحبيبته أو الصديق وصديقه.. إلخ، إنما هو تقصير من الطرفين في الحفاظ على الرباط الروحي بينهما.
هكذا فسرت الأمر، وأصدرت حكماً لم يكن من المفترض أن أصدره، لكن تلك معتقدات راسخة.. أننا جميعاً نمتلك محاكم تفتيش يمكننا أن نحب من نشاء ونكره من شاء، ونقلل من أي قيمة نرغب في التقليل منها.
هناك كلمات تفقد معناها وقيمتها حينما يتم استخدامها من دون موضعها، وهذا ما يحدث حالياً، إنما يجب أن ننشد التفاهم المزدوج بين الطرفين إن وصل الأمر لكي نرفض كل ما يحاول المجتمع ترسيخه فلنرفض.
عدت مجدداً إليه هذه المرة كان سعيداً للغاية لقد أرسلت إليه موضحة أنها ستعود إليه طار فَرِحاً كالطفل.. سألته: أستعود إليها بعد كل ما حدث؟
أجاب بكل بساطة، أنا أحبها يا بني، يوماً ما ستعرف المعنى الحقيقي للحب، لقد أهدر عمره منتظراً لها وها هو سيجني ثمار تلك الفرحة قد تقتله وهو غير متهم، هو فقط سعيد بها.
إن الرباط المقدس بين روحين، ميثاقه هو الحب، وعهده الإخلاص، دائماً يحاول البعض إيجاد ما ينقصهم من حب لدى قلوب فارغة لا تعرف طريقاً للإخلاص، ويعيشون داخل براثن أهوائهم الشخصية.
كنصيحة أخيرة إن كنت ترغب في معرفة لمَ لا تتحول الصداقة إلى حب، أو تتجاهل معنى الحب باحثاً عن علاقة أيًّا كان شكلها، فأنت في مشكلة كبيرة، عليك أن تسأل نفسك أولاً وقبل كل شيء.. هل حقًّا ترغب في اتخاذ خطوة تالية؟ والسؤال الأخير للجميع: إن كنت تخشى أن يجعلك الحب تخسر الطرف الآخر.. فلماذا تبحث طيلة حياتك عنه وأحياناً لا تجده؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.