الأحلام هي أبرز اهتمامات سيغموند فرويد، لكن قبلها ظهر نبوغه الفكري بالهستيريا، كانت الدافع لانعطافته الفكرية والعلاجية. الهستيريا طبعا بعد الإشعاع الذي سلّطه عليها التحليل النفسي، هي أعراض حركية غير مفهومة نتيجة لخطاب مكبوت، الأعراض الهستيرية هي خطاب مشفَّر يلزمه تفكيك، وبتفكيك الخطاب تتفكك الأعراض، تلك هي خلاصة العلاج بالتداعي الحر كما ركزت عليها الممارسات النفسية للمنهج المذكور.
تشترك الأحلام والهستيريا، في أن كل معطياتهما تحتوي تشفيرات لخطاب يخضع للمنع والرقابة، لكن الخطاب يجد هذين المسارين (الأحلام/الهستيريا) للتعبير وتجاوز الكبح الداخلي.
الهستيريا عملية لفت انتباه إلى أن شيئا ما في شخصية وحياة الهستيري ليست على ما يرام، يلزمها استماع، عناية، اهتمام، مساعدة، علاج.. إلخ.
لأجيال منذ الحرب العالمية الثانية، مرورا بالحرب الباردة حتى دخول القرن الجديد، ظلت الأجواء العربية ترضخ لثنائية السلطة والشعب، السلطة لا تصل حد تلبية المطالب الشعبية، والشعب لا يجد السلطة الممثِّلة لقيم الديمقراطية والحرية وجعل الحياة قابلة لأن تعاش بشمولية الحقوق الإنسانية.
وبعد فشل الاتهامات بإلقاء الشعوب لأسباب الفشل على دكتاتورية وتعصب السلطة، وهذه الأخيرة بإلقاء اللوم على تخلّف الشعوب، ارتأى الطرفان إلى حل يحمي الخصوصية النرجسية والهوية المتعالية، وذلك بإلقاء اللوم على التدخل الخارجي في المصالح الداخلية، كعصابة من الفضوليين تصعد خشبة المسرح لإفساد العرْض.
تبنّى اليمين المتشدد، خطاب الماضي نظرا لثنائيته الحادة: صراع الله والشيطان، بتمثيل الجانب الشيطاني على الخارج (كما على الداخل المستورَد، على سبيل المثال الاشتراكيين)، هنا يتحمّل الخطاب كل الأشكال لردع الشيطان بما أن هذا الأخير لا يتوانى عن استغلال كل الوسائل للإغواء والتدمير. حينما ينطلق الخطاب من الإلقاء نحو نطاق الفعل: يظهر العنف، طالما أن الخطاب عنيف.
تبنّت جماعات "الأذن البلاستيكية" التي تتلقف كل ما يجود به اليمين حامي تراث الأجداد، خطاب هذا الأخير، فتولّد الإرهاب كعرَض هستيري: سلوك انفعالي يتمظهر بأقسى أشكال العنف المحضة، كتعبير عن كبت داخلي يتجلّى في الحرمان القسري من رفاهية الحياة. الغريب في الأمر أن الحرمان القسري لا يمارس من عوامل خارجية بقدر ما هو مضمون الخطاب الداخلي الديني (إشكالية فهم)، والمد الوهابي السعودي، يلتقي بتصاعد الجبهات الجزائرية.
يعمد الإرهاب لضرب أبرز أماكن الرفاهية، سواء في البلدان المجاورة أو حتى بالبلدان الداخلية التي تحتضن هذه التجمعات؛ من جهة أخرى، هذه البلدان المحتضنة تستفيد من جراء ذلك.. كيف؟
وضع السياسة الداخلية بين قطبين: قطب القبول والرضى بسياسية النظام الفاشل، أو التعرض لعدوى وتأثير الإرهاب.. يصبح دور النظام هنا هو ردع الإرهاب، تتضخم هذه المهمة حد التغطية على المتطلبات السياسية الأخرى. كما يفتخر اليسار بانقلاب الربيع العربي لإرهاب عربي، كتوجيب إبعاد الإسلاميين من إفساد اللعبة السياسية. يستمد النظام -بغض النظر عن سياسته- شرعيته من ثيمة الإرهاب. (بل حتى الإسلاميين انقبلوا بمستوى الأزياء للتنصل سياسيا من الإرهاب).
وكسياسيين ومحلّلين على حد سواء، يصبح الإرهاب الموضوع الذي يميز المناطق العربية الهستيرية دولياً: تُكافح الإرهاب، وبنفس الوقت تلفت انتباه السياسات الدولية إلى حاجتها للدعم.. وما يبرهن كل ذلك أن الهستيريا تضمن لها ولوج اللعبة دوليا باعتبارها دولا مكافحة، بدل أسواق استهلاكية!
لا يتعلق الأمر بالقضاء على الإرهاب، فهو لا يعدو أكثر من جماعات تعتمد على تبنّي انفلاتات أمنية لصبيان جانحين، وتهمة التمّويل تُلقى هنا وهناك؛ إنما يتعلق بالاستفادة منه كوضع وكموضوع من جانب عدة أطراف.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.