بوتين ليس ديمقراطيًا.. ولكِن

يجدر بالقارئ العربي الباحث عن تجارب "النهضة" بالدول والأمم أن يقف لحظة واحدة أمام بوتين الذي نهض بالدولة الروسية التي وصلت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي إلى مرحلة متدنية على المستوى الدولي، حتى انفردت الولايات المتحدة بالتسوية في البوسنة والهرسك الحديقة الخلفية لموسكو، وتدخل حلف شمال الأطلسي عسكريا لأول مرة ضد يوغسلافيا السابقة كأول تطبيق عملي لفكرة حق المجتمع الدولي في التدخل العسكري ضد دولة عضو في الأمم المتحدة لاعتبارات التدخل الإنساني دون تصريح من مجلس الأمن الدولي، وهي جارة كذلك لروسيا.

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/15 الساعة 08:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/15 الساعة 08:00 بتوقيت غرينتش

فلاديمير بوتين، نجم الساعة وأحد المرشحين لقائمة شخصية العام في مجلة تايم. ومع الإجماع النسبي على تهوره ورعونته، سوى من بعض معسكرات "الثورات المضادة" في المنطقة العربية، لا بد من مراجعة سجل الرئيس الروسي، بهدف التذكير ببعض منجزاته وتجربته الخاصة بـ"النهضة" التي تشغل بال عدد من المميزين في مجال دراسة النهضة الذي راج في المجتمع العربي قبل الربيع العربي وما زال يشكل هاجساً في فضاء الربيع حتى الآن. قد لا يكون عدم اختيار بوتين الديمقراطية نهجاً في الحكم محط خلاف، ولكنه يشترك مع عدد من زعماء الشرق الأوسط في ذلك، فهل حققت هذه الدول ما حققه بوتين؟ هذا موضوع المقالة.

يقول مؤرخون إن فلاديمير بوتين بدأ يقود روسيا عندما تولى رئاستها بالوكالة في آخر يوم من عام 1999 بعد الاستقالة المفاجئة لبوريس يلتسين، وقد تمكن بوتين حتى نهاية سنوات رئاسته الأولى في آيار/ مايو 2008 من مضاعفة دخول المواطنين الروس ثلاث مرات، في حين انخفضت معدلات الفقر والبطالة بتلك الفترة إلى ما يقارب النصف، كما ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بنسبة 600٪ من الناحية الاسمية وبنسبة 72٪ من حيث القوة الشرائية.

وقد شهدت فترة رئاسته للوزراء منذ عام 2008 وحتى 2012 إصلاحات عسكرية وسياسية واقتصادية أعادت مكانة روسيا العالمية، وخاصة كقوة عظمى فيما يتعلق بالطاقة (Energy Superpower)، كما دعم صناعات التكنولوجيا الفائقة مثل الصناعات النووية والصناعات الدفاعية، حيث تجدر الإشارة إلى أن روسيا بدأت بتطوير منظومة الدفاع الجوي المتفوقة S500 في عام 2009.

تشير مؤشرات الديمقراطية العالمية إلى تراجع الديمقراطية في روسيا، التي منعت من حضور قمة G8 عام 2014 بسبب ضمها إقليم القرم. ويوصف بوتين بأنه "القيصر العائد" و"المستبد" و"الغبي" و"المتهور" إلى غير ذلك من الأسماء التي تطلقها وسائل الإعلام الغربية، وتستنسخها وسائل الإعلام العربية دون أدنى إبداع.

لا يمكن تغطية الشمس بغربال، فروسيا دولة معتدية سواء في سوريا أو القرم أو في أوكرانيا أو في جورجيا وحتى أوسيتيا وأبخازيا والشيشان قبل ذلك وغيرها، ولكن لا بد من الاعتراف بأننا في كثير من تناولنا الإعلامي نضم صوتنا إلى صوت الغرب في التعامل مع الأحداث، يقع الجميع في ذلك، وليس النقد هنا لصدقية الوصف من عدمه ولكن النقد للاستنساخ الذي يعكس حالة مزرية من الاكتفاء بالغرب ليس مصدراً للمعلومة – التي قد يكون المنتج الأول لها – ولكن مصدراً لكل الأحكام كذلك.

يجدر بالقارئ العربي الباحث عن تجارب "النهضة" بالدول والأمم أن يقف لحظة واحدة أمام بوتين الذي نهض بالدولة الروسية التي وصلت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي إلى مرحلة متدنية على المستوى الدولي، حتى انفردت الولايات المتحدة بالتسوية في البوسنة والهرسك الحديقة الخلفية لموسكو، وتدخل حلف شمال الأطلسي عسكريا لأول مرة ضد يوغسلافيا السابقة كأول تطبيق عملي لفكرة حق المجتمع الدولي في التدخل العسكري ضد دولة عضو في الأمم المتحدة لاعتبارات التدخل الإنساني دون تصريح من مجلس الأمن الدولي، وهي جارة كذلك لروسيا.

ألسنا نبحث عن إعادة الاعتبار والمكانة بين الأمم وننبش الكتب بحثًا عن قصص وقصائد الفخر؟
فها هو بوتين يتدخل في الشيشان، وأوسيتيا الجنوبية، وفي أوكرانيا، ويضم القرم، ويدخل سوريا برًّا، ويفرض وجوده دون رفض عملي من الغرب في كل هذه الحالات، ويعيد إلباس روسيا الاتحادية رداء الاتحاد السوفييتي أمام المعسكر الغربي شاء من شاء وأبى من أبى.

ليست هذه دعوة للصمت عن الإجرام المتكرر يومياً من آلة القتل الروسية، ولكنها دعوة للتأمل للحظة واحدة في تجربة جديرة بالإشادة في النهضة باقتصاد روسيا وجيشها ومكانتها العالمية. ربما حالف بوتين الحظ في ارتفاع أسعار النفط مطلع القرن الحادي والعشرين، ولكنه استثمر ذلك في النهوض بروسيا الاتحادية وإعادة مكانتها العالمية.

قفزة أسعار النفط لم تكن حكراً على موسكو، التي قد تكون وفق مؤشرات الحرية اختارت القوة الاقتصادية والعسكرية على الديمقراطية، فقد كان جديراً بهذه القفزة أن ترفع بعض دول الشرق الأوسط التي لم تختر الديمقراطية، لكي تحجز لها مكانة على الأقل بين الاقتصادات الناشئة إلى جانب تركيا والبرازيل، فضلاً عن حجز مكان كقوة عظمى في مجال الطاقة (Energy Superpower).

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد