الثغرات الأربعة عشر لقانون الصحافة بالمغرب

بالرغم من أجواء التواصل الإيجابي حول مشروع قانون الصحافة و النشر رقم 13-88، فإن هذا النص القانوني الذي قامت بصياغته وزارة الاتصال وتم إيداعه بتاريخ 04 فبراير الجاري بمكتب مجلس النواب، مليء بالثغرات والنقائص و الجوانب الغامضة. وقد أبانت الدراسة التي أنجزها مجموعة من رجال القانون أن النص المذكور، الذي سيعرض قريبا على مجلس النواب من أجل دراسته، ينطوي على ثغرات خطيرة ومشوب بانعدام الدقة من عدة أوجه.

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/11 الساعة 10:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/11 الساعة 10:37 بتوقيت غرينتش

بالرغم من أجواء التواصل الإيجابي حول مشروع قانون الصحافة و النشر رقم 13-88، فإن هذا النص القانوني الذي قامت بصياغته وزارة الاتصال وتم إيداعه بتاريخ 04 فبراير الجاري بمكتب مجلس النواب، مليء بالثغرات والنقائص و الجوانب الغامضة. وقد أبانت الدراسة التي أنجزها مجموعة من رجال القانون أن النص المذكور، الذي سيعرض قريبا على مجلس النواب من أجل دراسته، ينطوي على ثغرات خطيرة ومشوب بانعدام الدقة من عدة أوجه. وفيما يلي الثغرات الأربع عشرة التي تم تسجيلها في قانون الصحافة :

هل يتعلق الأمر بقانون للصحافة المكتوبة أم الإعلام السمعي البصري؟

بمجرد الاطلاع على المادة الثانية من المشروع، والتي تحدد القطاعات الخاضعة للقانون الجديد، نجد أن المشروع ينص على أن "كل كتابة أو إنجاز لمضامين سمعية أو بصرية تدخل ضمن مجال الصحافة". وهذا يعني أن الوسائط السمعية البصرية خاضعة أيضا لأحكام هذا النص"، حسب رأي مجموعة رجال القانون السالفة الذكر. وهنا تكمن المشكلة، فالصحافة السمعية البصرية خاضعة لأحكام القانون رقم 03-77 المتعلق بالاتصال السمعي البصري. فهل وزارة الخلفي، رغبة منها في ضمان مواكبة مشروع القانون للوسائط الجديدة التي تستعمل النصوص والأشرطة والمقاطع الصوتية، سقطت في زلة ستؤدي إلى تداخل كل من قانون الصحافة والقانون المتعلق بالسمعي البصري؟ أو على العكس من ذلك، يتعلق الأمر بإرادة تروم إخضاع كل من قانون الصحافة (إلكترونية كانت أم مطبوعة) و الصحافة السمعية البصرية تحت مظلة نفس النظام القانوني؟ ولهذا التداخل تبعاته على باقي أحكام ومواد المشروع، وفي حالة ثبوته، فهذا يعني أن الصحافة السمعية البصرية ستصبح هي كذلك خاضعة لقانون الصحافة الجديد، الذي يعد أكثر تقييدا في العديد من جوانبه، كما تعتريه عدة ثغرات فيما يتعلق باحترام حقوق الملكية الفكرية والحقوق المجاورة.

الدين الإسلامي أم الدين الإسلامي المعتدل؟

تنص كل من المادتين 30 و 70 أن "المنشورات المغربية أو الأجنبية تصبح معرضة لعقوبة المنع إذا ما تضمنت 'مساسا بالدين الإسلامي' ولم تنص بدقة على 'الدين الإسلامي المعتدل'، كما هو منصوص عليه في الدستور. وهذا الفرق الاصطلاحي، الذي لا يبت في المسألة بشكل قطعي، قد يدعو إلى الالتباس ويفتح باب الدخول في تأويلات واسعة النطاق. وهذه المقاربة تتعارض مع 'الثوابت الموحدة للأمة' (الفصل الأول من الدستور)، وقد تنحو بالبعض لتأويل مؤداه أن الحكومة لا تتماهى مع 'الإسلام المعتدل' كما ذهب إليه النص الدستوري، حسب تحليل مجموعة رجال القانون.
إباحية هنا و هناك
تنص المادة 72 على "منع حيازة أو إنتاج أو نشر كل مادة إباحية أو قد يحرض على الفساد، دون أن تتضمن أي تدقيق لما يمكن اعتباره 'إباحيا'، فاتحة المجال بذلك أمام كل التأويلات، خاصة الأكثر دوغمائية وكبحا للحريات"، تعلق مجموعة رجال القانون في انشغال. فهل يمكن اعتبار شريط يروج لملهى ليلي محرضا على الفساد؟ وماذا قد يعني والحالة هاته "مادة إباحية بقلعة السراغنة؟ أو بالدار البيضاء؟"، تتساءل المجموعة. إن المسألة جديرة بالتمحيص، خاصة وأن الأحداث التي وقعت خلال الشهور الأخيرة أبانت أن العدالة في المغرب تعاني من ازدواجية المعايير (نحيل هنا بشكل خاص على قضية ما يعرف بتنورات إزگان).

هل يعد عرض شاكيرا في مهرجان موازين مادة إباحية؟

تنص المادة 78 على عقوبة تتراوح بين 100000 درهم و 500000 درهم في حق "كل شخص عرض أو باع لشخص قاصر مواد إباحية…وهنا أيضا لم يرد ما يحدد بدقة ما الذي يمكن اعتباره 'مادة إباحية'، تعلق مجموعة رجال القانون. "فشريط غنائي لشاكيرا يمكن اعتباره 'إباحيا'، ويصبح الموقع الإلكتروني (أو القناة التلفزية، في حالة ما إذا ثبت أن القانون ينطبق على الإعلام السمعي البصري) الذي سيبثه معرضا لعقوبة أداء غرامات جد رادعة." وما يؤكد هذا الطرح أن العديد من قيادات حزب العدالة و التنمية لم يتوانوا ، وبشكل علني، عن وصف عرض شاكيرا في مهرجان موازين بالإباحي.

لوكي لوك و جيمس بوند شخصان غير مرغوب فيهما

حسب المادة 63 من مشروع القانون، "يمنع كل إشهار يتضمن ترويجا للتدخين عبر استعمال التبغ أو منتوجات التبغ وكذا المشروبات الكحولية في العملية الإشهارية لصالح مؤسسة أو خدمة أو نشاط أو أي منتوج آخر من غير التبغ أو المشروبات الكحولية، وذلك باستخدام صورته أو اسمه أو علامته أو أية إشارة أخرى مميزة له أو تذكر به." "هذه المادة غير بريئة من حيث صياغتها الفضفاضة، والتي تعبر في واقع الأمر عن توجه إيديولوجي جد مؤثر، حيث نفى صفة الشرعية عن كل الأشخاص الماديين و المعنويين الذين لهم صلة من قريب أو بعيد بالمشروبات الكحولية أو التبغ"، حسب تعليق مجموعة رجال القانون.
ومما يدعو لقدر أكبر من الانشغال، "أن ذلك سيؤدي فعليا إلى الإقصاء الكلي لكل مشروع سياحي أو تجاري ذي حظ عاثر أدى به إلى الحصول على رخصة لبيع المشروبات الكحولية حتى ولو اقتصر ذلك على الأجانب، وذلك عن طريق منع أي ترويج له (سواء كان باستخدام الاسم أو الصورة أو العلامة أو أي مرجع يعرف به لدى العموم). و يمنع هذا النص الترويج بكل أشكاله للفنادق و كبار الموزعين والمطاعم و الحانات وبصفة عامة كل المحلات التي أضحى من الممكن اعتبارها تنطوي على مساس بالصحة و الأخلاق الحميدة للمواطنين، على كل دعامة للصحافة المطبوعة أو الإلكترونية، أو بواسطة إلصاق الإعلانات في جميع الأماكن العمومية، يضيف الفقهاء القانونيون.

هل السلطات الاستثنائية ستؤدي إلى إحداث محاكم استثنائية؟

تخول المادتان 102 و 103 وما بعدها للمحاكم ووزارة الاتصال سلطة حجز المنشورات (المطبوعة أو الإلكترونية) قبل البت في القضية، مما يعد محل خلاف وإشكال. فمن جهة أولى، يلزم مشروع القانون بالإدلاء "بتصريح قبلي لدى المجلس الوطني للصحافة، ومن جهة أخرى، فهي تخول للقاضي، مباشرة و ابتدائيا، كافة الصلاحيات (الحجز و المنع) دون أن يطلب من المؤسسات الأخرى الإدلاء برأيها، ودون أن تتم حتى استشارتها. مما يقزم دورها ليجعل منها مجرد مراكز لحفظ الوثائق"، حسب رأي الفقهاء. وتضع هذه المقاربة كافة الصلاحيات في يد القاضي أو عند الاقتضاء في يد الحكومة وبشكل منفرد، مع عدم تقويم ما يعتري النصوص من ثغرات واسعة ومجحفة" يضيف الفقهاء، معربين عن مخاوفهم من أن تهيمن السلطة التنفيذية على القضاء بهدف الإجهاز على المؤسسات المستقلة."

تجريم الصحف وإدانة بائع الصحف

تحمل المادة 93 من مشروع القانون المسؤولية القانونية عن الجرائم و الجنح التي تقترف عن طريق الصحافة بالدرجة الأولى للناشرين و مديري النشر. وفي حالة غياب مدير النشر، تنتقل المسؤولية القانونية لكاتب المادة الصحفية التي وقع عليها التجريم. إلى هنا تبقى الأمور مقبولة (نسبيا). ولكن بمجرد أن نتقدم في الاطلاع على مواد هذا النص، حتى نجده يجرم أصحاب المطابع في حالة غياب مدير النشر و الصحفي، وفي حالة غياب أصحاب المطابع، يجرم بائعو وموزعو الصحف. و على افتراض أن مجموعة مجهولة (لنقل إنها لجنة سرية أو مجموعة من التافهين المتنكرين المنضوين تحت الحركة العالمية الوضعانية) قامت بنشر و طبع مجلة ما و توزيعها على مجموعة من الأكشاك في الطريق العمومية، فإن أصحاب الأكشاك هم الذين سيصبحون محل إدانة. "يتعلق الأمر هنا بانتقال غير مقبول للمسؤوليات حسب النظام القديم للمسؤولية القانونية في مجال الصحافة المكتوبة و تطبيقها على الصحافة الإلكترونية"، حسب رأي الفقهاء، الذين تساءلون "لماذا يحمل، عند الاقتضاء، بائعو المنشورات المسؤولية الجنائية المترتبة عن منشورات مطبوعة أو رقمية؟"

في حالة القرصنة، هل يتحمل مدير النشر المسؤولية؟

"بالنسبة لموقع إلكتروني، ما هي الوضعية في حالة قرصنة الموقع؟"، يتساءل الفقهاء (بشكل مشروع). هل تتذكرون قرصنة موقع كود goud.ma؟ قام المخترقون باستبدال الصفحة الرئيسية لموقع إباحي بالصفحة الرئيسية لموقع كود. و يستخلص مما ذكر أنه إذا تمت المصادقة على مشروع قانون الصحافة بمقتضياته الحالية، فإن المسؤولية ستقع على عاتق مدير الموقع الإلكتروني، في غياب أية مقتضيات تتعلق بقرصنة المواقع الإخبارية.

التخوف من المصادر الأجنبية للتمويل

يمنع مشروع قانون الصحافة المقاولات الصحفية من تلقي أموال أو تمويلات من حكومات أو أطراف أجنبية، تحت طائلة غرامات مشددة"، حسب المادة 12 من مشروع القانون. هذه المادة قد تفسح المجال أمام تأويلات خطيرة و جد مقيدة. فالتمويل من قبل المؤسسات الأجنبية (كمنظمة الصحة العالمية أو الاتحاد الأوربي مثلا) لبعض المشاريع أو المواد، بما فيها تلك التي تكتسي طابع المصلحة العامة، سيصبح ممنوعا بصفة كلية"، يعلق الفقهاء، الذين يذهبون إلى أن " هذه المقتضيات لا تواكب على الإطلاق عصر الإعلام الرقمي، حيث تسمح العولمة بأن تتخذ المساعدات طرقا و أشكالا مختلفة".

يخضع مدير النشر لشروط قاسية لقبول ممارسته للمهنة

تضع المادة 15 لائحة بحالات التنافي التي تمنع من ممارسة مهنة مدير النشر التي يمكن وصفها بالتعجيزية و التعسفية وغير الدستورية"، يعلق فقهاء القانون، إذ أن هذه المادة تمنع كل شخص لا يتمتع بحقوقه المدنية، أو تمت إدانته من أجل ارتكاب جريمة أو جنحة اختلاس أموال ، أو رشوة أو استغلال النفوذ، أو الاغتصاب ، أو التغرير بقاصر، أو أعمال إرهابية، من مزاولة مهنة مدير النشر.

"حتى أعضاء الحكومة أنفسهم لا يخضعون لمثل هذه الشروط" حسب رأي الفقهاء، الذين يرون أن هذه الأحكام تشكل مساسا بالحق في النسيان وخرقا للفصول 20 و 21 و 23 و 25 و 26 من الدستور، لا سيما ما يتعلق بالحق في حماية الحياة الخاصة، وحرية النشر و حرية المبادرة و المقاولة. ولا توجد أية مهنة أخرى تعرف نفس القيود دون حدود زمنية أو إمكانية التقادم. يتعلق الأمر أيضا بانعدام أية إمكانية لرد الاعتبار أو إعادة الإدماج. هذه المادة تتعارض بشكل صارخ مع الفصل 28 من الدستور الذي ينص على أن "حرية الصحافة مضمونة ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية."

ينبغي على مدير النشر أن يكون صحفيا

تلزم المادتان 14 و 15 جميع المقاولات الصحفية، و المواقع الإلكترونية، و الدعائم الإلكترونية، أن تتوفر على مدير للنشر، الذي يجب أن تتوافر فيه الشروط المنصوص عليها في القانون، لا سيما شروط مزاولة مهنة مدير النشر، بالإضافة إلى ضرورة امتلاكه لحصة الأغلبية في رأس المال، وأن يكون متوفرا على صفة صحفي. "وهذا يعني إجبار كل موقع يدار انطلاقا من المغرب على توظيف صحفي و تعيينه مديرا للنشر ومنحه حصة الأغلبية في رأس المال" يعلق الفقهاء.

هل الرباط مدينة عالمية؟

تنص المادة 92 على أن محكمة الرباط هي وحدها ذات الاختصاص للنظر في مخالفة المنشورات الأجنبية لقانون الصحافة. "لماذا يقتصر اختصاص النظر في المخالفات التي ترتكبها المنشورات الأجنبية حتى ولو كان توزيعها محليا فقط (أكادير، مراكش أو طنجة على سبيل المثال)؟" يستفسر الفقهاء، متسائلين "لماذا لا يتم تعميم مفهوم الاختصاص المخول لمحكمة الرباط ليشمل كافة وسائل الصحافة و السمعي البصري بشكل عام. وسيمكن هذا من التوفر على بنية متخصصة ومؤهلة في هذا المجال، خاصة بالنظر إلى خصوصية وتعقيد هذه المادة القانونية (السمعي البصري و الأنترنت). ولم لا يتم إحداث هذه البنيات على صعيد كل جهة.

ملفات تعريف الارتباط حلال، ولكنها ممنوعة في نظر القانون

"يمنع كل إشهار في الصحافة المكتوبة أو الإلكترونية يتضمن الاستخدام اللا مشروع للمعطيات الشخصية لأغراض إشهارية"، دائما حسب المادة 63. " وهذا يعني منع ملفات تعريف الارتباط، والحملات الإشهارية بواسطة الرسائل النصية القصيرة أو البريد الإلكتروني، و الإشهار بناء على تحديد الموقع الجغرافي، و الإشهار السياقي، أو بكل بساطة ، أي إشهار ذي أهداف محددة" يعلق الفقهاء.

شبكة تعريفية سنوية

"كل نشرة أو دورية أو دعامة إلكترونية أو رقمية ملزمة مع مطلع كل سنة بوضع شبكتها التعريفية ونشرها وتوجيهها إلى كل شخص قد يكون معنيا بها"، حسب المادة 68 من مشروع قانون الصحافة. "وليس لهذه الدعامات الحق في تغيير شبكتها التعريفية أكثر من مرة واحدة في السنة. وهذا ينطوي على إنكار و جهل كبير بواقع الحال الذي يعرفه القطاع، لا سيما فيما يتعلق بالإشهار على المواقع الإلكترونية، التي تغلب عليه الديناميكية وروح المبادرة"، حسب رأي الفقهاء.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد