شغل المرشح الجمهوري (الأوفر حظاً حسب بعض التقارير) للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب الناس بتصريحه المثير للجدل على خلفية الاعتداءات الأخيرة في كاليفورنيا في الولايات المتحدة، والتي دعا من خلالها لمنع المسلمين من دخول البلاد حتى يتم فهم ما يجري.
وقد لاقت تصريحاته استهجان الكثير من الساسة والمعلقين سواءً داخل الولايات المتحدة أو خارجها والذين وصفوا هذه التصريحات بـ"العنصرية" التي تخالف القيم الأمريكية. بغض النظر عن مدى جديته، وهو الذي عرف بإثارة الجدل من خلال تصريحاته منذ بدء حملته الانتخابية للرئاسة، وذلك للحصول على فترة زمنية أطول في الفضاء الإعلامي الأميركي حيث تناقش تصريحاته ما بين مؤيد ومعارض، وبغض النظر كذلك عن الأهداف المختلفة لمن انتقده من الساسة وذلك لحاجة في نفوسهم وتحقيقاً لمصالحهم وليس لغرض انتقاد التصريح ذاته، فإن ما يعنيني هنا وما أنا بصدد مناقشته، هو تأثير هذا التصريح على أعماله التجارية وعلى شركائه وتحديداً في الشرق الأوسط حيث يشكل الإسلام ديانة معظم السكان.
وحيث كانت الأنظار تتجه لأحد شركائه المعروفين في المنطقة، شركة داماك العقارية والتي تقوم بتطوير أحد أكبر المرافق السكنية الفاخرة والمطلة على ملعب جولف في مدينة دبي، والتي ستديرها إحدى شركات ترامب للضيافة، فاجأتنا مجموعة لاندمارك القابضة والمالكة لعدد من محلات بيع التجزأة المعروفة مثل سبلاش ولايف ستايل وهوم سنتر بمبادرتها، بسحب جميع المنتجات التي تحمل العلامة التجارية لترامب من متاجرها. وهي إذ تقوم بذلك فإنها في المقام الأول تحترم عملاءها ومعتقداتهم، وتقوم بمسؤوليتها في مراعاة مشاعر شريحة كبيرة منهم، خاصة أن محالَّها موجودة في الكثير من دول المنطقة. من المؤكد أن هناك فائدة مالية من هذه الخطوة الاستباقية (وهذا من حقها) فهي في النهاية مجموعة تجارية هدفها ربحي، لكنها بمبادرتها كسبت احترام عملائها قبل أموالهم. وهنا أود التركيز على أهمية التحرك السريع وتأثيره الإيجابي والمتزايد خلال الأزمات والدور المحوري لإدارة الاتصال المؤسسي في المجموعة أو استشاري العلاقات العامة التي تتعامل معه المجموعة في تحليل الأحداث وسرعة التصرف وعدم التردد في اتخاذ قرار كهذا لاشك سيؤثر مالياً على المدى القصير ولكنه يضيف الكثير مالياً ومعنوياً على المدى الطويل (كما يبدو حتى الآن من تعليقات الجمهور في وسائل التواصل الاجتماعي).
أعيد التأكيد على مبادرة المجموعة.. خاصة أن الكثير من الجمهور والزبائن لم يكونوا على علم بأن منتجات ترامب تباع في متاجرها. وعلى العكس من ذلك وبدلاً من عدم التعليق، وهو عادة قرار خاطئ تقوم به بعض الشركات خلال الأزمات لترددها أو لكسب الوقت ودراسة القرارات، صرحت داماك بأنها ستكمل مشروعها مع ترامب وحاول رئيسها التنفيذي الالتفاف على الموضوع حين قال إن المجموعة على ارتباط تجاري مع الرجل ولاعلاقة لها بمواقفه السياسية.
قرار داماك جريء وسريع ولكن التاريخ القريب جداً يقول إننا في منطقة يعرف ساكنوها بأن مشاعرهم تؤثر بشكل كبير على قراراتهم بالشراء والولاء، وعُرفوا بحملات المقاطعة الشديدة كما حدث مع الدنمارك في وقت سابق. قد يقول قائل إن قرار مقاطعة السلع الاستهلاكية أسهل وفيه التزام أقل من العقار ولا مجال للمقارنة بينهما، ولكن العكس صحيح أيضاً والبدائل العقارية موجودة بكثرة، كما أن الالتزام باستئجار أو شراء العقار يستلزم وقتاً وجهداً وأي مؤثر خارجي سيساعد بسهولة في تثبيط قرار الالتزام بالاستثمار في العقار والتهرب منه.
أما داماك والتزامها مع ترامب.. فيبدو أنها فضلت مكاسب آنية (مشابهة لطريقتها في تسويق عقاراتها للجمهور) أو أنها تراهن على الأيام لتمر هذه التصريحات بسلام ويتناساها الناس في ظل الأخبار المستعرة والأحداث المتواترة التي تمر بها المنطقة. الوقت جدير بأن يكشف صحة قرارهم من عدمه وكيف سيتصرفون وماذا سيقولون لو ثبت خطأهم؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.