هل مات؟ يا ليته مات !

هي أسئلة كثيرة قد لا تحتاج إلى أجوبة، لكن حين يتحوّل الشعب إلى رقم غير صعب هنا تنتفض المشاعر بقوّة، ذلك أنّ تحويل الشعب إلى مجرّد (قطيع) كلّ همّه هو كيف يوفّر للغد لقمة العيش؟ كلّ همّه أن يبقى رهين الزمن المنظور القريب؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/12 الساعة 03:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/12 الساعة 03:48 بتوقيت غرينتش

نصف ساعة من الزيارة كانت كافية لتحوّل الأم المكلومة على ابنها السّجين ذي السابعة عشر ربيعاً إلى كرة ملتهبة من الصراخ والبكاء، حيث بادرتها جارتها التي كانت بانتظارها أمام بوابة السجن قائلة لها: إوعي تقولي محمود مات؟ لتجيب الأمّ وهي مرّة تلطم وجهها ومرّة تضرب كفّا على كفّ: "لأَ لم يمتْ بسْ ياريت لو كان مات! محمود خلاص عقله ضاع لم يعد يعرفني ولم يعد يتذكرني فمن كثرة التعذيب أفقدوه كل شيء حتى معرفة أمّه"!

نعمْ تعدّدت المآسي والظلم واحد، وهي صورة من آلاف الصور التي باتت عنواناً بارزاً على جبين أغلب الأنظمة الشمولية في عالمنا العربي طبعا هناك بعض التفاوت في الحجم و الضرر لكنّ تقليص هذا الحجم وجبر هذا الضرر يبقى بعيدا كلّ البعد عن المساءلة القانونية تحت ما يسمّى بربط المسؤولية بالمحاسبة، فالمناخ السياسي بات كثيف الضبابية لهذه الأنظمة وذلك من خلال حجْبه لكثير من الانتهاكات الصّارخة لحقوق الإنسان فإلقاء القبض على طالب في الثانوية العامة لم يتجاوز بعد السابعة عشر من عمره بسبب التظاهر لأنه حسب الرواية الجاهزة للداخلية "يُشكّل خطرًا على الأمن القومي"!!.

ممّا جعله يخضع لوجبات متنوعة من التعذيب لا يعلم بها إلاّ الله بما فيها الصّعق الكهربائي حتى يُصاب بعاهة مستديمة أو يفقد عقله إلى الأبد، إلى درجة أنه يفقد حتى معرفة من ولدته.. حقًّا وما يثير الاستغراب والاستهجان أمام هذه الصّور والمشاهد الكارثية هو في محاولة النظام تجميل قناعه البشِع وذلك من خلال ديكور (مجلس الشعب) وهو يتفرّغ في مشاهد هزليّة إلى تفريخ القوانين والمصادقة بالجملة على قوانين أخرى سبق وإن حِيكت في جُنح الظلام ثمّ التفرّغ بعد ذلك إلى إنشاء اللّجان النيابية ومن ضمنها طبعاً لجنة (حقوق الإنسان) ولجنة (الشباب) وأمام هذا الديكور المستهجن هناك ديكوات أخرى لمؤسّسات بعد احتوائها فقد تمّ مباشرةً عسكرتَها حتى النخاع وعلى رأسها مؤسّسة (القضاء) التي تحوّلت إلى مجرّد كيان عسْكرتاري بامتياز.

وهذا ما زاد في الطّين بلّة وسيدفع بالمواطن المشتكي أو المغلوب على أمره إلى اجترار الحصاد المرّ أمام قضاءٍ تنعدم فيه أدنى شروط المصداقية وبمعنى أدق أمام نوعين من الظّلم: الأول يأتي من القانون والثاني يأتي من القاضي ممّا سيخلق أو بالأحرى سيؤدّي إلى انعدام الثقة الشاملة داخل المجتمع المرتبك أصلاً وهذا بالضّرورة سيدفع أيضاً بالناس إلى اقتضاء الحقّ باليد عن طريق تصفية الحسابات التي باتتْ شبحاً مخيفاً قد يصل إلى مفهوم (السّيبة)، وهنا يتساءل المرء في حيرة: يا ترى أليس هذا الوضع الكارثي هو بحق ما يهدّد الأمن القومي؟ أم أنّ الطالب الذي تمّ القبض عليه في مظاهرة وضاع لبّهُ وفقدَ عقله من جرّاء التعذيب هو من كان يهدّد حقيقةً الأمن القومي؟

هي أسئلة كثيرة قد لا تحتاج إلى أجوبة، لكن حين يتحوّل الشعب إلى رقم غير صعب هنا تنتفض المشاعر بقوّة، ذلك أنّ تحويل الشعب إلى مجرّد (قطيع) كلّ همّه هو كيف يوفّر للغد لقمة العيش؟ كلّ همّه أن يبقى رهين الزمن المنظور القريب؟

أمّا أن يتوق طواعيةً إلى الإبداع والخلق على المدى البعيد كما في الدّول الأخرى، فهذا أيضاً في عرف النظام القائم يعتبر تهديداً للأمن القومي لسبب بسيط وهو أنّ الخلق والإبداع يحتاج إلى هامش حقيقي من الحريّة، الشيء الذي يُرعب أي نظام يقوده وثن أو صنم.. فمتى يعي هؤلاء تلك المعادلة الشهيرة والتي مفادها أنّ العدل هو أقل تكلفة من الظلم وبأنّ الأمن المجتمعي هو أقل تكلفة من الفوضى العارمة؟ ربّما سؤال سيبقى عالقًا حتى إشعار آخر.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد