انتهاء عصر الحركة الإسلامية التقليدية

في الحقيقة، ظلت مسألة التربية هي النطاق الرئيسي في فكر الحركة الإسلامية التي إذا انحلت مشاكلها (أي التربية) انحلت باقي المشاكل، فهل هي كذلك الآن؟ أم أن النطاق الرئيس يحتاج إلى تجديد وإعادة نظر عميقة، وخصوصا بعد ثورات الربيع العربي والثورات المضادة. ومن الأسئلة: أين موقع الحزبية الآن وكيف يتم انخراط الشعب في العمل بدلا من أن تتحمل الحركة الإسلامية العبء لوحدها؟ ثم أين المتخصصون في علم الاجتماع والسياسة والفكر والإستراتيجيات في الساحة الحركية؟ إذ الملاحظ على المنجزات أنها نتاج ممارسة تقوم على التجربة والخطأ والتعلم من حركيين مخلصين لا متخصصين، حيث غابت التخصصية.

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/28 الساعة 02:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/28 الساعة 02:44 بتوقيت غرينتش

يأتي هذا المقال كتطوير لمقال كتبتُه منذ أشهر.. عن ضرورة التغيير الكلي للحركة الإسلامية، خشية الدخول في مرحلة الموت السريري، وفي هذا المقال بعض الإضافات على المقال السابق، خصوصا بعد التغيرات المتسارعة في منطقتنا العربية.

تصدرت الحركة الإسلامية بمفهومها الواسع تفاعلات مجتمعاتها وبلدانها وكان لها إسهاماتها الفكرية والدعوية والسياسية والاجتماعية، إضافة لتقديمها نخبة من المفكرين والعلماء والدعاة. وخاضت الحركة الإسلامية في تاريخها الطويل تجارب عديدة متنوعة. ولا شك فإن جماعة الإخوان المسلمين وهي أكبر هذه الجماعات وأطولها عمرا من حيث البنية والتماسك، وخاضت تجارب مختلفة من سياسية واجتماعية ودعوية وفكرية ونقابية. كما خاضت تجارب متنوعة مع الأنظمة الحاكمة، فمنها الهادئ ومنها العاصف ومنها ما بين المنزلتين ووصلت إلى سدة الحكم في الانتخابات الرئاسية في مصر، وشكلت الحكومة في تونس والمغرب. ولقد تميز مؤسسها حسن البنا بأنه استطاع في وقت مبكر أن يقدم بانوراما إسلامية واسعة من حيث: النظرة والإستراتيجية والفهم. ولم يتمكن أحد من بعده أن يقدم طريقة أو آلية واضحة المعالم في كيفية إسقاط هذه البانوراما على الواقع. وظلت الجماعة تنادي بشعار إقامة الدولة الإسلامية (أو الحكم الإسلامي) دون تحديد خارطة طريق واضحة.

لقد كانت الخارطة العامة إصلاح الفرد ثم الأسرة ثم المجتمع ثم يأتي إصلاح الحكم، لكن هذا الطريق عام جدا، وليس بالضرورة أن هذه الانسيابية في عملية التغيير حتمية. وهي كذلك ليست قطعية الانتقال من مرحلة إلى أخرى، ولم تبين شروط الانتقال بين المراحل. وظلت جماعة الإخوان المسلمين منذ ذلك التاريخ وإلى الآن وهي في إطار هذه المفاهيم تقريبا. والمستقرئ لمسار الحركة التفاعلي يمكن أن يستنتج أن المخاضات التي عاشتها على تنوعها وكبرها في بعض البلدان لم تكن في سياق التخطيط أو البناء على فكر واضح أو من خلال عملية تغيير واضحة المعالم. في حقيقة الأمر بدت عملية التغيير قائمة على التفاعل مع الأحداث وردات الفعل، وعلى تطور الأحداث وتفاعل المتغيرات ومحاولة استغلال الفرصة بشكل من أشكال التفاعل الحي الذي ينقصه التخطيط المسبق والإعداد والتجهيز، ولهذا كانت التجارب وخصوصاً ما حدث في مصر وتونس وليدة اللحظة ووليدة التفاعل مع الأحداث وتطورها لا نتيجة ترتيب وتخطيط معدٍّ له.

خاض باقي طيف الحركة الإسلامية تجارب متنوعة، فانتهجت جماعة التبليغ منذ تأسيساها وإلى اليوم نهج الدعوة، وإلقاء بذرة الخير لعلها تثمر يوما ما. وخاضت الحركة السلفية وتطورت في تجربتها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.. فمن مجموعات لا تجيز الخروج على الحاكم إلى مجموعات تكفر الحاكم والمحكوم. وانتجت نهجاً ميزته الغالبة التشدد وعدم اللين والدخول في تفاصيل جزئية والتشدد فيها، والابتعاد عن حقيقة التغير المجتمعي، وعدم الالتفات إلى هوان الأمة على الناس وضعفها أمام الدول العالمية الأخرى وضياع سيادتها.

إلى أن الحركة السلفية عموما شهدت تغيرات داخلية انقلابية فظهر منها من أعاد حلة ما كان قد حرم مثل التصوير واستخدام وسائل الإعلام بكل أشكاله، والتحدث إلى عامة المسلمين بعيدا عن لغة التشدد، ومنهم من تطرف إلى أقصى درجات التطرف فانتقل إلى دائرة التكفير والحكم بردة من ليس معهم وإباحة قتل المسلمين بحكم الردة. صحيح أن هناك بعض الشخصيات السلفية نحت منحى الاعتدال والحوار مع الأطياف الإسلامية الأخرى ورأب الصدع، إلا أن الفكر السلفي ما زال بسمته العامة مفتقرا لأمرين مهمين هما: التوازن، ووضوح منهج التغيير والاتفاق الداخلي عليه. وما زال الفكر السلفي يراوح بين نقيضين في التغيير من مهادنة الحكام والولاء لهم إلى التكفير وقتال الحكام وكل من يخالفهم الرأي.

ولما كانت جماعة الإخوان المسلمين هي أقدم هذه الجماعات وأكثرها تنظيما وأكبرها عددا وانتشارا وخاضت تجارب كبيرة فإن الحديث سيتركز عليها بشكل عام. إن تقييم جماعة الإخوان المسلمين بتاريخها الطويل وتجاربها لا يمكن أن يكون في في مقال، إلا أن الأمر يستحق الإطلالة الأولية في منحاها الإستراتيجي العام وليس في تفاصيل الأحداث والتكتيكات والمناورات والتفاعلات الداخلية، ذلك لنُخرج أنفسنا من عنت تقييم الأنشطة والأهداف التفصيلية والمناورات الآنية ومدى فاعليتها، إذ إن ذلك شأن داخلي لا يستطيع المراقب الخارجي معرفته. والمراقب الخارجي ينظر إلى الأداء الإستراتيجي العام محاولاً الإطلال عليه بعيداً عن تفاصيل الأعمال في الميدان ومركزاً على النتائج العامة التي يراها من الخارج.

المنجز التاريخي للحركة الإسلامية

لقد تعرض العالم العربي في ظل الاستعمار وإلى فترة قريبة من نهاية القرن العشرين إلى هجمة كبيرة حاولت أن تضرب الأمة في هويتها. والهوية هنا بمفهومها الشامل من الدين واللغة والعادات والتقاليد وأشكال الثقافة، وليس الجدل هنا باحتواء الهوية للثقافة أم بشمول الثقافة للهوية. ولكن الحديث عن الهجمة التي قادها العلمانيون بقصد أو عن غير قصد من أجل نزع الجانب الديني من هوية الأمة العربية التي إن عُرّفت ربطت بالدين والتاريخ مسلميهم ومسيحيهم. فالأمة العربية ارتبطت بركيزتين أساسيتين هما الدين واللغة العربية. صحيح أن بعض العلمانيين لم يحارب اللغة مباشرة ولكنهم بالعموم وقفوا موقف المعادي للدين إحدى أهم الركائز في المكون الثقافي لهوية الأمة العربية.

لقد استطاع العلمانيون في تركيا أن يجتثوا الهوية التركية بخطوتين غير مسبوقتين في تاريخ الأمم، الأولى إلغاء اللغة العثمانية في سابقة لم تحدث في التاريخ الحديث أن تغير أمة لغتها بتغيير حروفها.. وبالتالي عزل تام للأجيال عن قراءة تاريخه وتراثه وفصل الأجيال عنها، وبالتالي اجتثاث جزء مهم من الهوية من خلال اجتثاث هذا الجزء من التاريخ. والثانية كانت عزل الناس عن الدين ومنع الأذان باللغة العربية ومنع الحجاب ونشر العلمانية بعنف بل ممكن القول بوحشية. إلا أنه يسجل للحركة الإسلامية في العالم العربي تحديداً وبكل أطيافها أنها وقفت بكل قوة واقتدار أمام المد العلماني الزاحف الذي تمكن من السلطة في العديد من الدول العربية. وقدمت الحركة الإسلامية التضحيات من أجل منع هذا المد من إنجاز ما حققته العلمانية في تركيا. وحافظت الأمة على هويتها بل عادت الصحوة الإسلامية في نهاية السبعينيات من القرن العشرين بقوة ووضوح وحُفظت هوية الأمة العربية.

دورة الحياة

إن الجماعات والمؤسسات والدول كالبشر، تعيش وتنمو وتتطور وتكبر وتهرم ثم تزول، ولكن الفرق بينها وبين البشر أن المؤسسات أو الجماعات ممكن في وقت الضعف أن تولد لنفسها دورة حياة جديدة من خلال تجديد رئيسي في الفكر أو الإستراتيجية أو الأهداف. والناظر إلى الحركة الإسلامية وخصوصا الإخوان المسلمين يلاحظ تراجعاً وترهلاً وفقداناً للوميض والبريقن وخصوصاً بعد تجربتي مصر وتونس وما أحاط بهما من فشل أو إفشال. كما تأتي الأحداث في الأردن لتبين ما تتعرض له الجماعة من مخاض داخلي مقلق لكينونتها ووحدتها، ثم تتبعها الخلافات الحادة بين إخوان مصر (الجماعة الأكبر حجماً).

وبالرغم من المدة الطويلة جدا للجماعة، إلا أنها لم تستطع بشكل واضح أن تجدد في طرحها الفكري والإستراتيجي وفي آليات التطبيق، ولم تبدِ براعة في المناورة للوصول إلى أهدافها -لا يقصد هنا في التجديد والمناورة التنازل عن المبادئ والأهداف العامة- وإن كانت الحركة الإسلامية في تونس أكثر براغماتية إلا أنه وبالرغم من هذه البراغماتية انتهى المطاف بها تدريجيا إلى خارج الحكم.

تعيش الحركة الإسلامية عامة والإخوان المسلمون خاصة مرحلة صعبة، ومن المتوقع إذا استمرت الأمور على ما هي عليه أن تدخل الجماعة مرحلة الهرم وصولا إلى مرحلة الموت السريري، بمعنى أن دورة الحياة للجماعة في مرحلتها الأخيرة. وللخروج من هذه الحالة فإنه على الحركة الإسلامية عامة والإخوان المسلمين خاصة توليد دورة حياة جديدة من خلال حركة تجديدية كلية وجذرية قائمة على خمسة محاور أساسية:

التجديد في التركيبة الفكرية:

منذ عهد حسن البنا وحتى هذه اللحظة لم تقدم الحركة الإسلامية تجديدا في تركيبتها الفكرية، بل ظلت تطرح ما طرحه مؤسسها، وكأن العجز عن تنفيذ وتحقيق ما كان يحلم به البنا ظل هو السائد والمهيمن على الفكر والأسلوب والطريقة والهيكلية. صحيح أن الجماعة قامت بمناورات سياسية كالمشاركة في الانتخابات التشريعية، ومناورات اجتماعية من خلال الجمعيات الخيرية والإصلاحية، وبعض المناورات الشعبية مستفيدة من الأحداث في العالم الإسلامي، وخصوصا أحداث القضية الفلسطينية. إلا أن هذه المناورات تبقى بدون أثر تغييري حقيقي في المجتمع أو في التركيبة السياسية للدولة، بل هي مناورات أبقت الحركة كترس في ماكينة الأنظمة مما عاد بالنفع الإستراتيجي على الأنظمة أكثر منه على الحركة الإسلامية. والمطلوب الإجابة وبكل جرأة عن مجموعة من الأسئلة منها: ما هو النطاق المركزي للحركة الإسلامية في هذه الفوضى الفكرية التي تعيشها الأمة؟ هل هو الجهاد بمعنى بذل الجهد بمختلف الجوانب أم هو إقامة دولة الإسلام؟

في الحقيقة، ظلت مسألة التربية هي النطاق الرئيسي في فكر الحركة الإسلامية التي إذا انحلت مشاكلها (أي التربية) انحلت باقي المشاكل، فهل هي كذلك الآن؟ أم أن النطاق الرئيس يحتاج إلى تجديد وإعادة نظر عميقة، وخصوصا بعد ثورات الربيع العربي والثورات المضادة. ومن الأسئلة: أين موقع الحزبية الآن وكيف يتم انخراط الشعب في العمل بدلا من أن تتحمل الحركة الإسلامية العبء لوحدها؟ ثم أين المتخصصون في علم الاجتماع والسياسة والفكر والإستراتيجيات في الساحة الحركية؟ إذ الملاحظ على المنجزات أنها نتاج ممارسة تقوم على التجربة والخطأ والتعلم من حركيين مخلصين لا متخصصين، حيث غابت التخصصية.

وما هو المشروع الفكري الذي يحلم به الإسلاميون؟ هل هو استعادة صورة الخلافة في عهد الراشدين؟ هل هو اختزال الشريعة في القانون في ظل دولة وطنية (قومية)؟ هل هو تطوير تطبيق الشريعة لتصل إلى الأمور الجنائية إضافة إلى الأحوال الشخصية؟ أم هو الإصلاح في ظل دولة قهرية؟ أم المشاركة في الانتخابات البرلمانية.. وبالتالي التحول إلى جزء من أجزاء معادلة الديمقراطية المطروحة في ظل الدولة القومية (nation state)؟

التجديد في التركيبة الإستراتيجية

وهو نتاج طبيعي للتجديد في التركيبة الفكرية، وهنا تطرح أيضا مجموعة من التساؤلات الحرجة في خانة التفكير والتحليل الإستراتيجي: هل بقي مجال لنهج الإصلاح يمكن أن ينجح بعد تجربة مصر وليبيا واليمن، أم أن نهج الثورية هو المطلوب؟ ما الرؤية؟ هل هي الوصول إلى الحكم أم إصلاح اجتماعي أم إصلاح سياسي أم البقاء على الحياة؟ وبالتالي ما الأهداف الكبرى في ظل واقع عربي مرير مضطرب في هذه الحقبة التاريخية؟ ما مهمة الحركة الإسلامية وماذا تفعل بالمواليد الجدد على الساحة الإسلامية من داعش وغيرها؟ وما رؤيتها الجيوستراتيجية في واقع يتدخل فيه البعيد قبل القريب وتتدخل فيه القوى العالمية الكبرى وقوى إقليمية مثل إيران وغيرها؟

التجديد في التركيبة البنيوية (الهيكلية)

الناظر إلى الحركة الإسلامية يستنبط أن بناها الهيكلية صممت منذ العشرينيات لتناسب ذلك الواقع ولتحقق أهدافا في ذلك الزمان وفي تلك البيئة، فهل من المعقول تصور أن البيئة الحالية هي نفس البيئة قبل ثمانين عاما وبالتالي تبقى الأطر الهيكلية هي نفسها دون موائمة للعصر ولأحداثه الكبرى الحالية؟ ناهيك عن بعض التيارات الإسلامية التي قد تحرّم التراتيب الهيكلية أو أن الشيخ هو الأول والثاني والأخير دون اعتبار لرأي الكوادر الأخرى. ألا يوجد فكر تجديدي في هذا الشأن؟ ألا يوحي الربيع العربي الكبير بمتغيراته الكبرى بإمكانية أن تكون الحركات الاجتماعية الجماهيرية بديلا معتبرا قد يوازي النخب والتنظيمات والأحزاب؟ ثم كم عدد الأفراد الذين ينضوون تحت راية الحركة الإسلامية كأفراد منتظمين مقارنة بعدد الشعوب الإسلامية التي تصنع الأحداث حاليا دون أن تنتظر الحركات الإسلامية التقليدية؟ صحيح أن الحركة الإسلامية ذات طابع أيديولوجي وإطار بنيوي وهي قادرة على التعبئة، إلا أن الحركات الشبابية التي ظهرت في الربيع العربي ويقودها في الأساس شباب وشاركت بفاعلية في هذا الربيع تستحق التفكير التجديدي الإبداعي في الهيكلية ليكون لهم دورهم الفاعل بالرغم من أن حركتهم ذات تركيبة بنيوية رخوة. ولعله أضحى من الضروري البحث عن التجديد الإبداعي في الهيكلية بدلاً من الغرق في هياكل تقليدية هرمة لم تعد تصلح حتى لتحريك نفسها في بيئات ذات حركية وتعقيد عالٍ جدا؟

التجديد في التركيبة التطبيقية

أي في إنزال الأفكار على الأرض، ففي الغالب ما زالت الإسلاموية الحركية بمختلف تنوعاتها تستخدم نفس الآليات التي رسمت منذ التأسيس. صحيح أن هناك آليات جديدة كانت تبرز من حين إلى آخر لكن في العموم هناك جمود في آليات التطبيق ناتج في الأصل عن الجمود في التركيبة الفكرية والتركيبة الإستراتيجية والتركيبة البنوية الهيكلية. وظلت الآليات محصورة في الإسلاميين أنفسهم أو أنصارهم في أحسن الأحوال، لكن أين الجمهور؟ وأين الشباب والنساء من هذه الآليات؟ وما المساحات المشتركة بين التمدن الإسلامي والتمدن غير الإسلامي القادم من الغرب؟ وما المساحات المشتركة بين الإسلاميين وغير الإسلاميين في نفس البلد؟
وهل سيبقى مصطلح إسلامي وغير إسلامي يتداول و يفرق بين أبناء المجتمع الواحد وأبناء الدين أنفسهم؟ ألا يمكن التجديد الحقيقي في آليات جديدة للفعل والحشد، والتحرر من بعض القيود التنظيمية والحزبية؟

التجديد في التركيبة الإيمانية والأخلاقية

وهو جانب مهم ليس فقط في حياة الحركة الإسلامية بل في حياة أبناء الأمة الإسلامية عموما. فعلى مستوى أبناء الحركة الإسلامية أنفسهم هناك حاجة إلى تجديد في التركيبة الإيمانية والأخلاقية التي هي أساس الشريعة الإسلامية "وإنك لعلى خلق عظيم". وهناك حاجة ماسة لأبناء الأمة الإسلامية نتيجة مافعلته الحداثة بالمجتمعات الإسلامية من تغير في المفاهيم والسلوك. إن محاولة بناء جيل قرآني لا تجدي إن لم يعرف هذا الجيل مكونات أمته ومكونات الحضارات الأخرى والتعرف عليها بعقلية المتدبر لا عقلية الرافض، وبعقلية الواعي المستنير لا بعقلية المنغلق، وبعقلية الواثق من التركيبة الأخلاقية والنماذج الأخلاقية في حضارته لا عقلية الخجول.

الخلاصة

تواجه الحركة الإسلامية ظروفاً خارجية إقصائية في حقيقتها من قبل بعض الأنظمة العربية والثورة المضادة، فإذا أضفنا ذلك إلى المعوقات الداخلية الكبيرة فإنه ليس أمام الحركة الإسلامية إلا التجديد الكلي الجذري، وإلا ستدخل مرحلة الموت السريري بأسرع مما يتوقع قادتها، إن لم تكن دخلتها بالفعل. وعليها ألا تخشى التجديد الجذري خوفا من فقد أنصار على اعتبار أن التجديد في أصله يتحدى تقاليد استقرت في العقول، وقد يثير قضايا شائكة لا يستطيع الجيل القديم أن يتخيل نفسه أن يعيش في حياة حركية بدونها. أم سيظل الإسلام ينتظر مشروعه التجديدي من المهدي المنتظر؟ أم من أجنبي هو في الأساس مجهض ومناهض لبزوغ نور جديد في المنطقة؟ أم من داخل ترنخ وتقوقع بفكر حزبي وكل ما في وسعه هو أن يكرر أسطوانته القديمة التي نشأ عليها دون اعتبار للمتغيرات الكبرى في المنطقة. ولعل الحركة الإسلامية تعاني عدم تقبل في داخلها للفكر التجديدي الجذري أو لا تملك الأدوات المطلوبة..

وعليه أضحى التجديد الكلي ضرورة حتمية ليعطي دورة حياة جديدة بفكر جديد واعٍ متفتح وإستراتيجية طموحة مستنيرة وهيكلية إبداعية وآليات تطبيق يشترك فيها كل أبناء المجتمع. وإن لم يتم فعل ذلك فلا بد من نشاط فكري عميق للتفكير في مرحلة ما بعد الحركة الإسلامية التقليدية الذي يبدو أنه أصبح قاب قوسين أو أدنى.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد