في فهم معنى الاحتلال

اللافت في الاحتلال البريطاني والفرنسي أيضاً ، أن زوال الاحتلال تم باتفاقية لإدخال شعوب المستعمرات البريطانية والفرنسية في الحرب مقابل استقلال شكلي لهذه البلدان وصناعة حدود لها ومنحت الاعتراف مقابل قتالها في صف الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ، وهذه الاتفاقيات بحد ذاتها شكل متقدم الاستعمار علينا أن نحسن فهمه وتحليله لا سيما ونحن نقاسي اليوم من ويلاته.

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/06 الساعة 07:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/06 الساعة 07:18 بتوقيت غرينتش

تطاولت على البشرية عصور من القهر والاستبداد ومصادرة التاريخ والهوية تحت مسميات عدة ، كلها تستظل بمظلة الاحتلال الصريح أو المقنع ، وتاريخ الأمم شاهد على أنماط متفاوتة من منسوب البطش، وحالة التأثير بين احتلال وآخر .

دعوني أبدأ من الاحتلال البرتغالي الذي امتد قرابة قرن من الزمان ، وكان من أقسى وأعنف أنواع الاحتلال شكلاً ومضموناً ، فهذا الاحتلال كان قائماً على القتل والتدمير وتفريغ الأرض من أهلها ومصادرة الثروات ، وكان فناؤه نتيجة لإجرامه ، فقد تفجرت في وجهه حركات المقاومة التي قضت على امبراطورية عالمية كان يحكمها ، وقلّصت حضوره اليوم لدويلة صغيرة هامشية .

الاحتلال الإسباني الذي كان مرافقا له إبان حملة الكشوفات الجغرافية التي امتدت من القرن الرابع عشر وحتى الثامن عشر ، حمل طابع الإجرام أيضا ، ولكن المفارقة بينهما ، أن الاحتلال الإسباني المجرم انتهى على أيدي الدول الغربية التي اعترضت مصالحها مع إسبانيا فقضت على امبراطوريتها مترامية الأطراف، وكان فناء إسبانيا المتجبرة على يد من ظنت ردحاً من الزمان أنهم في نفس معسكرها من قوى أوروبا المتنافسة .
ثم جاء بعد ذلك الاحتلال البريطاني ليشكل من خلال سياسته القديمة الجديدة " فرق تسد " مرحلة جديدة في تفرع أشكال الاستعمار ، من استعمار الانتداب إلى الاستعمار الاستيطاني إلى مراحل متطورة من الاحتلال الثقافي والاقتصادي وصناعة التبعية .

اللافت في الاحتلال البريطاني والفرنسي أيضاً ، أن زوال الاحتلال تم باتفاقية لإدخال شعوب المستعمرات البريطانية والفرنسية في الحرب مقابل استقلال شكلي لهذه البلدان وصناعة حدود لها ومنحت الاعتراف مقابل قتالها في صف الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ، وهذه الاتفاقيات بحد ذاتها شكل متقدم الاستعمار علينا أن نحسن فهمه وتحليله لا سيما ونحن نقاسي اليوم من ويلاته.

وهنا ، علينا أن لا ننسى أن ألمانيا التي هزمت في الحرب الكونية كان لهزيمة احتلالها تداعياته العالمية ، فقد أصبحت كل مستعمراتها رهنا بقرار فرنسا وبريطانيا في طرفة عين ، وخسرت نفوذها العالمي نتيجة الحرب ، وهو ما عنى لها خسارة الاحتلال المباشر لدول عدة في أفريقيا ، وأسواقا عالمية في قارات العالم الخمس.

أما أمريكا التي دخلت الحرب متأخرة ، وتحديداً بعد إنهاك قوات الحلفاء والمحور ، فقد أسست منهجية احتلال قوية وخاصة بها تقوم على استعمار اقتصادي ثقافي إحلالي عسكري مركب ، يضمن حضورها فعليا في دول أخذت مسميات بلا صلاحيات ، لتفرض منتجاتها وأفكارها في مواجهة المعسكر الشرقي الاشتراكي بخطط استراتيجية فاعلة تضمن قوتها وحضورها وديمومة الولاء لها مع ضمان تفوقها العسكري عالمياً.

ومن تبعات التضارب الدولي في المصالح ، وتعدد المخططات الغربية التي وضعت المشرق الإسلامي برمته على طاولة الشطرنج الخاصة بها ، بتنا نسمع عن صراعات ونزاعات ودويلات وتحالفات واحتلالات جديدة كلها تحاول أن تحاكي الماضي بشكل سخيف ، فلا هي تحقق النجاح في سوق الكبار ، ولا يمكن لها أن تبني سوقاً استراتيجياً دون موافقة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، ولا يمكن لها أن تأخذ قراراً ترفضه الدول الخمس في منظومة الظلم العالمي المسماة بهيئة الأمم .

الاحتلال الاسرائيلي اليوم هو صورة ممسوخة من صور الاحتلال ، فكيان الاحتلال جيء به ليقوم بدور وظيفي ، ولا يمكن أن يكون احتلالاً دائما في ظل المعادلة الدولية ، وكل ما تقوم به دولة الاحتلال اليوم ما هو إلا محاكاة لأشكال الاحتلال الثقافي والإحلالي والانتداب والاحتلال العسكري مع بعضها البعض ، وهي ومن خلفها دول العالم الكبرى تعلم أن لا حياة لهذا المشروع في المنطقة ولو امتد عمره لعقود بسيطة .

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد