عُقِدت في العاصمة السعودية الرياض القمة السنوية الـ36 للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجية في الفترة ما بين 8-10 ديسمبر/كانون الأول، في ظل ازدحام الأجندة الإقليمية بعدد من الملفات الساخنة، تتصدرها ملفات اليمن وسوريا والعراق، إضافة إلى ملف التحالفات العسكرية الجديدة مع تركيا، وانتفاضة الشعب الفلسطيني ضد المحتل الإسرائيلي في القدس والضفة الفلسطينية، وما يميز هذه القمة التباين الكبير في وجهات النظر بين الدول الأعضاء بخصوص الملفات الإقليمية، مما شد أنظار المحللين والسياسيين، لوضع تصورات حول السياسات الخليجية تجاه القضايا المتداولة، وأهمها القضية الفلسطينية التي رافقت القمم الخليجية منذ التأسيس، نظراً لطبيعة المشروع الصهيوني الموَّجه بصورة أساس للمنطقة العربية لنهب ثرواتها وضمان انصياعها لسياسات الدول العظمى.
منذ نشأة مجلس التعاون الخليجي، كان الصراع العربي-الإسرائيلي ضمن أجندة الاجتماعات الرئيسية لقادة دول الخليج الست، ففي البيان الختامي للدورة الأولى التي أُعلن فيها إنشاء المجلس والتي عقدت بتاريخ
25-26 مايو/آيار 1981، أعلن المجتمعون أن "ضمان استقرار الخليج مرتبط بتحقيق السلام في الشرق الأوسط، الأمر الذي يؤكد على ضرورة حل قضية فلسطين حلاً عادلاً يؤمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بما فيه حق العودة إلى وطنه وإقامة دولته المستقلة" ولن يكون هذا الحل عادلاً إلا إذا تم "الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية المحتلة وفي طليعتها القدس الشريف" -وفق نص البيان-.
ضمان استقرار الخليج مرتبط بتحقيق السلام في الشرق الأوسط الأمر الذي يؤكد على ضرورة حل قضية فلسطين حلاً عادلاً يؤمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بما فيه حق العودة إلى وطنه وإقامة دولته المستقلة
وبالتالي، فإن تحقيق الحل العادل للقضية الفلسطينية بتأمين حقوق الشعب الفلسطيني، سيؤثر إيجاباً على استقرار منطقة الخليج، التي شهدت فترة تأسيس المجلس عدة أحداث ومؤثرات، يرى البعض فيها الدافع لتعاون دول الخليج فيما بينها، ورغم مضي 36 عاما على التأسيس إلا أن بعض تلك المؤثرات ما زالت تُلقي بظلالها على سياسات وبرامج مجلس التعاون الخليجي.
في القمة الخليجية الـ 36 عبر القادة الخليجيون على ثبات رؤيتهم لحل القضية الفلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، أي إعطاء الفلسطينيين دولة على حدود عام 1967، إذ يرون أن بذلك يتحقق السلام الشامل والعادل والدائم في المنطقة.
ورغم استمرار احتلال إسرائيل للأراضي العربية، والمحاولات الدائمة والمستمرة لتغيير هوية ومعالم القدس الشريف، واستمرار الاستيطان، والعقاب الجماعي للفلسطينيين، والهجمات الممنهجة الإسرائيلية على المسجد الأقصى، إلا أن موقف المجلس لم يتخطَّ الإدانة المعتادة، ومناشدة المجتمع الدولي القيام بمسؤولياته والضغط على إسرائيل من أجل حملها على إيقاف هذه الممارسات التي تخرق قرارات الشرعية الدولة والقيم الإنسانية.
وهذا الموقف السياسي لا يتناسب مع وزن وثقل دول الخليج العربي السياسي والاقتصادي والجغرافي، خصوصاً إن أخذنا بعين الاعتبار ما تقدمه إيران -المنافس التاريخي لدول الخليج- من دعم للقضية الفلسطينية في مختلف المجالات، وما تقدمه تركيا -الحليف الجديد والأبرز للخليج- للفلسطينيين.
وإن أخذنا بعين الاعتبار استقرار بيانات قمم مجلس التعاون الخليجي منذ التأسيس وحتى بيان القمة الأخير؛ فإن دائرة الفعل الخليجي في الصراع العربي-الإسرائيلي لم تكن على قدر التحدي، ولم تكن بمستوى المسؤولية الدينية ولا القومية، وجاءت في أغلبها كردات فعل لم تصل حتى لتقابل الفعل الإسرائيلي بل كانت دونه دائماً، رغم امتلاك المجلس لمقومات القوة الصلبة والناعمة التي يمكنها تهديد الكيان وإخضاعه دون تكبد عناء التعلق بالجهود الأميركية.
وإن ناقشنا ما طرحته القمم الخليجية -وهو نفسه الموقف الرسمي العربي- بإقامة الدولة الفلسطينية القابلة للبقاء وتعيش جنباً إلى جنب على حدود 1967 مع إسرائيل، فذلك يعد ضرباً من الخيال؛ في ظل تصاعد الشعور بالانتماء الديني إلى الوطن لدى طرفي الصراع، خصوصاً وإن أخذنا بعين الاعتبار السياسات الإسرائيلية التي تتمثل في توسيع الاستيطان، ونهب المزيد من الأرض والثروات، لخلق واقعٍ لا يمكن تجاوزه سياسياً.
لذا فإنه يقع على مجلس التعاون الخليجي الآن عبء النهوض بالحالة العربية المشتتة، نظراً لامتلاكه -حتى الآن- مقومات الترابط، والقوة القادرة على إحداث تطور نوعي في مسار الصراع استناداً للمحددات الدينية والقومية والأمنية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.