أول مرة قرأت فيها رواية، إن لم تخني الذاكرة، كانت نهايتها مفتوحة.. تملكني الغضب كثيراً وشعرت أن كل ما فعلته من جهد لإتمامها ضاع هباءً، ووصلت لدرجة أثارت شكوكي في لحظات عدة، أن طبعة الرواية فيها خطأ ما أتى لي بها ناقصة.. ولا أخفي أني أردت الاتصال بالناشر لأشكو له، وحمداً لله أني لم أفعل.
لدقائق قليلة فكرت، ماذا إن كان الأمر انتهى هنا؟ هذه هي النهاية.. مع عدم احتمالات وجود بدائل أو تكملات؟ هكذا.. نهاية وحيدة، مفتوحة، مبهمة الملامح، لانهائية.. بدأ خيالي يسرح في الأمر.. وحين تأكدت من أحد قراء الرواية بشأن نهايتها، شعرت بشعور طمأنينة غريب، وحتى الآن لا أدرِ لمَ!
مع الوقت، صارت النهايات المفتوحة حلاً مثالياً لتسلية الوحدة، ملاذاً أرجوه وأحلم به وإليه.. ففيها لا توجد أحكام نهائية، لا شعور كامل بحزن ولا فرح، لا دليل يؤكد على طريق للمأساة أو لليوتوبيا، مجرد تردد يراود عقلك.. لا تعرف منه تحديد قرارك بالسلب أو الإيجاب. فقط تُوقِعك النهاية المفتوحة في مزيج العتمة والحيرة والضعف.. وتمنحك، بلا شك، كثيراً من الحب.
مع كثرة القراءات بعدها، عرفت أن النهاية المفتوحة هي روح الرواية وضالتها.. تترك لك نفسها بمقابل واحد هو: اعثر علي بنفسك إن استطعت.. وآمنت بها لأنها، أياً كان شكلها، تظل أفضل بمراحل من النهايات الصادمة حد السخف.
ولما خط قلمي الصفحة البيضاء، جاءني تعليق من صديق ذات يوم، على عيب في تكوين قصصي القصيرة، وهو أن أغلب قصصي تنتهي بنهايات مفتوحة تثير فيه الحيرة.. وبعد فترة من الصمت، حاولت أن أرد عليه برد مقنع.. لكني لم أجد. فالأسئلة حول الكتابة طالما كانت تزعجني؛ لماذا تكتب القصة؟ ما أهمية الرواية؟ ماذا يضيف السرد الميتافيزيقي في الرواية الكورومبولاتينية؟.. لست أكاديمياً لأجيب على تلك الثرثرات، ولا أود أن أكون. أستمتع فقط بالكتابة، والخيال.. وهو يهمس لي بقصصه القصيرة ليلاً.
وسألني صديقي مُصِراً: كيف لكاتب ألا يعرف لماذا وضع نهاية قصته؟ وخاصة إن كانت عن الثورة؟ لا بد أنها ترمز لشيء ما!
ورغم سذاجة السؤال من الخارج، شعرت بجمال ما داخله.. ربما لأنني أحببت الأحلام التي أنسى نهايتها، أو الأحلام التي أستيقظ منها قبل أن تنتهي فجأة.. كنت أتمنى أن تنتهي ثورة 25 يناير/كانون الثاني بتنحي مبارك ثم الصمت التام.. بلا احتمالات منتظرة، وبلا أمنيات مفترضة طموحة.. بلا حدث بعيد أو قريب مليء بالهذيان، وبلا خدش زائد لأرواح شهداء آخرين.
أن نعود للثورة وينتهي كل شيء لحظة التنحي، لنستيقظ من الحلم لا على الواقع لكن للخيال، فالنهايات المحبوكة خلقت لترضي الجمهور، والثورة عمل فني.. كان يليق بها إرضاء النفس أولا!
كنت أرجو أن ينتهي الأمر نهاية مفتوحة، ولو قامت القيامة أو انتشر الوباء.. لكن لم أكن آمل ما وصلنا إليه الآن.. وسألتني عما يمكن أن يحدث إذا لم يعرف الكاتب لماذا وضع نهاية قصته؟ وبعد أربع سنوات كانت الإجابة: لا يهم، المهم أن يعرف لماذا كتبها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.