مع اقتراب موعد نهاية حكم المجموعة الانتهازية في الصومال -وهم الجماعة التي تتولى زمام الأمور حاليًا- تزداد المخاوف في اتجاه الصومال نحو الهاوية بعد سنوات من المعاناة الإنسانية علاوة على الأزمات السياسية المتلاحقة.
فالصومال طيلة سنوات أزمته المستعصية لم يتولَّ أمره مجموعة فاقدة للضمير مثل: مجموعة "الدم الجديد" التي أحاطت نفسها حول القصر الرئاسي كإحاطة السوار بالمعصم، متناسين أن الصومال بلد يسع الجميع، والكل قادر على خدمته على الرغم من الاختلافات الفكرية، ولمن لا يعرف "المجموعة" الذين سيكثر ذكرهم في مقالي هم: جماعة سياسية براغماتية تجيد فن الاصطياد في المياه العكرة بعباءة دينية، تصدرت المشهد السياسي عام 2012، ولاعتبارات كثيرة لم أوجه سهام نقدي صوب المجموعة في السابق، لكن بلغ السيل الزبى.
فلا تدري المجموعة ماذا يجري في ربوع وأصقاع البلد؟! اكتفوا -فقط- ببضعة أمتار، وأسندوا مسؤولية حراسة أمتارهم المعدودة لقوات إفريقية "الأميسوم" مدججة بالسلاح، وتركت شأن بقية الأقاليم لحركة الشباب المجاهدين لتفعل ما يحلو لها، لا يهمهم إنقاذ البلد من براثن الجهل والفقر والمرض، وهو ثالوث قاتل أقعد الدول النامية لعقود طويلة، وأخرجها من سياق التاريخ والجغرافيا معا.
استبشرتُ خيراً -كما تفاءل غيري- بأن "المجموعة الانتهازية" في الصومال قد تغير المسار السياسي نحو الأفضل، مستفيدة من تجارب الحكومات السابقة، وتساهم في رفع معنويات الشعب عبر مشاريع تنموية وتعليمية وإغاثية تعيد العزة للنفوس اليائسة، لكنها وقعت في المستنقع السياسي، ولم تنجح في تحويل المسار نحو غد أفضل، هم في سباق مع الزمن لترسيخ دعائم حكمهم عبر تعيينات وترقيات تتم بواسطة شخصيات متنفذه، يغلبها الطابع الجهوي في الاختيار، وهو أمر مؤسف، يزيد الشرخ، ولا يُضمد الجراح.
عجزت المجموعة في بسط هيبة الدولة، وسيادة القانون، وفرض النظام على الأطراف، باتت جزءًا من الصراع مع الأطراف، وحشرت نفسها في بقعة جغرافية محدودة، ولا يدرون، أو يتناسون عمداً أنهم نظام فدرالي ينص دستوره في تقاسم عادل للسلطة والثروة، وهم قبل ذلك، حكومة اتحادية لها سلطة على جميع الأقاليم، وقادرة على التمدُّد وإيصال خدماتها التعليمية والصحية إلى الأطراف.
حشدوا كل طاقاتهم لتقويض النظام السياسي في بونتلاند (حكومة إقليمية في مناطق شمال شرق الصومال) وتطويق وتقزيم جوبالاند( حكومة إقليمية في جنوب الصومال) مع شروعها في تأسيس حكومات إقليمية تابعة لها في النهج الانتهازي لضربها في وجه خصومها من بقية الأقاليم إذا ما استدعت الضرورة، وحادثة "جالكعيو" خير شاهد على ذلك، مات العشرات من أجل عنجهية وغطرسة المجموعة، وإبراز عضلاتها المفتولة أمام شعب هزيل بفعل المأسي المتكررة عليه.
ولأول مرة في تاريخ الصومال يصبح البرلمان الصومالي ساحة مفتوحة للتجاذبات السياسية، تتقاطر على أعضائه المال السياسي، ويمارس الرئيس ضغوطا متزايدة على رئيس وزرائه، ليقوم الأخير بتعديل وزاري طفيف من أجل تمكين وزير مُقرّب لا تستغني الحكومة عن خدماته وخيوط علاقاته الواسعة مع الخليج العربي، ليلعب دور العرّاب السياسي في بلد يجوع غالبية سكانه، وتشبع المجموعة حتى التخمة، بعيداً عن الرقابة والوازع الأخلاقي.
الصومال أمام لحظة تاريخية مفصلية وفارقة، وربيع عربي من نوع آخر، وهي ثورة أجمعت القوى المعارضة -الممثلة لكل شرائح المجتمع- برفض طغيان المجموعة، وانتظار انتهاء حكمهم، كان المتوقع من المجموعة أن يعززوا دعائم الديمقراطية، ويوسعوا هامش الحرية، لكنهم لم يوفقوا، حتى حزبهم السياسي أصبح فارغ المحتوى، عداك أن يخلقوا بيئة حزبية نزيهة.
والعد التنازلي سيبدأ مع بداية العام الجديد؛ لأن الصومال سيشهد نهاية عام 2016 انتخابات حرة، ولا يساورني أدنى شك بأن المجموعة ستبدأ في التعدي على المال العام وترسخ مبدأ الدولة العميقة والاستقطاب السياسي، ويظل الشعب هو المغلوب على أمره.
يتوق كل مواطن صومالي إلى أن يرى بأم عينيه العرس الانتخابي قد تحقق، والكل يصوت لمن يراه مناسبًا، لكن كيف الوصول إلى هذا المبتغى؟ والمجموعة منتفخة الأوداج، مكشرة الأنياب! على كل حال عامكم سعيد والصومال بخير.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.