في ظلّ الظروف التي يمرُّ بها العالم الإسلاميّ والعربيّ خاصةً, بدأت الحركات الإسلامية في الظهور بشكل غير مسبوق، خصوصًا تلك الحركات المتطرفة، التي تتخذ من الدين الإسلاميّ غطاءً لأفعالها الإجرامية والإرهابية.
تلك الحركات ترتكب جريمةً بحق الإسلام والمسلمين قبل أن ترتكب جريمةً بحق الإنسانية والآخرين، وكما حصل في هجمات باريس الأخيرة, فإنه وعقب كلّ هجوم إرهابيّ يبدأ الغرب وبعض المسلمين والعرب بطرح السؤال الذي لا ينتهي: هل الاسلام دين متطرف ويدعو للتطرف؟ هل الدين هو الغرس الأساسي للإرهاب والتطرف؟ ويبدأ مسلسل "الاعتذاريين" الذين يظنون أنه بأعذارهم ودفاعهم عن الدين الإسلامي سوف يقتنع الآخرون بأن الدين الإسلامي دين تسامح وسلام، ولكن الأجدى والأولى أن نعترف نحن المسلمون بأن هناك خللاً ما يجب علينا أن نجده ونحدد مساراته ونعالجه؛ كي لا نجد أنفسنا عاجزين، ليس عن الدفاع عن الإسلام فحسب؛ ولكن عن الدفاع عن أنفسنا أمام المتطرفين والإرهابيين ومستغلي الدين، وهنا يُطرح السؤال: هل الدين الإسلامي دين يدعو للتطرف؟
بالتأكيد إن الدين الإسلامي ليس ديناً متطرفاً ولا يدعو للتطرف لأنه ببساطة هو دين: كالمسيحية واليهودية والبوذية والكونفوشية. ودائماً ما نرى أن هذه الأديان ذات طبيعة استثنائية معقدة تطورت بشكل استثنائي ارتباطاً بالبيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فالبيئة الحاضنة هي من تحدد مسار تطور الأديان وانفتاحها على الحداثة، وليس الدين هو من يحدد كيف تسير الحداثة والتطور. لك أن تنظر كيف كانت أوروبا في العصور الوسطى، وكيف كان الجانب الإسلامي منارةً للعلم والسلم بينما الشق الآخر في أوروبا تعمّه الحروب والعنف والتطرف والقتل وقتذاك؛ ولكن بعد تغير المسار التاريخي السياسي والاقتصادي والاجتماعي لكلتا البقعتين الجغرافيتين من العالم ساد الأمن والسلام في إحداهما وعمَّ التطرف والعنف في الأخرى، وهذا كفيل بالجزم بأن الدين لا يلعب دوراً في خلق التطرف، ولكن السياق السياسي والبيئة الحاضنة هي من يحددا ذلك.
أحد الأمثلة على ذلك هو جماعة "كو كلاكس كلان" في الولايات المتحدة والتي تتبنى العنف والعنصرية والأفعال الإرهابية والمتطرفة ضد الأفارقة والكاثوليك والمسلمين وغيرهم، وكذلك الجماعات اليهودية الإرهابية كعصابات الأرجون والهاجانا، وأخيرًا جماعات تدفع الثمن في الضفة الفلسطينية.
وبغض النظر عن الأديان فإن المشكلة الأكبر والأخطر في المعادلة الحالية هي أن العالم الإسلامي أنتج لنا شيئاً جديداً لم يكن موجوداً من قبل، وهو الجماعات المتطرفة التي تتبنى العنف نهجاً لها لفرض رؤيتها الشمولية المستمدة من تفاسيرهم الدينية الأصولية المتطرفة. تتعدد الأسباب التي تمثل البيئة الحاضنة للتطرف والراديكالية، فالفقر والعنف والديكتاتوريات والقمع والبطالة والجهل كلها أسباب تؤدى للتطرف.
الجديد في الأمر هو أن هذه الأسباب مغلفة في العالم الإسلامي بغطاء ديني متطرف يعتمد على تفسيرات عنفوية للقرآن والسنة. إن هذه الجماعات الأصولية المتطرفة والتي هي نتاج العالم الإسلامي لا ترفض فقط الحداثة والتطور والعلمانية ومبادئ حقوق الإنسان والمرأة؛ ولكنها ترفض أهم مبدأ من مبادئ الدين الإسلامي وهو التسامح الديني والحفاظ على التنوع الديني والعرقي.
ولم يقف الأمر مع هذه الجماعات الأصولية عند رفضها التسامح الديني، ولكنها تعمل على تصدير التطرف والعنف إلى البلدان الأخرى، التي يعمّها السلام وتحتضن ملايين المسلمين ممن هربوا من أفعال المتطرفين وهوايتهم المحببة (القتل) محاولين نشر العنف وعدم الاستقرار تحت ذريعة التفسيرات الخاطئة والخطيرة للقرآن والسنة، وبالاعتماد على كتب وتفسيراتٍ متطرفةٍ كان الأجدر التخلص منها قبل مئات السنوات.
التفسير السابق يضعنا أمام حقيقة واقعية وهي أننا لسنا أمام مجموعة صغيرة من المتطرفين أو الإسلامويين الراديكاليين الذين يحاولون تحقيق مكاسب سياسية، ولكننا أمام مجموعة عريضة وكبيرة من الإسلامويين والمتطرفين الذين صبغتهم الهوية الدينية، وتغلبت على القيم السياسية والإنسانية الأخرى.
بناءً على ذلك فإن تطور المجتمعات الإسلامية يكمن في التخلص من هذا الداء، وهو داء التطرف والمتطرفين، وهنا لا أقصد المتطرفين الذين يتخذون العنف وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية ولكن الشريحة العريضة من المتطرفين الذين يختبئون تحت عباءات شهاداتهم الأكاديمية والعلمية ومناصبهم الدينية والروحية. وهذه هي الفاشية الإسلامية التي لا تمثل الإسلام ولا ترتبط به تحت أي شكل من الأشكال. هذا المذهب اللامتسامح والمتعصب الراديكالي والمعادي للتطور وإخراج المجتمعات المسلمة من عباءة التطرف والشيوخ.
ما الحل إذن؟
إن العالم الإسلامي يمر بمرحلة صعبة وعلى مفترق طرق، وعليه أن يقرر إما أن يعقد صلحاً مع نفسه ومع مجتمعاته، وأن يقول نعم للحداثة، وأن يتوافق مع مبدأ أساسي من مبادئ نجاح الدول وهو مبدأ العلمانية والتخلي عن الطائفية، وإما أن يستمر في طائفيته وقتاله الداخلي بين طوائفه المختلفة، مصدّرين التطرف والعنف والراديكالية إلى دول العالم.
إذْ لم يكتفوا بتدمير مجتمعاتهم بل ويتطلعون لتخريب المجتمعات الأخرى. إن السياسات الدينية أو الدولة الدينية لن تجدي نفعًا في تطوير المجتمعات؛ بل ستكون عبئاً كبيراً على المجتمع ومواطنيه وستقود صراعًا داخليًا لا نهاية له.
إن بداية الحل يكمن في الدول الداعمة للتطرف (السعودية, قطر مثالاً) التي صرفت مليارات الدولارات منذ السبعينات على المتطرفين وحركاتهم. يجب وقف الدعم المالي وتغيير طرق تصدير الفكر المتطرف للدول العربية والإسلامية الأخرى، وعقد مراجعة شاملة للمناهج التعليمية الدينية في كافة مراحلها، أما العنصر الآخر والمهم فهو وقف استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية معينة, كاستخدام السعودية للدين للتحريض على التمدد السياسي الإيراني واستخدام إيران للدين للتحشيد ضد أنظمة عربية معينة، وهو ما خلق بيئةً حاضنةً للمتطرفين في كلا الاتجاهين للتحريض على بعضهم البعض، وعلى الآخرين وارتكاب جرائم بحقهم باسم الدين.
مع وجود "داعش" ووجود دول إسلامية يقودها نظام إسلامي يحكم على الشعراء والكُتاب بالإعدام أمام حرية الكلمة والتعبير، نقف أمام التحدي الأكبر، وهو: كيف نستطيع وقف هذا التدهور في المجتمعات المسلمة، ما نحتاجه هو حلولٌ خلاقةٌ وإبداعية في وقف التدهور الحاصل، الذي سينهي التنوع الديني والعرقي في المجتمعات المسلمة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.