تاريخ الأحياء مزدحم بسلسلة طويلة من حمى التنافس الإقصائي على الموارد، قانون "غوز" عالم الأحياء الروسي صيغ وفقا لملاحظات عليها: "إذا تنافس نوعان على الموارد نفسها، فإنهما لا يمكن أن يتعايشا، ومع الوقت سيسود النوع الأنسب، وسينقرض النوع الآخر أو يتطور إلى نمط حياة أو سلوك آخر". ورياضيا فإن البشرية تتزايد بمتوالية هندسية, فيما الموارد تتزايد بمتوالية عددية، وهذه الفجوة في التزايد (كثرة السكان مقابل موارد أقل منهم) كارثية طبعا، رغم أن الدول المتقدمة لجأت لخيار التكنولوجيا في زيادة الإنتاج وتحسينه بغرض الحفاظ على اتزان عددي ما بين السكان والموارد، إلا أن الوضع في الدول النامية والفقيرة لا يبشر بخير. وحديثا من وقت لآخر صارت تثار أسئلة كانت محتجزة في حدود العلم عن تأثير التغيرات المناخية، قبل أن يلتفت العالم بقلق أكبر إلى كون تطورات فوضى المناخ الطبيعية مضافا إليها أعباء الأخطاء البشرية قاتلة تؤذي النظام الإيكولوجي والموارد, وبالتالي استقرار الحياة العادي وتنعش النزاعات والإرهاب.
هكذا تقرر تنسيق اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ UNFCCC وبروتوكول كيوتو الملحق بها، بحيث تقام مؤتمراتها التي يحضرها كتيبة من صناع القرار السياسي ومندوبي بعض البلدان إلى جانب المؤسسات العلمية المهتمة بشكل دوري، يقدمون فيها خلاصة تصوراتهم بشأن التغيرات المناخية وسبل مواجهتها, وتعديل الموقف من الاقتصادات منخفضة الكربون والخطط الاستراتيجية التي يفترض أن يتم تبنيها لحل المشكلات المناخية قبل أن يصلوا إلى عجز مزمن. كان أهم محاور القمة الأخيرة المنعقدة في لو بورجيه هو الاتفاق على خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بغرض الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض ضمن سقف لا يتجاوز درجتين مئويتين مقارنة مع ما كانت عليه قبل الثورة الصناعية، كي لا يؤدي الأمر لموجات متطرفة من الجفاف والفيضانات والعواصف وارتفاع مستوى البحار لتغمر بعض المناطق المأهولة في العالم وتؤدي لاختلال في الأمن الغذائي والصحي "مجاعات وأمراض" ولنزوح بشري ومصادمات مع السلطات وإرهاب وغيرها من المترتبات.
كان العالم مسكونا بهذا الهم الجماعي، وأظهر كثير من مواطني الدول دلائل تفهّم للمنفعة العامة من هذا الاستحضار للأزمة وتدويلها، ولانعدام بدائل الانتقال لأمكنة أقل تلوثا إن لم نصنع شيئا، فمثلا جاءت بعض اللافتات في تظاهرة أسترالية تحمل عبارة "لا يوجد كوكب ب". رُصدت أيضا تحركات منزعجة في بعض التظاهرات المتفرقة لكنها تُفسَّر عمليا بالاهتمام أيضا. في المقابل كان هناك تجاهل عربي شعوبي مؤسف ومستخسر لتعبئة الفراغ في الحدث، تعامل البعض مع هدف القمة بلا اكتراث، والبعض الآخر بازدراء اطمئنانا بكوننا نعيش, نحن العرب, في عزلة مهداة من الطبيعة وغير معنيين بما يحدث، وأن المخاوف البعيدة تظل محتفظة بمسافتها الزمنية والمكانية البعيدة بصورة دائمة. هنا نضع خطا مهما، فهؤلاء يظنون حقا أن الأمر محصور فقط بالصناعة وانبعاثاتها الكربونية، وبما أن خطيئة العرب في رأيهم هي البقاء خارج المنظومة الإنتاجية الصناعية فهم خارج الحسبة من ضريبتها على تلوث الطبيعة وتغير المناخ. لكن الأمر لا يقاس بهذه الطريقة من التفكير.
العربي لا يعيش في سياق منفصل، بل يتشارك الكوكب ويتشارك موارده، والتغيرات المناخية من الجفاف وإشعال فتيل النزاعات ينسحب على الجميع ولا يضرب حسابا للحدود. لدينا مثال في سوريا، وتحديدا في ريفي حلب ودمشق، والجفاف والجوع الذي أصابها قبل الثورة بست سنوات، وكيف أثّر على التركيبة الديموغرافية للبلاد، ولم يحدث أن تحركت السلطة لمواجهة ذلك كما لم نسمع عن رد فعل صادر من قبل النشطاء المهتمين بالبيئة. التعاطي الشعبي التثقيفي محبط، ومن المؤسف أن الأمر لم يعد يمثل لنا شعورا ببقايا تآلف سابق مع العزلة، وإنما مناداة طازجة بالعزلة من جديد وفك الارتباط عن الكون، لا نفعل شيئا تجاه هذه التغيرات, ولا نتثقف حولها, مع أن اتساع ثقب الأزمة يلتهم الجميع، وسقوط الناس في قراراتهم المنفردة في إطار كوني التقائي يحتويهم كما يحتوي غيرهم غلطة لابد أن تصحح وبشكل عاجل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.