يحكى أن ملكا شابا كان يداعب قطته الودود، فخَمشت وجنتيه بمخالبها، وتركت فيهما جرحا عميقا..
عُولج الملك، وحينما رأى وجهه في المرآة، ساءه ما آل إليه من تشوه.
غضب جدا، وحطم المرآة وجن جنونه
فأمر بحرق قطته… وقتل جميع قطط المدينة!
لم يكتف الملك الغاضب بذلك، فأمر حاشيته ومعاونيه أن يخمشوا وجوههم، كي لا يحس بالنقص أمامهم..
فعلوا جميعهم ذلك، وأوعزوا لأتباعهم بالمثل.
صدر بيان ملكي بأن تُخمش وجوه جميع الرعية، وتكسر كل مرآة في البلاد، وتربى الأرانب بدل القطط..
عمل الجميع على تحقيق رغبة الملك، فخَمش جميع الرجال وجوههم، ووجوه زوجاتهم… وكذلك فعلت النساء بأطفالهن
وأصبح كل مولود يولد في البلاد تُخمش وجنتاه قبل أن يُقطع حبله السُري..
واقتنت كل عائلة قطيعا من الأرانب.
بمرور الزمن أصبح "الخمش" سمة من سمات الجمال في المملكة!
تعاقبت الأجيال، فأنشئت دورٌ لعُروض الخمش، وصالونات لآخر صيحات الخمش.. ومعاهد لتعليم طرق الخمش السليمة.. ووزارة مختصة بالثقافة وشؤون الخمش. وأقرضت الأشعار على الخامِشات، وألفت الكتب في فوائد الخمش..
وأصبح للملكة عيد وطني للخمش، وعيد آخر لجمال الأرانب..
تنافس الشبان في تحبير جراحهم، وتنافست الفتيات في استعراض خطوط خدودهن.. كلما كانت خطوط وجنة الفتاة أطول وأكثر سمكا، كانت أقرب لقلوب الرجال، وأوفر حظا من غيرها بالظفر بفارس الأحلام.
أصبحت القطط ترمز للشر والقبح والعنوسة..
وأصبحت الأرانب ترمز للخير والحب والخصوبة..
وشُيد معبد ضخم للأرانب "المباركة".. يزوره الناس للصلاة، وتقدم فيه القرابين، وتحرق على أعتابه القطط "الملعونة" طردا للشر.
وفي أحد الأعوام، ألم بالبلاد قحط شديد.. كثرت الأرانب، واجتاحت الحقول ودمرت المحاصيل، أدى ذلك إلى مجاعة، وتفشى الطاعون، ومات خلق كثير!
استنجد الملك -الذي أضحى عجوزا – بإحدى الممالك المجاورة.. فأرسلوا له وفدا للمساعدة..
حضر أفراد الوفد إلى البلاد، وكانوا جميعهم صُلع، وبلا أنوف !
(لأن الصَلَع، والأنوف المقطوعة، من سمات الجمال في بلادهم)
اجتمعوا بالملك، فأشاروا عليه بجملة من الإصلاحات كي يُجنب مملكته ورعيته هلاكا محتما.
عليكم أن تربوا القطط، لأنها مباركة !
عليكم أن تقتلوا الأرانب لأنها ملعونة !
وعليكم أن تحلقوا رؤوسكم، وتقطعوا أنوفكم، لأن السماء تحب الجمال وتكره القبح !
امتعض الملك مما سمع، وكذلك فعل وزراؤه..
فضج المجلس جدالا!
بعد أخذ ورد، لانَ طرف الملك العجوز لنصائح الوفد، وسط ذهول حاشيته..
تسرب الخبر إلى الرعية .. فثار الجميع لنصرة رموزهم المقدسة !
حاصروا القصر..
علت الهتافات: "اقتلوا الوفد القبيح"
تطور الأمر، فأصبح المطلب "رأس الملك"!
أقتُحِم القصر، واقتادت الجماهير الغاضبة ملكها ووزراءه، وأعضاء الوفد إلى محرقة المعبد!
قُتلوا جميعهم، وقُدموا قربانا لأرواح الأرانب المقدسة !
***
هكذا تصنع المجتمعات من العادات أغلالا تكبل الأجيال، حتى إذا ما اكتسبت هالة قدسية، أسيلت من دونها الدماء وقطعت الرؤوس..
وهكذا تٌكسر مرآة الذوات … فلا يرى المجتمع قبحه!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.