اللاجئون ورحلة الهروب من الحصن العربي إلى الحضن الغربي

هنا وعند هذه النقطة أصبحت دول الاتحاد الأوروبي على يقين تام بأن هذه الفئة من العرب و المسلمين التي لجأت إليها لا تمثل الوجه المظلم للشعوب اليائسة وليس لها أي علاقة بالجماعات الإرهابية التي تهدد أمن المنطقة كما يصورها البعض وإنما هم أناس هربوا من واقع مرير على أمل أن يجدوا فرصة للعيش بكرامة بعيدا عن طغيان الأنظمة الحاكمة التي تسيطر على مقدراتهم وتيقنت أيضا بأن هناك من سيعيد أمجاده العربية ولكن بنكهة أوروبية و على رقعة جغرافية بعيدة عن وادي الرافدين وتدمر وتأسس لحضارة إنسانية تجمع بين العقول النيرة والنظام الديمقراطي البعيد عن العنصرية والفئوية والمحسوبية.

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/09 الساعة 04:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/09 الساعة 04:19 بتوقيت غرينتش

شهد العالم في السنتين الأخيرتين أكبر موجة لجوء بعد الحرب العالمية الثانية وكانت لدول الاتحاد الأوروبي حصة الأسد في استقبال مئات الآلاف من اللاجئين ومن مختلف الجنسيات و لكن كان للاجئين السوريين والعراقيين طعم مختلف للذائقة الأوروبية بعيدا عن موضوع الإرهاب الذي يروج له الإعلام، فمن خلال تسليط الضوء على الوجه الآخر للاجئين العرب و تجربة متابعة قضايا لاجئي سوريا والعراق في مراكز الاستقبال الأوروبية وجد أن الكثير منهم من حملة الشهادات الجامعية العليا من ماجستير ودكتوراه وفي مختلف الحقول و الاختصاصات وهذا ما يميزهم عن باقي اللاجئين العرب أو الأفارقة الذين طلبوا اللجوء لأسباب اقتصادية، حيث أنهم كفاءات علمية لم تغادر بلادها إلا بعد تهميش وإقصاء وتهديد و إخفاء قسري ومنهم من له آراؤه السياسية التي تعارض الأنظمة الحاكمة من أجل النهوض بواقع البلد فما كان منهم إلا الهروب من تلك الأنظمة الطاغية وما كان لأوروبا إلا استقبالهم على بساط أحمر وإطلاق العنان لإبداعاتهم واستثمار طاقاتهم الشبابية لخدمة المجتمع الأوروبي، حيث أكدت الاستطلاعات تفوق نسبة كبيرة من طلبة المدارس السوريين و العراقيين وحصولهم على أعلى الدرجات نسبة إلى أقرانهم من أهل البلد في المواد الدراسية و حصولهم على شهادات تقديرية عديدة وكل هذا طبعا لا يتم إلا بعد اتقان اللغة و سرعة الاندماج في المجتمع الأوروبي ما يعني أن أوروبا سوف تحصد في السنوات القادمة ما زرعت في هذه الأيام فهي مقبلة على استقبال أجيال تكمن قوتها في نقطتين مهمتين و أساسيتين، الأولى تتمثل في الطاقة الإيجابية ومعدل الذكاء الذي تتمتع به هذه الأجيال، وأما الثانية فهو الدعم غير المحدود من قبل الجهات الحكومية لهذه الطاقات والتي بدأت بوادرها تظهر في عدد من الدول الأوروبية.
هنا وعند هذه النقطة أصبحت دول الاتحاد الأوروبي على يقين تام بأن هذه الفئة من العرب و المسلمين التي لجأت إليها لا تمثل الوجه المظلم للشعوب اليائسة وليس لها أي علاقة بالجماعات الإرهابية التي تهدد أمن المنطقة كما يصورها البعض وإنما هم أناس هربوا من واقع مرير على أمل أن يجدوا فرصة للعيش بكرامة بعيدا عن طغيان الأنظمة الحاكمة التي تسيطر على مقدراتهم وتيقنت أيضا بأن هناك من سيعيد أمجاده العربية ولكن بنكهة أوروبية و على رقعة جغرافية بعيدة عن وادي الرافدين وتدمر وتأسس لحضارة إنسانية تجمع بين العقول النيرة والنظام الديمقراطي البعيد عن العنصرية والفئوية والمحسوبية.

كل هذا يجعلنا نتساءل لماذا لم تستثمر الحكومات العربية وخصوصا سوريا والعراق هذه الطاقات لبناء البلد؟
وهل تعمدت أوروبا سحب الطاقات العربية المبدعة لخدمتها من خلال فتح باب اللجوء على مصراعيه؟
أم إن هذه الطاقات المبدعة أصبحت تشكل عبئا على حكوماتها وتسبب إحراجا لها من خلال طرحها للآراء السياسية والأفكار التي من شأنها تقويض الأنظمة الحاكمة إن أخذت طريقها الصحيح ومداها الحقيقي؟

إن مسألة اللجوء تمثل مصلحة متبادلة بين جميع الأطراف، الطرف الأول يتمثل بالأنظمة الحاكمة التي همها التخلص من مواطنيها (المشاكسين) والمبدعين فكريا عبر فتح ممرات آمنة للهروب، والطرف الثاني يتمثل بالدول المستقبلة للاجئين كما ذكرنا آنفا، والطرف الثالث يتمثل باللاجئ الهارب نفسه بطبيعة الحال، أما موجة اللجوء فلن تنتهي إلا إذا اكتفى كل من تلك الأطراف الثلاثة ووصل إلى ما يصبو إليه .

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد