التكامل الإقليمي: عملية ينتج عنها بروز كيان "فوق قومي" تؤول إليه الولاءات، ومسؤولية أداء بعض الاختصاصات الوظيفية خصوصاً في الشؤون الخارجية، التي تتحملها الحكومات الوطنية في السابق.
أي أن المنتج النهائي لعملية التكامل يكون على شكل تنظيم وظيفي دولي، تقوم الدول بنقل جزء من سيادتها إليه مع الاحتفاظ بسيادتها السياسية، وفي بعض الأحيان تكون الرغبة في العمل الجماعي هي الدافع للتكامل، إلا أن الغالب هو عجز الوحدات السياسية عن إدارة شؤونها الخارجية أو الداخلية بمعزل عن بعضها بعضا وتجد نفسها دائماً تميل لاتخاذ قرارات مشتركة، وهذا ما هو متحقق بصورة كبيرة في إقليمنا، نظراً لتشابك المصالح والأهداف والتهديدات.
ولذلك فالتكامل لا يكون ناجحاً إلا إذا تم على مستويين، الرسمي (السلطة السياسية الحاكمة)، والقاعدة (الجماهير، الرأي العام)، وذلك كي تسير القيادة السياسية مدفوعة بقوة شعبية، فالعامل الديموغرافي وسلوكه يعد عامل قوة وإسناد إن كان يدعم قرارات القيادة السياسية خصوصاً في القرارات الحساسة التي تمس الحاضر والمستقبل.
إذاً، هل نحن بحاجة في إقليمنا المتداعي للتفكير بإستراتيجية أوسع من إستراتيجية الأحلاف القائمة حالياً؟ لنتقدم باتجاه تحقيق التكامل الإقليمي، وهل يمكن للتكامل الإقليمي وفق المفهوم الذي تم طرحه أن يكون صمام الأمان لنا من التفكك في إقليمنا المستهدف؟
بالطبع نحن بحاجة للتكامل فهو صمام الأمان لمستقبلنا الذي يبدو للجميع أسود؛ نظراً للصراعات القائمة، وحالة التشظي، والتهديدات التي تزداد يوماً بعد يوم، والتي تستهدف أمننا الإقليمي، فلا يختلف اثنان على أننا نتعرض منذ زمن لحملة تقسيم للمنطقة العربية -بصورة أساس- لوحدات أصغر على أساس طائفي وعرقي، وقد نُشرت العديد من صور التقسيم والمخططات للمنطقة، إلَّا أن الواضح والمتفق عليه في جميعها أنها تستهدف أي مظهر للوحدة، حتى وإن كانت غير قائمة حالياً ويتوقع تحقيقها مستقبلاً.
لقد تحقق في إقليمنا خطوات مناسبة تجاه التكامل، فوجود الجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، ووجود بعض التحالفات الحديثة التي تتبنى العمل كوحدة متكاملة، يعد خطوة جيدة ولكنها غير كافية، إذ تعتبر تلك الخطوات في إطار التنسيق غير الملزم، وحتى نحقق تقدم ملموس، يجب علينا أولاً تعريف ذاتنا، فهل سنعمل كمجموعة عربية نحو التكامل، أم كمجموعة إسلامية أوسع.
وربما لاحظت عزيزي القارئ عدم استخدامي لمسمى (الشرق الأوسط) في وصف إقليمنا، والسبب في ذلك هو حالة الميوعة في تعريف الشرق الأوسط فتارة يكبر ويزداد مساحته وتارة أخرى يضيق التعريف، لذا وجب علينا تحديد الذات أولاً.
يتبع ذلك تحديد مفهومنا الخاص لأمننا القومي، ومساحة التأْثِير والتأَثُّر التي تعتمد على معرفة الذات، والعدو المشترك، حتى نشكل القوة الدافعة تجاه التكامل، فلا يوجد أهم من المصالح والتهديدات المشتركة كي تدفعنا نحو العمل على قلب رجل واحد تجاه مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة..
إضافةً لما سبق، يحتاج التكامل لعدد من المتطلبات، أهمها:
التماثل والتشارك في القيم: ويقصد به تحديداً ضرورة توافر اتجاهات فوق قومية مشتركة لدى أطراف عملية التكامل، ومن متطلبات ذلك غياب مشاعر التعصب الثقافي القومي، ووجود علاقات ودية بين الحكومات المعنية، والاتفاق المشترك على أهداف السياسة الخارجية، ولن يتحقق ذلك إلا بإعادة تعريف أمننا القومي بعد تعريف ذاتنا، فتحديد التهديدات والعدو المشترك ومجالنا الحيوي يجعلنا نتسامى على مشاعرنا القومية أو المذهبية الضيقة.
علاقات تاريخية ودية: بحيث يكون السجل التاريخي للعلاقات بين أطراف عملية التكامل يصب في اتجاهات تعزز الطابع السلمي للتعامل المشترك، وهنا نحتاج لوضع آليات عمل دقيقة لمحو التوجهات الخاطئة الناتجة عن آثار الماضي وتاريخ طويل من عدم الثقة والصراع بين بعض دول المنطقة.
المنافع المتبادلة: ولذلك أهمية في التنازل عن بعض صلاحيات السيادة القومية، وبدون ذلك فإن الدول تتردد في الارتباط بعمليات تكاملية مقيدة لسلطتها، وتنتزع جزء من سيادتها الوطنية، وإذا نظرنا إلى مقومات القوة (الصلبة والناعمة) التي يمكن أن نمتلكها إن كان التكامل على أساس أننا مجموعة إسلامية، فإن المنافع المتبادلة ستكون الدافع الأساس لعملية التكامل، وانظر إلى المقومات التي نمتلكها في إقليمنا:
مقومات جيوبوليتيكية:
• يقع إقليمنا عند ملتقى القارات الكبرى للعالم (آسيا، وأوروبا، وإفريقيا)
• يشرف إقليمنا على أكبر مجموعة مائية من بحار ومحيطات وهي: (بحر قزوين، البحر الأسود، البحر الأبيض المتوسط، البحر الأحمر، بحر العرب، الخليج العربي، المحيط الهندي)
• يحوي إقليمنا على العديد من الأنهار الهامة مثل: (نهر النيل، نهر الفرات، نهر دجلة، نهر الأردن).
• مناخ الإقليم يتسم بالاعتدال على مدار العام، حيث يقع في مكان وسط بين المنطقة المدارية جنوباً والمنطقة المعتدلة والباردة شمالاً، مما يعني صلاحية الأراضي للزراعة على مدار العام.
مقومات إستراتيجية:
• امتداد وعق إقليمنا يتيح توزيع مناطق الإنتاج في وقت السلم، كما يتيح نشر القواعد العسكرية وقت الحروب.
• يتحكم إقليمنا بأهم المواقع المرورية الدولية، وهي: (قناة السويس، مضيق البوسفور والدردنيل، مضيق باب المندب، مضيق هرمز).
• القوة البشرية الهائلة التي يمكن تجنيدها في السلم والحرب، إضافة إلى صلاحية أجواء ومياه الإقليم للطيران والملاحة طوال العام.
المقومات الاقتصادية:
• الغاز الطبيعي والبترول: إذ يتميز بترول المنطقة بانخفاض تكاليف الإنتاج لقلة عمق الآبار، ويتميز أيضاً بتنوع الخام من الخفيف ومتوسط وثقيل وهذا ما يجعله مناسباً للأسواق المختلفة.
• المعاد والثروات الطبيعية: إذ يتميز الإقليم باحتوائه على طيف واسع متنوع من الثروات المعدنية سهلة الاستخراج والاستخدام.
المقومات الدينية والثقافية:
• يعد إقليمنا مهد الديانات السماوية، ومهد الحضارات الإنسانية، لذا فهو يحظى باهتمام كبير من قِبل العالم لما يحويه من أسرار الثقافات والحضارات القديمة.
إن طرح فكرة التكامل ليس لمجرد الترف الفكري النظري، بل هو حاجة آنية ملحة، فإن لم نعمل كوحدة متكاملة في ظل الظروف التي نعيشها، فلن تعد جوازات سفرنا الحالية تصلح بعد حين، أو بصورة أدق لن تَعد معترفٌ بها، وسنعيد صياغة منهاج الجغرافيا الحالية والخرائط التي تحويها، وما يتم دراسته الآن من جغرافيا سينقل لكتب التاريخ.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.