في جانب من المدينة سيدة ترزق بطفلها الأول.. تلفّها الفرحة وتحيطها هالة السرور الذي يخنق الأنفاس.. تبكي فرحاً وترقص دقات قلبها على أنغام هذه الهدية بهية.. فيؤذن أبوه في أذنه ليخبره بأنه مرحّب به في هذه الحياة.
في الجانب الآخر أسرة تفقد أباها ووطن يفقد رجلاً من كبار رجالاته.. تبكيه الأعين وتزفه للجنة حشود من المحبين.. من أحبوه لله وفي الله لا لمنصب دنوي ولا لمكسب مالي.. ينهار الرجال بكاء وتنتفخ عيون النساء وقد أعيتها ملوحة الدموع.. فيؤذن المؤذن ليخبر أهله عن نهاية مقامه في هذه الحياة.
هنا فتاة تناقش دكتورتها وتنالها بدرجة مشرفة جداً.. يحيطها أهلها وأصدقاؤها.. فتبكي فرحاً وتفخر بأنها أنجزت ما كانت تحلم به.. تصافح حلمها وتعانقه بعد أن صار واقعاً.. ترى مسيرتها قد تكللت بنجاح كبير.. تهدي عملها لأبويها الفخورين بهذه الدكتورة الصغيرة التي خرجت للوجود من دمهما ولحمهما.
وفي الجانب الآخر شاب لم يستطع أن يكمل دراسته واضطر لأن يخرج لسوق العمل في سن مبكرة.. تلفه الدمعة حين يعجز عن قراءة مكتوب بلغة أجنبية.. وتحيطه الحرقة عندما يصادف ابن جيرانهم الذي استطاع إتمام دراسته بالخارج.
الحياة صعود وأفول.. يبتليك الله لينعم على غيرك.. وينعم عليك ليبتلي غيرك.. تبكي اليوم لتضحك غداً.. وتضحك اليوم لتحزن بعد غد.. لا شيء تاماً كاملاً.. لا الفرح يدوم ولا الألم يستمر.
تصيبنا مصيبة فنظن لحظتها أنها نهايتنا وأن الجرح لن يطيب وأنه الضياع الحتمي.. تمر أيام أو شهور.. فنتناسى.. سنوات.. لننسى وكأننا ما حزنا من قبل.
نفرح لترقص تلافيف قلوبنا طرباً.. ونظنها سعادتنا الحتمية وبهجتنا الأبدية.. تمر أيام.. نتعرض لابتلاء.. فننسى كل لحظة فرح ونظن أن لقلوبنا ما كتبت السعادة قط.
نسابق الأيام فتسبقنا.. ونراقص الفرح والحزن.. نعلو أياماً وننخفض أخرى.. نرى السعادة فننكر الألم.. ونسامر الحزن فنتناسى الفرح.
نبكي لنجد الراحة.. ونضحك لنطرد الحزن.. ونلتقي جميعاً عند مقدر الأحوال وخالقها.. نرى في أعين الحزانى لجوءهم لصاحب الأقدار كي يخفف عنهم.. ونرى في ثنايا بسمات السعداء رجاءهم لرب العطايا كي يديم سرورهم.
وبين هؤلاء وهؤلاء.. يبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.