عمليات عدة وقوية نفذها ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في اليمن مؤخراً، كان أبرزها وصوله إلى محافظ عدن جعفر محمد سعد وقتله هو وعدد من مرافقيه.
قبلها قامت "داعش اليمن" بعمليات عدة استهدفت مقر الحكومة اليمنية وعمليات اغتيال واسعة طالت قيادات في المقاومة الجنوبية ومسؤولين في محافظة عدن، بشكل أثار الهلع والخوف لدى المجتمع الدولي والإقليمي على حد سواء.
يحمل تنظيم داعش الإرهابي راية الإسلامي السني السلفي المتشدد، ويقول إنه يعمل على تطبيق الشريعة الإسلامية، مستنداً إلى ما جاء به إمام الوهابية محمد عبدالوهاب القادم من أرض الحجاز.
في اليمن تقول جماعة الحوثي المتمردة المسنودة من الرئيس السابق علي عبدالله صالح إنها تقود حروبها في أرجاء اليمن لتطهيرها من "الدواعش"، بل إن الجماعة في كل إعلامها تقول إن هادي وحكومته حكومة داعشية إرهابية.
وفي ذات خطاب لزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي لم يكتفِ بقوله إنهم يقاتلون الدواعش بل اتهم هادي شخصياً بمساندته للدواعش، مستغلاً القلق الدولي من هذا التنظيم الإرهابي الذي انتشر كانتشار النار في الهشيم وفي أشهر معدودة.
من هنا فإنه يفترض وبشكل تلقائي أن تكون جماعة الحوثي المدعومة من صالح هي الهدف الأول والرئيسي لتنظيم داعش الإرهابي، ويفترض أن تكون عملياتها في الشمال لا في الجنوب وتحديداً في صعدة حيث مركز الجماعة ومكان تواجدها المذهبي.
صحيح أن عمليات نفذتها داعش في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي وتحديداً في صنعاء، إلا أن هذه العمليات لم تستهدف الجماعة أو أي من قياداتها، وإنما استهدفت المساجد التي يعرف الجميع أنها ليست مساجد طائفية، وغالباً ما تكون هذه العمليات متبوعة بعمل إعلامي مركز يُظهر أن الحوثيين كجماعة محسوبة على الشيعة مستهدفة من قبل الإسلام السني (الداعشي)، رغم أن معظم القتلى الذين سقطوا في المساجد هم من المسلمين السنة وليسوا الشيعة.
هل داعش موجودة
لأكثر من مرة قالت الولايات المتحدة الأمريكية إنها غير متأكدة من وجود مركز لداعش في اليمن، وتحديداً بعد حادثتي التفجيرين الذين استهدفا جامعي بدر والحشوش في مارس الماضي، وحادث التفجير الذي استهدف مقر الحكومة اليمنية في عدن مؤخراً.
وبالأمس القريب أكد الدبلوماسي القطري الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة أن داعش اسم يستعمله كل مجرم لإبعاد الشبهات عن دوره، قائلاً: إن "الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح مثل رئيس النظام السوري بشار الأسد، يجيدون استغلال اسم داعش".
وقبله أكد رئيس الوزراء خالد بحاح عقب حادث التفجير الذي استهدف مقر حكومته في عدن قبل شهرين أن الحادث له علاقة بصالح والحوثيين، فيما اتهمت الإمارات العربية المتحدة الرئيس السابق علي عبدالله صالح بدعم الإرهاب.
ولم يقتصر الأمر عند مجرد التصريحات، بل إن فريق خبراء الأمم المتحدة الذين ابتعثوا إلى صنعاء أصدروا تقريراً عن نتائج تحقيقاتهم لنحو شهرين، أكدوا فيه ضلوع علي عبدالله صالح في استخدام عناصر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، لتنفيذ اغتيالات ضد أشخاص وهجمات ضد منشآت الجيش، من أجل مزيد من إضعاف الرئيس هادي، وزرع السخط لدى الجيش والسكان.
شخصياً اطلعت على تجربة استخدم فيها علي عبدالله صالح ورقة الإرهاب لتشويه خصومه، وكان ذلك في 2006 عندما قام أحد أنصار صالح في مديرية حفاش محافظة المحويت غرب اليمن بتفجير سيارته قبيل الانتخابات بيومين، حيث بادر ذلك الشخص باتهام أحد قيادات الحزب المعارض لصالح في الانتخابات.
وبعد مرور الانتخابات ولجوء القيادي في المعارضة للقضاء اتضح أن مالك السيارة هو من فجّر سيارته لتشويه خصومه السياسيين.
ومن محاسن الصدف أن الجاني جاءني في 2007 بشكوى يتهم فيها حزب صالح بدفعه لتفجير سيارته واعداً إياه بتعويضه بدلاً عن بسيارته، وهو ما لم يتم.
لماذا استخدام "داعش"
هنا يأتي السؤال حول الجدوى من استخدام ورقة داعش والإرهاب في معركة اليمن التي أصبحت معركة إقليمية؟ ومن هو المستفيد منها؟
وقبل الإجابة عن هذه التساؤلات لابد من الإشارة أولا إلى تصريحات أطلقها مساعد وزير الخارجية الايراني عبداللهيان قبل أسبوع حذر فيها من موجة جديدة من الارهاب في اليمن بسبب استمرار العدوان السعودي على اليمن، على حد وصفه.
لم يمر أسبوع على هذه التصريحات حتى رأينا أحداثاً كبيرة في جنوب البلاد، أبرزها سيطرة القاعدة على مدن في محافظة أبين، وتنفيذ عمليات اغتيالات واسعة في عدن، أبرزها كان اغتيال محافظ عدن الذي لم يستمر في منصبه لشهرين.
إيران ومعها الحوثيون وصالح يدركون تأثير الإعلام على الأنظمة الغربية التي تعتمد في معظم الأحيان على تقارير الإعلام غير العميقة في نقل الوقائع وتحليلها، وبالتالي فإن حوادث كهذه من شأنها تعزيز القلق الغربي من الإسلام السني، حتى وإن كان المتضرر فعلاً هم المسلمون السنة، سواء في اليمن أو في سوريا أو في ليبيا وغيرها.
الحوثيون وصالح بما أنهم يعدون امتداداً لإيران في اليمن يدركون أيضا أن ورقة الإرهاب هي التي أوصلت عبدالفتاح السيسي إلى سدة الحكم في مصر، كما أن ورقة الإرهاب نفسها هي التي أطالت أمد بقاء بشار الأسد في سوريا، وهي التي أدخلت ليبيا في صراع لم يتوقف، وهي اليوم تستخدم في اليمن لإطالة أمد الصراع ولإظهار ضعف الرئيس الضعيف أصلاً عبدربه منصور هادي، مستغلة تفكك الجيش وخوف الخليجيين والمجتمع الدولي مما يسمى الإسلامي السياسي الذي أدخل اليمن والمنطقة العربية في صراع مرير.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.