كيف نفهم معادلة الثورة المصرية؟

هدفنا لابد أن يكون أولا إنهاء حكم الأجهزة السرية والفساد والامتيازات، وكسر احتكار عصبة صغيرة للسلطة والثروة، ووقف هيمنتها على الشعب وعلى مؤسسات الجيش والشرطة والقضاء وعلى الجامعات والإعلام، وإنهاء التوظيف السياسي لهذه المؤسسات

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/22 الساعة 00:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/22 الساعة 00:50 بتوقيت غرينتش

من المشكلات التي تواجهها الثورة المصرية وغيرها من الثورات العربية الاتفاق على معادلة التغيير التي يمكن أن تحقق مطالب الثورة.

في الثورات الكلاسيكية الكبرى التي شهدتها القرون الثلاثة الأخيرة، تم تبني عددا من الأهداف الكبرى، وتحققت هذه الأهداف عبر تغيرات عميقة وممتدة، شهدتها هذه المجتمعات في بنيتها السياسية والاجتماعية، وانتهت بتغيير نظام الحكم وتغيير النظام الاجتماعي القائم.

وذلك كما حدث مع الثورة الفرنسية عام 1789 التي انتهت إلى القضاء على الحكم الملكي المطلق وطبقة الإقطاعيين وظهور نظام سياسي جمهوري وتمكين الطبقة البرجوازية، وكما حدث أيضا مع الثورة البلشفية 1917 والماوية الصينية 1949 والإيرانية 1979. وعادة ما يتوفر لمثل هذا النوع من الثورات قيادة واضحة، وتنظيم محدد، وهدف مركزي. وباستثناء الحالة الفرنسية وما تبعها من تأثر أوروبي واضح، انتهت هذه الثورات إلى أنظمة حكم مطلق.

أما في نهاية القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر، فقد شهدت أمريكا اللاتينية العديد من الثورات المسلحة من أجل التحرر الوطني ضد الاستعمار الإسباني والبرتغالي والفرنسي، وانتهت هذه الثورات إلى ظهور دول مستقلة جديدة ذات نظم حكم مطلقة أو حكومات عسكرية.

وفي أجزاء أخرى من العالم ظهرت ثورات أخرى هي في حقيقتها حركات تحرر وطني مسلحة، قامت بها جبهات وطنية مسلحة، ناضلت من أجل الاستقلال، وحققت نجاحات متباينة، كما حدث في ثورة الفيتناميين والجزائريين ضد المستعمر الفرنسي، وثورات وانتفاضات الشعب الفلسطيني ضد الصهاينة. وفي الغالبية العظمى من هذه الحالات انتهت الأمور بعد الحصول على الاستقلال إلى ظهور نظم حكم مطلق أو حكومات عسكرية أيضا.

وبعبارة أخرى فقد نجحت الثورات المناهضة للاستعمار في الحصول على الاستقلال، وأنجزت في بعض الملفات الاقتصادية والاجتماعية، ولكنها فشلت في ملف الحريات والمساواة والديمقراطية، وانتهت إلى نظم حكم مطلق بصور مختلفة.

أما في فترة ما بعد الحرب الباردة فقد شهدت بعض الدول حركات تغيير أطلق على بعضها ثورات ملونة كما حدث في شرق أوروبا، كان هدفها الأساسي هو الوصول إلى نظم حكم ديمقراطية تعددية. وقد شاركت في هذه الثورات فئات اجتماعية متعددة ولم تكن حصرًا على طبقة اجتماعية بعينها، كما حصلت هذه الثورات على دعم قوي من المنظومة الغربية الليبرالية بهدف التخلص من خصمها الاشتراكي، لتنتهي إلى إقامة نظم سياسية تعددية وحماية الحريات والحقوق.

وقد اتسم هذا التغيير بعدة أمور، أولها السرعة في الوصول إلى الهدف (نحو عشرة أيام في شرق ألمانيا وخمسة في رومانيا)، بجانب الحصول على دعم أوروبي وأمريكي، وحلول المعارضين في مراكز السلطة، وحدوث تغيير حقيقي (سياسي واقتصادي) بحيث صار الفارق كبيرا بين الماضي والحاضر. كما اتسمت هذه الثورات الملونة بالسلمية بشكل عام.

وفي كل حالات التغيير الثورية وغير الثورية كان تركيز الخطاب والبرنامج السياسي على أصل المشكلة وليس على الأدوات التي استخدمها الحكام للبقاء، ففي جنوب أفريقيا كان التركيز على المساواة في الحقوق المدنية، وفي شرق أوروبا كان إقرار التعددية وكسر احتكار الحزب الواحد للحياة السياسية، وفي أمريكا اللاتينية كان إخراج العسكريين من السلطة وإقامة حكم مدني ديمقراطي.

وبعد نجاح الانتقال تمت ترجمة هذه الأهداف إلى عمليات إعادة هيكلة حقيقية للمؤسسات المختلفة ضمن حكم دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية وحسب رؤى محددة، لكن الخطاب السياسي للسياسيين كان خطابا ايجابيا وغير معاد لمؤسسات الدولة أثناء مرحلة النضال من أجل تحقيق الانتقال.

الموجة الأولى من الثورة المصرية كانت أقرب إلى هذا النوع الأخير من الثورات، حيث كان هدفها إقامة النظام الديمقراطي وتحقيق العدالة الاجتماعية، إلا أن خصوم هذه الثورة تصدوا لها عن طريق تحويل نضال الشعب من أجل الحرية إلى حرب على الإرهاب.

وعلى الرغم من هذا لا يزال الشعب يناضل من أجل حريته، وهو في نضاله هذا لا يزال في أمس الحاجة إلى توسيع قاعدة المؤمنين والمناضلين من أجل الحرية، بعد كل حملات التضليل الإعلامي والسياسي، ولهذا لا مفر من معادلة سياسية جامعة للثورة المصرية تكون قادرة على تحقيق أمرين، الأول هو كسب الأنصار من فئات المجتمع المختلفة ومن مؤسسات الدولة التي يستخدمها النظام بما في ذلك مؤسسات الجيش والشرطة والقضاء وغيرها، والثاني هو تحديد معالم النظام السياسي الديمقراطي البديل بقيمه ومؤسساته وضوابطه وضماناته.

في الحالات الناجحة للانتقال، لم يطالب السياسيون بهدم وزارة الداخلية، ولم يعبر البعض عن عدم الحاجة إلى المؤسسة العسكرية كما يحدث عندنا. ففي الواقع هذا النمط من الخطاب السياسي يطيل عمر الإستبداد؛ لأنه يدفع هذه المؤسسات إلى الاستمرار في تحالفها مع الحكومات المستبدة خوفا من الخطاب الذي يهددها ويتوعدها.

أعتقد أن هدفنا لابد أن يكون أولا إنهاء حكم الأجهزة السرية والفساد والامتيازات، وكسر احتكار عصبة صغيرة للسلطة والثروة، ووقف هيمنتها على الشعب وعلى مؤسسات الجيش والشرطة والقضاء وعلى الجامعات والإعلام، وإنهاء التوظيف السياسي لهذه المؤسسات، وثانيا تحديد معالم النظام السياسي المدني الديمقراطي، الذي يقوم على وحماية كرامة الإنسان وحرياته وقيم المجتمع وهويته، وسلطة الشعب وحكم القانون والمساواة أمامه، وتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير المستوى المعيشي الكريم لكل المصريين بلا تمييز. وهذا النظام كفيل أيضا بإعادة مؤسسات الدولة إلى القيام بوظائفها الأصلية دون توظيف سياسي.

أما تهديد وتوعد مؤسسات الدولة التي يعمل بها ملايين الموظفين وتعتمد عليها عشرات آلاف من الأسر فيعمق مشكلاتنا ويوسع الفجوة بين الثورة وبين قطاعات غفيرة من الناس الذين يرغبون بالفعل في أن يكونوا في صف الثورة غير أن خطاب السياسين يبعدهم عنها.

هذه التدوينة نشرت على موقع البديل، للاطلاع على المقال الأصلي اضغط هنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد